بين البروباغندا و”التفاعل المهني”.. جدل بشأن مقال سعيّد بجريدة “الصحافة”

تحوّل مقال لرئيس الجمهورية قيس سعيّد يرجع تاريخه إلى سنة 1989، إلى محور جدل خلافي في الأوساط الصحفية في تونس، وذلك إثر قيام جريدة “الصحافة” بإعادة نشره الأحد 12 مارس، بعد أكثر من ثلاثة عقود من صدوره للمرة الأولى على أعمدتها.

إعادة نشر المقال الذي حبره رئيس الجمهورية في مقتبل حياته البحثية والجامعية في مجال القانون الدستوري، وحمل عنوان “العلاقة التاريخية بين الدين والدولة”، جاء بعد زيارته التي أداها إلى دار “سنيب لابراس”، التي تصدر جريدتي “الصحافة” و”لابراس” الناطقة بالفرنسية، وشدّد خلالها على التمسّك بالصحافة الورقية وعلى رمزية المؤسّسة ومكانتها في تاريخ الصحافة التونسية.

إعادة النشر قوبلت بردود فعل متباينة، وسط تحفّظ فئة من القطاع الصحفي التي اعتبرت الأمر مسّا بواجب الحياد والمهنية، خاصّة بالنسبة إلى مؤسّسات الإعلام العمومي، كما وصفها آخرون بأنّها تعكس انخراطا في جوقة “التصنيج والتطبيل” للرئيس سعيّد في خضم الانتقادات الموجّهة إليه بـ”التضييق على حرية التعبير ومحاولة تطويع وسائل الإعلام”.

الصّحفي سمير الجراي علّق على المسألة في تدوينة على فيسبوك بالقول: “إنقاذ المؤسّسات لا يجب أن يكون ثمنها البروباغندا فانتبهوا”، وذلك في إشارة ضمنية إلى الصعوبات التي تواجهها دار “سنيب لابراس” منذ فترة طويلة ما جعلها على حافة الغلق والإفلاس.

قفص الدعاية السياسية

في تصريح لبوابة تونس اعتبرت الصحفية أسماء البكوش أنّ الإعلام التونسي لم ينجح منذ 2011 في عملية الاصلاح ولعب دوره الأساسي، مشيرة إلى أنّ الإعلام العمومي المموّل من طرف دافعي الضرائب ظلّ يتخبّط نتيجة المخاوف من دخوله من جديد “قفص الدعاية السياسية”.

ووصفت البكوش إعادة نشر مقال رئيس الجمهورية قيس سعيّد، إلى جانب العنوان الذي ورد في جريدة لابراس “شكرا سيّد الرئيس” بكونه “خطأ لا مبرّر له”.

وتابعت: كان البعض يبرر ذلك بأنّ الرئيس طلب ذلك، فماذا لو طلبت السلطة أيّ شيء آخر؟ هل الصحافة دورها الاستجابة للطلبات؟ وأين هيئة التحرير؟ وهل المواضيع تنشر تحت الطلب؟”.

وأكّدت أسماء البكوش التضامن مؤسّسة “سنيب لابراس” والمطالبة باستمراريتها وبأن يحافظ الصحفيون على وظائفهم، مع الحرص على حفظ حقوقهم بعيدا عن أيّ محاولة لتطويع عملهم لخدمة أيّ سلطة سياسية.

وأضافت أسماء البكوش: “لا نريد العودة إلى أبواق الدعاية السياسية ومن حقّنا أن نخاف ونجاهر برفضنا، وأنا لا أعيب على أيّ سلطة محاولتها السيطرة على السلطة الرابعة بل أحمل المسؤولية للصحفيين الذين يرتمون في أحضانها ويطلبون ودّها”.

تذكير بالدور التاريخي للمؤسّسة

من جهته اعتبر الصحفي بجريدة الصحافة مراد علالة أنّ إعادة نشر المقال كانت بمثابة تحية لرئيس الجمهورية، وتفاعلا مع زيارته للمؤسّسة والموقف القوي الإيجابي الذي أبداه دفاعا عن الصحافة الورقية.

وأوضح علالة أنّ إعادة نشر المقال يعكس تذكيرا بدور جريدة “الصحافة” طوال عقود منبرا مفتوحا للجامعيين والباحثين، الذين طالما نشروا مقالات على أعمدتها، مضيفا: “رأينا من الوجاهة إعادة نشر مقال العلاقة التاريخية بين الدين والسياسية في هذا الإطار تأصيلا لانفتاحها على كل النخب الفكرية التونسية”.

وردّ محدّثنا على الآراء والانتقادات التي اعتبرت الأمر مسّا باستقلالية الخط التحرير للصحيفة وتحويلها إلى بوق للسلطة، مشيرا إلى أنّ ما نشرته الجريدة الصحافة في تغطيتها لزيارة الرئيس والتعليق عليها، كانت “في صلب خطّها التحريري”.

وأضاف مراد علالة: “عندما تقرأ ما نشرناه عن تحميل المسؤولية لمنظومات الحكم المتعاقبة بما فيها الرئيس سعيّد في آلت إليه وضعية دار “سنيب لابراس”، إلى جانب الانتقادات الدائمة لحكومة نجلاء بودن، فهذا يدلّل على استقلاليتنا وعدم انحياز خطّنا التحريري لأيّ سلطة منذ الثورة”.

وشدّد مراد علالة على أنّه لا مجال للمزايدة على صحفيي دار “سنيب لابراس” ومهنيتهم واستقلاليتهم، مبيّنا أنّهم لن يتنازلوا عن المبادئ التي التزموا بها منذ ثورة 2011، وعلى “رأسها التمسّك بمدنية الدولة وقيم الجمهورية”.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *