صابر بن عامر
عدسة: رمزي الريابي
اختتمت، مساء أمس الأحد 19 مارس، بمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف (شمال غربي تونس) فعاليات النسخة الثامنة من مهرجان سيكا جاز بالكاف، بعرض موسيقي ضخم للمؤلّف الموسيقي وعازف البيانو الإنقليزي بيل لورنس بمرافقة أوركسترا قرطاج السيمفوني بقيادة المايسترو التونسي حافظ مقني.
بشبابيك مغلقة انطلق العرض بمُختارات من أشهر تآليف لورنس الموسيقية بقديمها وجديدها، وسط تفاعل كبير من الحضور الذي غصّت به القاعة، وبقيادة رشيقة من المايسترو حافظ مقني داعب لورنس مفاتيح البيانو عازفا مجموعة من القطع الموسيقية المخصوصة له على غرار “مراكش” التي ألفها أثناء زيارة له إلى المغرب.
الارتجال عزفا ومُزاحا
لأنّ الفنان صوت عصره ومُلهم زمانه ومُشتلهم من مكانه، فاجأ بيل لورنس جمهور الكاف بمعزوفة جديدة اسماها “صمت” قدّت خصيصا للكاف، أو هي بعبارة أدق من وحي الكاف “العالية”، وفي كليب مصوّر عُرض على شاشة عملاقة ظهر مدير المهرجان ومؤسّسه رمزي الجبالبلي صحبة شابة وشابين يتجوّلون بالكاف في إبراز لبعض معالمها السياحية والثقافية التليدة وأخرى حديثة، معالم شامخة في عليائها كعلوّ الكاف السامقة.
وبين كل معزوفة وأخرى يكون ارتجال الفنان الإنقليزي حاضرا وبقوة، عزفا ومزاحا، وهو الذي مازح جمهور الكاف في أكثر من مرة لتُستقبل مداعباته له بالتصفيق والقهقهات في أكثر من مرّة، قبل أن يسود الصمت نهائيا للاستمتاع بمقطوعة تالية من تأليف “لورنس الكاف”، إن صحّت الاستعارة اللفظية من الفيلم الأمريكي الشهير “لورنس العرب” وهي في رأيي تستقيم هنا، فبيل لورنس كان، ليلة الأحد، بحق لورنس الكاف وعراب ذائقتها الموسيقية المنفتحة على جميع إيقاعات العالم.
وبيل لورنس، منتج ومؤلف موسيقي إنقليزي متعدّد الآلات ومُتخصّص في موسيقى الجاز والفانك، من مواليد 2 أفريل عام 1981 بالمملكة المتحدة.
بدأ لورنس الاهتمام بموسيقى الجاز للمرّة الأولى في ربيعه الرابع عشر، عندما أصبح الممثل المقيم لمطعم صغير في منطقة سوهو في ويست إند بلندن.
وبصفته بالغا، التحق لورنس بجامعة ليدز وتخرّج منها، حيث درس الموسيقى الكلاسيكية والتأليف والأداء. واليوم فنان مُقيم في كلية مورلي، كما بات مُدرّسا لفصول الماجستير بصفته محاضرا زائرا في معهد الأداء الموسيقي المعاصر.
خلال فترة عمله في ليدز، التقى لورنس بطالب موسيقى الجاز بجامعة شمال تكساس، مايكل ليغ، وواصل الاثنان أداء عدد من العروض معا في المملكة المتحدة.
من هناك توطّدت علاقة الصداقة بين الموسيقيين واستحالت إلى مشاريع موسيقية ثنائية بينهما في أكثر من ألبوم، إلى أن أصدر لورنس في عام 2014 ألبومه الفردي الأول “فلينت”، لتستمرّ نجاحاته الشخصية إثره، وهو الذي اختصّ في كتابة الشارات الموسيقية لمجوعة من الأفلام العالمية التي نافس أحدها على الأوسكار عام 2018، ونعني هنا الفيلم الكوبي “المترجم” للأخوين سيباستيان ورودريجو باريوسو.
أما أوركسترا قرطاج السيمفوني الذي رافق لورنس عزفا، ليلة أمس، فتأسّس عام 2018 على يديْ الماسيترو التونسي حافظ مقني، ويتكوّن من 36 موسيقيا قارا ومن كورال يُقارب عدد أعضائه المائة.
وعازف الكمان حافظ مقني، دكتور في الموسيقولوجيا، كان لسنوات عديدة عضوا في الأوركسترا السيمفوني التونسي (1979 حتى 1986)، ثم غادره لتأسيس أوركسترا صالون تونس والأوركسترا السيمفوني المدرسي والجامعي الذي قام بجولات موسيقية مهمة جدا، وقدّم عروضا في كل من فرنسا وإسبانيا وبراغ والصين، قبل أن يعود لترأّس قيادة الأوركسترا السيمفوني التونسي في عام 2012 وحتى استقالته في 2018.
تنويعات موسيقية تونسية وعالمية
انطلقت النسخة الثامنة من مهرجان سيكا جاز بالكاف في الـ14 من مارس الجاري وتواصلت حتى الـ19 منه، وافتتحها الجازمان التونسي مالك لخوة بمشروعه الغنائي الجديد “مجاز”، وما بين حفل الافتتاح والاختتام الذي أمّنه بيل لورنس بمعية أوركسترا قرطاج السيمفوني، حضر في المهرجان، هذا العام، فنانون استثنائيون ينتمون إلى عوالم الإلكترو والجاز والفانك والساول من بينهم الفنانة الدنماركية إيدا نيلسن، والتونسي سامي اللوز بمشروعه الجديد “إدراك” ومواطنته نجمة “ذو فويس 5” أمل الشريف بتنويعاتها العنائية المُختارة، ومجموعة “نون” الفرنسية، وغيرهم.
وشهد المهرجان في نسخته الأخيرة، وللمرّة الأولى منذ تأسيسه في 2015، إنشاء فقرة جديدة بعنوان “جديد الكاف”، تهدف إلى عرض أهم إنتاجات مبدعي الجهة على الجمهور والصحفيين وكل المعنيين بالشأن الفني، وأقيمت كل العروض بالمركب الثقافي الصحبي المصراطي.
كما شهدت النسخة الثامنة من المهرجان عروضا أخرى موزّعة على بعض معتمديات الولاية كالطويرف، ساقية سيدي يوسف، تاجروين، والقلعة الخصباء، وذلك عبر تجربة فنية مُبتكرة جمعت بين الموسيقى والخرافات والعادات والتقاليد وغيرها من الخصوصيات المحلية للجهة.
واستقطب مهرجان سيكا جاز منذ تأسيسه العديد من الفنانين ذوي الصيت العالمي في موسيقى الجاز والبلوز على غرار دافيد موراي، باكو ساري، نيغيان لي، غيوم بيري، رابح أبوخليل، نيكول سلاك جونز، بوني فيلدز، كريم زياد، ومنصف جنود، وغيرهم.