عرب

بين الحنين والإحباط.. التواصل الاجتماعي يكشف مشاعر متباينة للمصريّين حيال ذكرى “25 يناير”

بسبب التضييقات الأمنيّة.. إحياء ذكرى ثورة 25 يناير يغيب عن الميادين ويغزو الفضاء الافتراضي
حلّت في مصر، أمس السبت 25 جانفي 2025، الذكرى الـ14 لثورة “25 يناير” التي اندلعت ضد نظام الرئيس حسني مبارك واستمرت حتى تنحّيه عن الحكم في 11 فيفري 2011.
وأصبح يوم “25 يناير” موعدا سنويّا يسترجع فيه المصريون لحظات الصراع والأمل التي واكبت اندلاع تلك المظاهرات.
وهو أيضا يوم يعكس التباين في كيفية تفاعل المصريين مع ما جرى، في ظل التغيّرات السياسية والاجتماعية التي مرّت بها البلاد في السنوات اللاحقة.

إجراءات استباقية

على مدار 14 عاما، لم يُخفِ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدائه لثورة “25 يناير” منذ إطلاق شرارتها الأولى، عندما كان أحد أعضاء المجلس العسكري بصفته مديرا للمخابرات الحربية.
ومنذ ذلك الحين، لم يترك مناسبة دون كيل الاتهامات للثورة التي كانت سبيله الوحيد للوصول إلى السلطة، فاستخدمها للتقرّب من الثوار حينا، وتخويف الشعب من الخروج عليه أحيانا.
وتتزامن ذكرى الثورة هذا العام مع بعض المتغيّرات التي طرأت في الجوار، والتي تفرض على نظام السيسي إعادة حساباته للتعامل مع مستجدات الثورة السورية والحرب على غزة.
وهو ما استدعى التعامل معها بطريقة لم تختلف كثيرا عن تعامله معها طوال السنوات الماضية، لكنها لم تخف هذه المرة رعبه من اندلاع موجة ثورية جديدة ضده.
كما جرت العادة، استبق السيسي ذكرى ثورة يناير بتجييش أجهزته لمواجهة مظاهرات محتملة.

حالة التأهّب القصوى

فقبل أيام، رفعت وزارة الداخلية حالة التأهّب القصوى بحجة احتفالات رأس السنة، في حين يرى خبراء أنّ السيسي يفعل هذه الإجراءات لمواجهة احتجاجات محتملة مع ذكرى الثورة.
كما استعان السيسي بأذرعه الإعلامية لتحذير الشعب من اندلاع الثورة ضده، وتخويفهم من مصير مظلم ينتظرهم في حال خروجهم ضده.
فقد أعادت وسائل الإعلام نشر مقتطفات من خطاب قديم للسيسي يتحدّث فيه عن نظرية المؤامرة التي تُحاك لإسقاط الدولة، مؤكّدا أنّ الهدف الرئيسي هو ضرب الاقتصاد المصري.
وفي ظل حالة الإحباط التي يعيشها المصريون، وتزامنا مع انتشار شكاوى المواطنين على منصات التواصل بسبب الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تسبّب فيه نظام السيسي، نفّذت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة في القرى والمراكز في محاولة لقمع المعارضين، وبثّ الرعب في نفوسهم.
كان أبرز مثال على ذلك اعتقال مدون الفيديو محمد علام الشهير بـ”ريفالدو” بعد نشره مقاطع مصورة حقّقت ملايين المشاهدات، ينتقد فيها نظام السيسي.
وتحدّث عن الأزمات المعيشية التي يعاني منها المصريون، واستنكر القبضة الأمنية وقمع حرية الرأي، ما دفع السيسي إلى تجييش أجهزته للنيل منه.
وتعكس هذه الإجراءات القمعية خوف النظام من ثورة جديدة يترافق مجرد لفظها مع كره واضح لثورة سابقة، ومحاربة صريحة لكل رموزها ومكتسباتها.

بين الأمل واليأس

بجُمل ممزوجة بالأمل واليأس، عبّر عدد من المصريين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، عن آمالهم المُستجدّة بتحقيق أهداف الثورة، على الرغم من توالي السنوات.
واعتاد المصريون، كل عام، منذ تاريخ 25 يناير 2011، أن يتذكّروا هتافاتهم في الشوارع والميادين، أبرزها٬ “الشعب يريد إسقاط النظام”، و”عيش حرية كرامة اجتماعية”.
فيما ما تزال استفساراتهم تتصدّر المشهد بيوم الذكرى: كيف بات الداعون لإسقاط النظام خلف القضبان؟ ولماذا لم تنجح الثورة في تحقيق أهدافها؟
وبحلول تلك المناسبة، يسترجع كثيرون أجواء وصدى لتلك الاحتجاجات التي يقول العديد من الناشطين إنها كانت نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ مصر الحديث، وذلك وسط الكثير من الأسئلة حول ما تم تحقيقه، وما لم يتحقّق، وما الذي تغيّر في مشهد الاحتجاجات.
في هذه الذكرى، شهدت منصات التواصل الاجتماعي نشاطا كبيرا بين روادها المصريين، حيث تداولوا وسم “ثورة 25 يناير” بشكل واسع، معبّرين عن مشاعرهم حيال الثورة ومكتسباتها وأهدافها التي قالوا إنّ العديد منها لم يتحقّق.
وعبّر العديد من النشطاء والمواطنين عن حنينهم لتلك الأيام التي شهدت ما اعتبروه لحظة تغيير تاريخية في مصر، حيث كانت هناك مطالبات بإسقاط النظام، والمطالبة بالعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية.
مع ذلك، لم تخلُ الذكرى من مشاعر الإحباط لدى آخرين، إذ تساءلوا عن سبب عدم تحقيق أهداف الثورة حتى اليوم، وأين ذهبت تلك الآمال التي كانت تعيشها حشود الميادين.
تلك التساؤلات أظهرت انقسامات بين المصريين حول تقييم الثورة وتحديد ما إذا كانت قد نجحت أو فشلت في تحقيق تطلّعاتهم.

قبضة أمنيّة

منذ 2014، شهدت مصر حملات أمنية مكثفة تزامنًا مع الذكرى السنوية لثورة “25 يناير”.
وأدّت هذه الحملات إلى اعتقال العديد من الناشطين السياسيين والمعارضين، وأحيانا أشخاصا عاديين شاركوا في فعاليات حاشدة أو عبّروا عن آرائهم ضد السلطات.
وحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تم تسجيل حالات اختفاء قسري لبعض النشطاء.
وأثار تواصل الاعتقالات بشكل متزايد في الأيام السابقة لهذه الذكرى، تساؤلات حول جدوى هذه الممارسات في ضمان استقرار البلاد.
ومع اقتراب الذكرى السنوية لثورة 25 يناير من كل عام، يقول ناشطون إنّ السلطات الأمنيّة تتخذ تدابير مشدّدة لم تقتصر على الشوارع، بل امتدت أيضا إلى الفضاء الرقمي.
وتهدف التدابير إلى منع أيّ مظاهرات قد تجذب المواطنين إلى الميادين، وتعيد للأذهان مشهد الاحتجاجات السابقة.

حديث الثورة في الفضاء الافتراضي

بينما كانت مواقع التواصل الاجتماعي مكانًا للحديث عن الثورة وتداول الذكريات والمواقف المختلفة، كانت هناك تعليقات متباينة من قبل رواد الشبكات الاجتماعية.
البعض رأى أنّ الاحتفال بالذكرى هو تذكير بما حقّقته الثورة من تغيير في النظام السياسي، بينما آخرون رأوا أنّ الاحتفال بهذه الذكرى قد يكون بمثابة “نقمة” على ما لم يتحقّق من أهدافها.
ومن جانب آخر، أعرب العديد من النشطاء والمواطنين عن رغبتهم في استرداد “ثورتهم” التي اعتبروا أنها قد تم “اختطافها” من قبل السلطات، في إشارة إلى سيطرة القوات المسلحة على مقاليد الأمور بعد الإطاحة بحسني مبارك.
جُمل مثل “لن يرتاح المصريون حتى يستردوا ثورتهم” تعكس الإحباط المستمر من التطورات السياسية في البلاد، خاصة في ظل ما يراه البعض تراجعا عن مبادئ الثورة.
وبينما يظل الجدل قائما حول ما تحقّق وما لم يتحقّق، يظل السؤال قائما: هل سيستمر صدى الثورة في التأثير في المستقبل السياسي لمصر؟