بلومبيرغ: خلاف بين الرئاسة والبنك المركزي بشأن مفاوضات صندوق النقد

كشفت شبكة بلومبيرغ الأمريكية في تقرير نشرته، أمس الخميس 25 أوت، عن وجود خلاف بين المسؤولين التونسيين بشأن المفاوضات التي تُجريها البلاد مع صندوق النقد الدولي لتحصيل قرض يُنعش الاقتصاد المتدهور.

وألمحت الشبكة إلى وجود خلاف بين الرئيس قيس سعيّد ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، حول الحاجة الملحّة إلى تأمين خطّة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وذلك بعد الاجتماع الذي دار بينهما الأربعاء الماضي.

وأوضحت بلومبيرغ أنّ اللقاء بين الرئاسة والبنك المركزي، يأتي في وقت تواجه فيه تونس أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ عشر سنوات، وينقسم فيه الشارع بين مؤيّد يعتبر إجراءات التقشّف مؤلمة لكنها ضرورية لتأمين صفقة مع الصندوق، ومعارض للشروط المجحفة.

خلاف

وقدّرت بلومبيرغ في تقريرها، أنّ الخلاف بين قيس سعيّد ومروان العباسي يتلخّص، بالأساس، في اختلاف القراءات بين المؤسّستين بشأن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والشروط التي فرضها.

وأوضحت الشبكة أنّ مروان العباسي وصف، خلال تقديمه التقرير السنوي للبنك المركزي إلى الرئيس قيس سعيّد، الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بأنّه “ضرورة ملحة”. وأشار إلى أنّه دون الاتّفاق لا يرجّح أن تكلّل بالنجاح جهود البنك لتحقيق الاستقرار في الاحتياطي الأجنبي المتهاوي، واحتواء التضخّم في اقتصاد يعاني من الديون الباهظة.

وأضاف العباسي، أنّ رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في ماي/آيار الماضي، يجب أن تتبعه “الإصلاحات الهيكلية، التي ستشكّل مصفوفة للتعاون القويّ بين تونس وشركائها الأجانب، وبصفة خاصة نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.

وأكّد أنّ الانتعاش الاقتصادي، لن يتوفّر إلا بإرادة سياسة وبتنسيق مع كافة الأطراف الفاعلة (اتّحاد الشغل)، مشترطا عودة البلاد إلى الساحة المالية الدولية (صندوق النقد) واندماج اقتصادها في سلسلة القيمة العالمية.

في مقابل ذلك، فإنّ سعيّد يرى أنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يجب أن تراعي مقدرات البلاد ومقوّماتها. ووفق بيان منشور على الصفحة الرسمية للرئاسة على “فيسبوك”، قال سعيّد للعباسي: “يجب الاعتماد في المقام الأوّل على إمكانياتنا وثرواتنا الذاتية، حتى لا تبقى تونس رهينة تطوّرات خارجة عن إرادتها”.

ويرى خبراء أنّ سعيّد كان منذ تولّيه الحكم، غامضا ولم يفصح عن برامجه السياسية وكان يرتجل الإجراءات. كما أنّه لم يحمل برنامجا اقتصاديا واضح المعالم، واقتصرت خطاباته على “سرديات سلطوية” تتّهم خصومه السياسيين وتقدّم وعودا لمناصريه.

موقف الاتّحاد

في وقت سابق، أعلنت المنظّمة النقابية قبولها مبدأ التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول برنامج اتّفاق مالي جديد، إلّا أنّ الاتّحاد اشترط أن يكون على أساس برنامج إصلاحات تونسي صرف يراعي خصوصيات الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

ويشترط الاتّحاد أن يكون برنامج الإصلاح شفافا وقابلا للتطبيق على أرض الواقع، ولا يزيد من الأعباء الاجتماعية المسلّطة على التونسيين دون أن يحسّن وضعهم المعيشي، رافضا المسّ بالقدرة الشرائية للمواطنين الذين أرهقهم ارتفاع معدّلات التضخّم، وفق تعبيره.

وكانت رئيس الحكومة نجلاء بودن، كشفت في وقت سابق عن برنامج إصلاح اقتصادي المزمع تنفيذه في الفترة الممتدة ما بين 2023 و2026، ويتضمّن رفعا تدريجيا للدعم (الغذاء والطاقة)، وترشيد نفقات الأجور، وبرنامجا طوعيا لتسريح الموظّفين من القطاع العام، إلى جانب إصلاحات ضريبية وأخرى لتنشيط الاستثمار.

ورغم توقيع اتّحاد الشغل على العقد الاجتماعي مع الحكومة والاتّحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (اتّحاد الأعراف)، إلّا أنّه عاد إلى التصعيد ولوّح بالإضراب. فيما قلّل القيادي في الاتّحاد سامي الطاهري من قيمة الاتّفاق، وقال إنّه “إجراء روتيني يتمّ من خلاله تحديد جدول جلسات الحوار الاجتماعي المقرّر انطلاقه قريبا”.

وفي سياق متّصل، يستبعد الخبراء أن يرضخ الاتّحاد إلى سياسة قيس سعيّد، خاصّة بعد التوتّر الذي غلب على علاقة الرئاسة بالمنظّمة النقابية في أكثر من مناسبة، إذ رفض الاتّحاد الصيغة التي جرى على أساسها “الحوار الوطني”، ورفض دخول الحكومة في مفاوضات اجتماعية بشأن الزيادة في الأجور، ورفض إشراك المنظّمة العمالية في المفاوضات مع المانحين الدوليين.

أزمة… بالأرقام

وفق تقرير بلومبيرغ، تعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية تفاقمت حدّتها مع الجائحة وتداعيات حرب أوكرانيا، وأيضا جرّاء عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه خاصّة ما بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، التي انتقدها أغلب التونسيين واعتبروها عودةً إلى نظام الحكم الواحد.

وبحسب آخر بيان لصندوق النقد الدولي حول الوضع في تونس نهاية مارس/آذار الماضي، تواجه البلاد تحدّيات هيكلية تتجلّى في الإخلالات العميقة في الاقتصاد الكلّي، أبرزها مستويات نموّ ضعيفة وارتفاع في نسب البطالة ونقص الاستثمارات.

وتسعى السلطات التونسية إلى التوصّل إلى اتّفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على حزمة إنقاذ تمكّنها من استكمال موازنتها لعام 2022، في وقت ارتفع معدّل التضخم إلى مستويات قياسية.

وتتوقّع الحكومة التونسية أن يصل حجم الدّيْن العام إلى 114.1 مليار دينار (36.7 مليار دولار) في كامل العام 2022؛ أي 82.6% من الناتج المحلّي الإجمالي. فيما حذّر الخبراء من أنّه في حال لم تتّخذ السلطات التونسية إجراءات عاجلة لمواجهة التضخّم، فإنّ المعدّل سيشهد ارتفاعا برقمين (10 فأكثر).

وتحتاج تونس قروضا خارجية بمقدار 12.6 مليار دينار (4.05 مليار دولار) لتمويل عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ12.1 مليار دينار (3.89 مليار دولار) في قانون المالية التكميلي لعام 2021. فيما يبلغ الدّين العام 106.5 مليار دينار (34.2 مليار دولار) مقارنة بـ 98.9 مليار دينار (31.8 مليار دولار) قبل سنة.

ويتوزّع هذا الدّين إلى 41.9 مليار دينار (13.4 مليار دولار) قرض داخلي و64.6 مليار دينار (20.7 مليار دولار) قروض خارجية، بحسب أرقام صادرة عن جهات رسمية في تونس.

ووفق تقارير اقتصادية غربية، فإنّ تكلفة أجور القطاع العام ارتفعت بنسبة 5.1% إلى 20.2 مليار دينار (6.3 مليار دولار)، ما يعرقل تعبئة التمويل اللّازم للاستثمار أو لتخفيض مستوى المديونية، ويدفع تونس إلى اللجوء بكثافة إلى سوق الديون المحلية بهدف إغلاق فجوة العجز، خاصّة بعد أن أصبح التمويل الأجنبي رهين التقييم الائتماني.

إلى ذلك، تؤكّد تقارير إعلامية محلية أنّ الأسواق التونسية، سجلّت في الآونة الأخيرة نقصا كبيرا في المواد الأساسية كالزيت والسكّر والقهوة والأرز والدقيق والمشروبات، إلى جانب الاضطراب الأخير الذي طال التزوّد بالمحروقات. وذلك في وقت ترجع فيه الرواية الرسمية الأزمة إلى المضاربين والمحتكرين وإلى خصومها السياسيين.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *