في سياق تقديم المؤلّفات ينظّم قسم الدراسات الإسلامية بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بضاحية قرطاج (الأحواز الشمالية لتونس العاصمة)، صباح اليوم الأربعاء 7 جوان، لقاءً أدبيا لتقديم كتاب “ابن عرفة والمذهب المالكي بإفريقية في القرن 8هـ/14م” لأستاذ الحضارة العربية والإسلامية والباحث في التراث الراحل التونسي سعد غراب (1940-1995) بترجمة نجم الدين الهنتاتي، ويُقدّم الكتاب الأستاذ الطاهر المناعي.
والكتاب الذي صدر عن “معهد تونس للترجمة” عام 2022، هو أطروحة الدكتوراه التي ناقشها المؤلّف في “جامعة السوربون” ضمن اختصاص الإسلامولوجيا بإشراف محمد أركون سنة 1984، واستغرق العمل عليها حوالي خمسة عشر عاما.
واعتمد غراب على مصادر كثيرة كان جلّها آنذاك مخطوطا، وموزّعا بين مكتبات في الجزائر، والرباط، ومدريد، وباريس، وإسطنبول، وتونس، وعن ذلك يقول الهنتاتي في تقديمه للكتاب: “يُمكن اعتبار هذا البحث أداة عمل أساسية للتعرّف على مخطوطات مجهولة، سيما أنّ المؤلّف حرص على مدّ القارئ بأرقامها، ووَصَفَها حتى تكون منطلقا لمشاريع نشر لبعضها، أو مشاريع بحث عددٍ من المواضيع. ومن هذا الجانب، يُمكن اعتباره في بعض المواطن استدراكا على موسوعتيْ كارل بروكلمان وفؤاد سيزكين”.
ويحتوي الكتاب على خمسة أقسام متفرّعة إلى خمسة عشر فصلا، عرّف المؤلّف في القسم الأوّل بالمراحل الأساسية في التطوّر السياسي-الديني بإفريقية من بداية الإسلام إلى تأسيس أسرة الحفصيين.
وتناول في القسم الثاني الإطار الثقافي لتكوين ابن عرفة مع محاولة بيوغرافية له، ثمّ تمّ الاهتمام في القسم الثالث بإنتاج ابن عرفة، ثمّ بتلاميذه، في القسم الرابع. بينما عنون المؤلّفُ القسم الأخير من كتابه بابن عرفة والمشاكل الكبرى لعصره.
ويهتمّ الكتاب أيضا بإحدى المراحل الأساسية في تطوّر المذهب المالكي بإفريقيّة، إذ مرّ هذا المذهب بمراحل منها مرحلة تجميع الفروع وتدوينها في موسوعات فقهية، فمرحلة التنقيح والاقتصار، فمرحلة الاختصار والاقتصار، ثمّ مرحلة التفقّه التي واجه بها ابنُ عرفة ظاهرة الاقتصار، ويظهر ذلك من خلال كتابه “المختصر الفقهي”.
ويُشير الهنتاتي إلى أن المؤلّف لم يسقط في المزلق السهل المتمثّل في تقديم عمل بيوغرافي فجّ يتّبع حياة ابن عرفة، بل إنّ هذه الشخصية كانت “تعلّة لتحرير دراسة في التاريخ الديني حول القرن 8 هـ/14م”، إذ جعل البيوغرافيا إطارا ومنفذا لبحث قضايا واسعة تتجاوز شخص المترجَم له، وخاصة منها قضايا عصره، فهذا القرن يكتسي أهمّية بالغة، إذ عاشت فيه شخصيات لافتة على رأسها ابن عرفة وابن خلدون، ولأنّه يحمل إيذانا ببداية تراجع العالم الإسلامي أمام التهديدات الأوروبية”.
ويسترسل: “وقد تفطّن ابن خلدون لذلك، وحلّل الوضع من زاوية الفيلسوف، والمؤرّخ، والسياسي.. بينما تناول ابن عرفة عددا من قضايا عصره، كما هي، وحاول معالجتها بعقلانية لكنّها عقلانية مُتشبّعة بروح الفقه”.
وسعد غراب (18 ديسمبر 1940-15 جويلية 1995)، باحث في الحضارة العربية الإسلامية وأستاذ جامعي في الجامعة التونسية.
عمل رئيسا للمجمع التونسي للعلوم والفنون والآداب “بيت الحكمة” من 1991 لغاية 1995. وعيّن مديرا مساعدا مسؤولا عن الثقافة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) من 1994 لغاية 1995.
له: “رسالة في المنطق” الصادر عن مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية-الجامعة التونسية، “العامل الديني والهوية التونسية” عن الدار التونسية للنشر، و”المختصر في المنطق، ابن عرفة” (تحقيق) عن المطبعة العصرية بتونس.
وتُوفّي عراب في الخامس عشر من جويلية عام 1995 في المغرب بسكتة قلبية خلال الاجتماع السنوي لفريق الحوار الإسلامي المسيحي.