ثقافة

بيت الرواية في تونس وثمن حرية الرأي

صابر بن عامر

أصدرت وزارة الشؤون الثقافية التونسية مساء الثلاثاء 31 ماي/ أيار، وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تونس، بيانا “توضيحيا” تشرح فيه أسباب إقالة مدير بيت الرواية الأسعد بن حسين.

 وجاء في البيان المذكور: “يهم وزارة الشؤون الثقافية التوضيح أن قرار إعفاء السيد لسعد بن حسين من مهام تسيير بيت الرواية لا علاقة له بما صرّح به أو عبّر عنه في وسائل الإعلام من آراء أو مواقف بشأن أداء الوزارة وأنشطة بيت الرواية، كما وقع تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي”.


تفاصيل القصة

القصة بدأت بإقالة مدير بيت الرواية بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس، الروائي والسيناريست الأسعد بن حسين، مساء الخميس 26 ماي/ أيار الماضي، بعد أن أنهى عشيتها الاحتفاء بباكورة إصدارات دار خريّف للنشر لصاحبتها حذامي خريّف التي قدّمت الكتاب الفلسفي الجديد  “الجسد والسرد، من الأيروسي إلى الموبيسي” للباحثة التونسية بسمة بن سليمان.

احتفاء باذخ بكتاب مرجعيّ أكاديمي، حضر تقديمه عشيتها ثلة من الأدباء والصحافيين والأكاديميين، وبعد أن انفض المجلس، ومساء كعادة الإقالات الصادرة عن الوزارة، تم إعفاء الأسعد بن حسين من مهامه، وهو في طريق عودته إلى بيته.

استنكار وقرار

أضاف البيان الصادر عن الوزارة الثلاثاء: “كما يهمها ( الوزارة) التذكير بأنه أثناء فعاليّات حفل تسليم الجوائز الأدبية للكومار الذهبي في نسخته السادسة والعشرين يوم السبت 21 ماي/ أيار 2022 بالمسرح البلدي بالعاصمة وبحضور السيدة وزيرة الشؤون الثقافية والسيد الرئيس المدير العام لكومار والسادة الكتاب والأدباء والشخصيات الثقافية الموجودة آنذاك، أقدم السيد لسعد بن حسين على ارتكاب جملة من التصرفات غير اللائقة واللامسؤولة في مخالفة صريحة لأخلاقيات الموظف العمومي وللتشريع والتراتيب الجاري بها العمل”.

ويسترسل البيان: “هذا وقد أثارت تصرفات السيد لسعد بن حسين استياء الضيوف ونالت من مكانة بيت الرّواية، وقلّلت من احترام الحضور وعلى رأسهم الكتاب والمثقفين، وهو ما يجعله مخلاّ بالتزاماته الأخلاقية والمهنية كمسيّر لبيت الرواية، ومحلّ مؤاخذة أدبية ومهنية”.

“كما يهم الوزارة أن توضّح أن السيد لسعد بن حسين هو محل تتبّع إداري تبعا لما أقدم عليه من تصرّفات غير لائقة، وذلك وفقا للقوانين والضوابط الإدارية الجاري بها العمل”، وفق نص البيان.

ويختم البيان: “كما تؤكّد الوزارة تمسّكها رغم محاولات المغالطة والتعويم باحترام حريّة الرأي والتعبير والفكر وقبولها للنقد البنّاء وانفتاحها على آراء كل الرّوائيين والمثقفين”.

مُصادرة حرية التعبير

بوابة تونس اتصلت بالمدير المُقال الأسعد بن حسين  للاستفسار عن القصة فقال للموقع “الحكاية بدأت حين رفضت الوزيرة مقابلتي أو حتى الرد على مراسلات تتعلق بأنشطة بيت الرواية، ويوم 19 ماي/ أيار الماضي نشرت حوارا بجريدة الشروق التونسية عبّرت فيه عن سخطي وامتعاضي… ويوم 21 ماي/ أيار انطلق حفل جوائز الكومار الذي لم أدع له كمدير بيت الرواية، وذهبت كمثقف تونسي وبقيت سبع دقائق فقط قدّمت خلالها ملاحظتين، وطلبت من مراد الزغيدي تمكين الكتاب المتوجين من المصدح حتى يقولوا كلمة، كما عبّرت عن جدارة رواية معيّنة بالكومار الذهبي، ثم غادرت”.

وبشأن اتهامه وفق نص بيان الوزارة التوضيحي، بأنه أقدم ليلة الكومار على ارتكاب جملة من التصرفات غير اللائقة واللامسؤولة في مخالفة صريحة لأخلاقيات الموظف العمومي وللتشريع والتراتيب الجاري بها العمل، قال بن حسين: “مسألة السكر وحالتي غير العادية إشاعة لا صحة لها، فأنا آخذ أدوية منذ 18 ماي/ أيار الماضي، ومنع عني الطبيب الشرب لإصابتي في العمود الفقري… هذا الأمر يعلمه زملائي وأصدقائي”.

ويُضيف: “ثم إن كنت في حالة سكر، فكيف تمكنّت من الدخول والجلوس والحديث مع بعض الكتاب؟ الحفل مصوّر وهناك ألف هاتف جوال في القاعة، فأين الصور وأين الفيديوهات… غريب والله”.

ويؤكّد الروائي التونسي أن السبب الأساسيّ وراء إقالته هو إبداء رأيه في بعض جوائز الكومار. رأي لم يرق على ما يبدو للوزيرة، وليس لمانحي الجائزة، قائلا: “كل حفلات الجوائز في العالم بما فيها نوبل والأوسكار والبوكر تجد فيها من مع الفائز ومن مع مرشّح آخر، وهذا جزء من سحرها الخاص”.

ويختم بن حسين مستنكرا الإقالة التعسفية من الوزارة، وتبريراتها المُجانبة للحقيقة، وفق تعبيره، قائلا: “إذا كانت إدارة كومار مستاءة مني، فلماذا اتصلت بي مسؤولة الجائزة منذ يومين طالبة حضوري في الجلسة التقييمية والاحتفال بالفائزين التي ستجرى نهاية هذا الأسبوع؟”.

رسائل دعم ومساندة لبن حسين

إثر البيان التوضيحي الصادر عن وزارة الإشراف بشأن أسباب إقالة بن حسين الذي يعدّ أحد منظوريها، كان تفاعل الشارع الثقافي التونسي في غالبيته مساندا للأسعد بن حسين، فكتب الشاعر التونسي رحيم الجماعي على صفحته بفايسبوك: “لستُ الذّئبَ، ولستُ الرّاعي، وأيضا لستُ الخروف، أنا فقط صديقك يا صاحبي… وأنا لا أخلع صاحبي”.

كما طالب الفنان التونسي الملتزم نبراس شمام مثقفي تونس بإمضاء عريضة مساندة للمدير المُقال، جاء فيها: “نحن الممضون أسفله وبعد اطلاعنا على قرار إقالة مدير بيت الرواية بتونس الأسعد بن حسين من قبل وزيرة الثقافة بمجرد أنه عبّر عن رأيه بكل حرية، نعلن مساندتنا المطلقة له ونطالب السلط العليا بالبلاد إلى التراجع عن هذا القرار الجائر وإعادة المعني بالأمر إلى موقعه ورد الاعتبار له، كما نعلن رفضنا العودة إلى سياسة تكميم الأفواه وتلجيم الأصوات الحرة”.

وكتب المترجم وليد أحمد الفرشيشي ردا على البيان الصادر عن وزارة الثقافة: “أولا حضر الأستاذ الأسعد بن حسين فعاليات حفل توزيع الجوائز الكومار بصفته الشخصية، إذ لم توجه إليه الدعوة بصفته مديرا لبيت الرواية في حفل مخصّص “للرواية”… أضف إلى ذلك، ما هي هذه التصرفات؟ ومن هم الحاضرون المنزعجون؟ شخصيا كنت حاضرا ولم أنزعج بل ولم أر في سلوك الأستاذ الأسعد ما يخل بوظيفته”.

فيما كتب الروائي نبيل قديش: “أساليب بن علي ودولته العميقة ما تزال رائجة في أذهان حكّام تونس الجدد، وهذه عيّنة من تلك الأساليب القذرة المهزوزة والمضحكة، بيان وزارة الثقافة المقزّز يبرّر الإقالة الجائرة التي طالت مدير بيت الرواية المبدع الأسعد بن حسين، ويقول إنّ المدير أقدم على تصرّفات غير لائقة ولا أخلاقيّة خلال حفل توزيع جوائز الكومار للرواية التونسيّة، مسّت بسمعة المؤسسة التي يرأسها ومكانة المثقفين والروائيين وهيبة السيدة الوزيرة، وعليه فأنا أسأل صديقي الأسعد بن حسين: هل تعرّيتَ فوق ركح المسرح البلدي؟”.

وكتب الناشر التونسي كارم الشريف على فيسبوك تدوينة تحت عنوان: “عاجل… كومار تكذب بيان وزارة الثقافة”، جاء فيها: “إدارة جائزة كومار ممثلة في المسؤولة درة العكاري… اتصلت بمدير بيت الرواية الأسعد بن حسين واعتذرت له عن تقصير كومار في دعوته وتشريكه في حفل جوائز كومار ودعته إلى الجلسة التقييمية للجائزة بحضور الفائزين. وعبّرت له عن رغبة القائمين على الجائزة في الاستنارة بمقترحاته عن تطوير الجائزة… ونفت له نفيا قطعيا أن تكون مؤسسة كومار وراء إقالته، كما تروّج وزيرة الثقافة في أروقة الوزارة للمسؤولين والكتاب والصحافيين الطامعين؟”.

هذا غيض من فيض ما دوّنه بعض مثقفي تونس مساندة وانتصارا للروائي الأسعد بن حسين، ويبدو أن للقضية تداعيات أخرى ستكشفها الأيام القادمة… لننتظر.