سياسة عالم مدونات

بقاء “إسرائيل”..مصلحة ألمانية عليا لا تسقط بتقادم الزمن  

في ظل انحياز الغرب للكيان في حربه المدمّرة على قطاع غزة، يظهر موقف ألمانيا بشكل استثنائي ليكون في طليعة المواقف الداعمة لتل أبيب على جميع الأصعدة

محمد بشير ساسي
في اللّحظة الحالية، لألمانيا مكان واحد فقط: إلى جانب إسرائيل، قطعا… هذا ما نعنيه عندما نقول إنّ أمن إسرائيل كان وسيبقى الدافع الرئيسي لتصرّفات الدولة الألمانية…
بهذه الكلمات وبعد خمسة أيام من “عملية طوفان الأقصى” -تحديدا في 12 من أكتوبر 2023 – حدّد المستشار الألماني أولاف شولتس موقف بلاده تجاه الحرب الإسرائيلية على غزّة والذي يعدّ دعما غير مشروط لإسرائيل.

مسؤولية تاريخية

وفي الواقع يأتي هذا الموقف الجديد – القديم في سياق “المسؤولية التاريخية” لألمانيا في الدفاع عن حق إسرائيل في الوجود والتي أكّدتها استراتيجية الأمن القومي الأولى للبلاد التي نُشرت في 14 جوان 2023، وكذلك تناغما مع ما صرّحت به المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل أمام الكنيست الإسرائيلي خلال زيارتها التضامنية لإسرائيل في مارس 2008، حينها أكّدت أنّ بقاء إسرائيل مصلحة وطنية عليا لدولة ألمانيا”، بالاضافة إلى الانسجام مع رؤية المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر الذي أعلنها بوضوح سنة 2005 بقوله: إسرائيل ستحصل على ما تحتاجه للحفاظ على أمنها.
ترجمةً لمعنى الانحياز المطلق والتعاطف اللّامحدود مع الكيان الصهيوني بعد هجوم حماس المُزلزل على مستوطنات غلاف غزة، سارع شولتس يوم 17 أكتوبر لزيارة تل أبيب ليصبح ثاني الزعماء الأوروبين المتّجهين إلى هناك بعد رئيس الوزراء الروماني، وكانت رسالته خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاسمة وواضحة: أمن إسرائيل “مصلحة وطنية عليا” لبرلين..
ما صرّح به شولتس ووزيرا الخارجية والدفاع الألمانيين أنالينا بيربوك وبوريس بيستوريوس، بات من دون شك اللسان الرسمي للدولة الألمانية في كل موقف يتعلّق بإسرائيل ومصلحة عليا لا تسقط بتقادم الزمن، على خلفية أنّ ألمانيا شولتس تتحرّك في واقع دولي مختلف يفرض عليها الانحياز بشكل كامل ضد أيّ شكل من أشكال المقاومة المسلحة وتهجُر بالكامل سياساتها الخاصة بتجنّب تسليح مناطق النزاعات، مع غضّ النظر عن تبعات ذلك على المدنيين.

الغرب المتصهين

لقد كشفت الحرب المدمّرة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة أنّ الموقف الألماني وعموما “الغربي المتصهين” تخلّى بصورة نهائية عن تقديم نفسه طوال العقود الماضية “القوة المعيارية التي تُنتِج القيم والمثل العليا والمبادئ الإنسانية، وتُعزّز الديمقراطية عبر الحكم المؤسساتي وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والعدالة والحرية.
كما شوّه “القوة الأخلاقية” التي يلزم نشر نموذجها المعياري للديمقراطية خارج حدود العالم الغربي بوسائل مختلفة قد تكون أحيانا صلبة، كما حصل فيما سُمِّي بـ”عملية الحرية الدائمة” في أفغانستان، عام 2001، ثم “عملية تحرير العراق” عام 2003.
في سياق هذه الحالة الاستثنائية، التي تعيشها القوة المعيارية والأخلاقية للدول الداعمة لإسرائيل وتدمير مرتكزاتها الفكرية والسياسية والحقوقية بسبب الاتجاه نحو الصَهْيَنَة، أضحت “ألمانيا الجديدة” على استعداد لتنحية الاعتبارات الإنسانية وإمداد إسرائيل مباشرة بالأسلحة والذخائر وجميع أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي، لتحقّق انتصارا حاسما يرمّم تمثال الهيمنة الدولية الغربية الذي تآكل بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا، ويجعل المقاومة الفلسطينية، بل وكل الفلسطينيين بالتبعية إذا لزم الأمر، عبرة ومثالا لأيّ قوة تجرؤ على تحدّي الهيمنة الغربية في ساحات الصراع المختلفة حول العالم.

حكومة عمياء

لغاية اليوم، ما تزال ألمانيا على “ضلالها القديم” رغم تراجع عدة دول غربية عن مساندة تل أبيب مع انكشاف مدى زيف السردية الإسرائيلية التي تسعى جاهدة وبكل الوسائل إلى ربط عملية طوفان الأقصى بهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة بهدف ترسيخ صورة نمطية عن وحشية المقاومة، وتبرير حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
ومن منطلق ما تراه حكومة “شولتس العمياء” يقينيات، فمَن ليس مع إسرائيل فهو ضدنا، ومن لم يساند تل أبيب في حربها المقدّسة” فهو معاد للسامية، وهذا يعكس تحوّل النموذج الديمقراطي الألماني والغربي عموما نحو مظاهر السلطوية التنافسية، أو الأنظمة الهجينة، كما حدَّدها الأكاديميان، ستيفن ليفيتسكي ولوكان واي في نظريتهما عن السلطوية التنافسية التي تعتبر النظام الهجين واقعا بين الديمقراطية والاستبداد الشامل، أي نظاما يجمع بين أدوات الدَّمَقْرَطة ومبادئ الاستبداد.
وفي الحقيقة برّر هذا النوع من السلطوية الاستبدادية التي تعيشُها ألمانيا مخاوف المستشارة السابقة ميركل من التعامل المتهوّر مع المنجزات الديمقراطية في سياق المشهد السياسي المحلّي، حيث لاحظت اعتداءات على ثوابت راسخة، مثل حرية الصحافة وإثارة الكراهية بين قطاع من الرأي العام عبر الأكاذيب والمعلومات المُضَلِّلَة، وهو ما يُعرِّض الديمقراطية للهجوم.
ويكاد هذا الوضع الذي رصدته ميركل يكون عامًّا اليوم في معظم الدول الغربية التي تشنّ هجوما كاسحا على المكتسبات الديمقراطية من خلال صهينة المجتمع السياسي والمدني الغربي. ليس ذلك فحسب، بل إنّ سلوك الاحتلال الإسرائيلي، وسياساته الإجرامية في التطهير العرقي والإبادة الجماعية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي، تمثّل الخطر الداهم على القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان؛ إذ ستصبح الآلة العسكرية والقنابل المحرمة دوليّا والتطهير العرقي والإبادة الجماعية هي الأدوات البديلة لحل النزاعات والصراعات في العالم.

موقف استثنائي

في ظل هذا التوحّد الغربي يظهر موقف ألمانيا بشكل استثنائي ليكون في طليعة المواقف الأوروبية الداعمة لإسرائيل والمعارضة لأيّ شكل من أشكال دعم الفلسطينيين، إذ ثمة العديد من الدوافع التي تقف وراء سياسة الدعم المطلق التي تنتهجها الدولة الألمانية تجاه إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، ويمكن تحديدها كالآتي:
1- رغبة ألمانيا في التخلّص من إرث محرقة “الهولوكست”، وتطوير الصورة الذهنية لألمانيا في الوعي الجمعي اليهودي من خلال تأكيد الدعم المطلق لإسرائيل في مواجهة حماس. وهنا، يمكن فهم تصريحات المستشار الألماني، الذي قال في 14 أكتوبر الماضي أمام البوندستاغ “البرلمان الألماني”: “لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا في هذا الوقت، وهو بجانب إسرائيل. تاريخنا ومسؤوليتنا الناشئة عن المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، تجعل مهمتنا الدائمة أن ندافع عن أمن دولة إسرائيل”.
2- التطوّر الحادث بين البلدين في المجال العسكري، وهو ما تجلّى في توقيع البلدين، في سبتمبر 2023، اتفاقا تشتري بموجبه برلين منظومة الدفاع الصاروخية المتطورة المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، (آرو 3)، وذلك في إطار سعي برلين لتعزيز دفاعاتها الجوية في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية.
3- امتلاك اللوبي اليهودي نفوذا واسعا في الداخل الألماني، خاصة في المجال الإعلامي، وهو الأمر الذي وفّر له النجاح في تحقيق اختراقات واسعة في الدوائر السياسية الألمانية طوال السنوات التي خلت، ويفسّر أيضا استمرار تحرّكات برلين لدعم إسرائيل والصهيونية.
ومن أهم مراكز الضغط أو اللوبيات الإسرائيلية في ألمانيا المجلس المركزي لليهود، الجمعية الألمانية – الإسرائيلية، منتدى سلام الشرق الأوسط، جمعية مبادرة القيم ومعهد تيكفاه.
4- حرص برلين على كسب ودّ واشنطن الداعم الأول لإسرائيل، خاصة أنّ واشنطن ما تزال تحتفظ بقرابة 36 ألف جندي في ألمانيا، بالإضافة إلى حاجة برلين لتعزيز تحالفها مع واشنطن خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد تغيير برلين رؤيتها لروسيا إثر اجتياحها لأوكرانيا، فقد أدركت أنّ موسكو ليست الشريك الذي كانت تراهن عليه، وباتت ثمة مخاوف ألمانية من أن تمتد طموحات الكرملين إلى ما وراء أوكرانيا.

حالة مرضية

لا شك أنّ هذه المرتكزات القوية التي تقوم عليها العلاقات الألمانية – الإسرائيلية تدفع ألمانيا أن تكون مختلفة عن ألمانيا المنهزمة في مطلع الخمسينيات المهدّدة بالحرب الاقتصادية ما لم تدفع التعويضات لإسرائيل، وعن ألمانيا الغربية في أكتوبر الأول 1973 الملتزمة بإرضاء الولايات المتحدة زعيمة الكتلة الغربية في مواجهة السوفييت، فألمانيا شولتس المحكومة بالأوضاع الجيوسياسية الحالية والتغيّرات في السياسات الداخلية تفرض عليها الإلقاء بثقلها خلف إسرائيل، وإنهاء أيّ شكل من أشكال الدعم، ولو صوريّا، للقضية الفلسطينية، وفي هذا السياق يمكن رصد مظاهر الحالة المَرَضيّة في الدفاع الألماني المطلق عن إسرائيل وتحديدا في حربها المدمّرة على القطاع كالآتي:
– الموقف الألماني الداعم لإسرائيل لم يقتصر على الموقف السياسي في الداخل بل تجاوز ذلك إلى دعم تل أبيب ديبلوماسيا من خلال رفض وقف إطلاق النار في تعارض تام لدعوة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بعد شهر من بدء العدوان على غزة بدعوى أنّ ذلك قد يسمح لحماس بتنظيم صفوفها، وعودة أنشطتها “الإرهابية”. كما امتنعت برلين عن التصويت على قرارات أممية ملزمة تدعو إلى هدنة إنسانية في غزة ودخلت “طرفا ثالثا” لدعم إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بعد اتهامها بارتكاب عملية “إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
– على الرغم من إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للمرة الأولى قرارا يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة والإفراج الفوري عن جميع الأسرى المحتجزين، ظلت برلين مستمرة في دعم إسرائيل بالأسلحة، ووفقا لبحث أجراه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإنّ 30% من مشتريات إسرائيل من الأسلحة تأتي من ألمانيا.
فعلى سبيل المثال، وافقت الحكومة الألمانية، في نوفمبر الماضي، على تصدير معدّات عسكرية بنحو 303 مليون يورو إلى إسرائيل مقابل معدّات عسكرية بقيمة 32 مليون يورو فقط العام قبل الماضي. كما كشفت تقديرات محلية أنّ برلين صدّرت معدّات عسكرية وأسلحة بأكثر من 300 مليون يورو إلى إسرائيل خلال 2023، بزيادة تصل إلى 10 أضعاف عن 2022، ناهيك عن منح 185 ترخيصا من إجمالي 218 موافقة لتصدير الأسلحة خلال 2023 لإسرائيل، وتغطي التراخيص مجموعة من الأسلحة العسكرية الهجومية، بالإضافة إلى مكونات أنظمة الدفاع الجوي، وذخائر فتاكة. كما تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الفدرالية أنشأت مجموعة عمل مؤلّفة من وزارة الخارجية، ووزارة الشؤون الاقتصادية، ومكتب مراقبة الصادرات المكلّف بتسريع طلبات الأسلحة الإسرائيلية.
وتشتمل الأسلحة الألمانية المصدّرة إلى إسرائيل، والتي تساهم ألمانيا أحيانا في دفع ثمنها، على الغوّاصات والسفن الحربية، ولكن إسرائيل تستخدم أيضا أسلحة عديدة ذات معدّات وقطع ألمانية، فمثلا السلاح الرئيسي في دبّابات ميركافا 3 و4 الإسرائيليّة التي استعملتها إسرائيل في حرب 2006 على لبنان وفي حرب 2008 على غزّة، هو مدفع من عيار 120 ملم يعتمد الألمانية كما طوِّر نظام “Rheinmetall” على تصميم شركة
الألمانية وكذلك “AEG” مكافحة الاحتراق في الدبابات، فإنّ محرّك “ميركافا 4” وناقل الحركة هما من صنع شركتين ألمانيتين يضاف إلى ذلك أنظمة المراقبة “MTU و Renk” التكتيكية ومراكز مكافحة الحرائق والجرّافات والمركبات الأرضية.
كما يتعدّى التعاون الألماني – الإسرائيلي الدعم العسكري وتبادل السلاح والمعدّات العسكريّة، إلى إجراء تدريبات مُشتركة إمّا ضمن تدريبات تشمل دولا أوروبيّة عديدة من حلف «الناتو» وإما ضمن تدريبات خاصّة بالجيشين الألماني والإسرائيلي.
– تنظيم التظاهرات الداعمة لإسرائيل، حيث حرصت الدوائر الرسمية والحزبية في ألمانيا، وجانب معتبر من مؤسسات المجتمع المدني، على تنظيم تظاهرات داعمة لإسرائيل، وتأكيد حقها في الدفاع عن النفس، وكان أهمها التظاهرة التي تم تنظيمها في العاصمة برلين في 22 أكتوبر الماضي، وشاركت فيها الأحزاب الديمقراطية الخمسة الرئيسية والطائفة اليهودية ونقابات عمالية ومنظمات أصحاب العمل. وأعلنت القوى السياسية المشاركة في التظاهرة، عن اصطفاف ألمانيا إلى جانب إسرائيل، وأشار الرئيس الألماني شتاينماير الذي كان على رأس المظاهرة، إلى أنّ “المحرقة” تعني أنّ ألمانيا تتحمّل مسؤولية خاصة لحماية حياة اليهود.
– مواصلة ألمانيا خنق صوت القضية الفلسطينية عبر توظيف عدد من وسائل الإعلام وسياسيين لشنّ هجوم على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، على غرار “مؤتمر فلسطين” الذي سيُعقد في برلين الشهر القادم، واعتبار المؤتمر والمنظمين “معادين لإسرائيل وللسامية.
وحسب عدد من المواقع الألمانيّة، يدرس مجلس الشيوخ الألماني حظر المؤتمر أو تقييده، حسب ما قاله وزير الداخلية كريستيان هوشغربي في لجنة الداخلية بمجلس النواب، إذ “ما يزال يجري جمع المعلومات وتقييمها”. وأضاف أنّه يجري أيضا فحص الإشارات إلى المنظمات المحظورة مثل جماعة صامدون الفلسطينية.
كما منعت الحكومة التظاهرات الداعمة لفلسطين حيث وصفتها بالمشينة، والتي لا يمكن احتمالها، وقامت باعتقال العديد من المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع للتضامن مع آلاف الأطفال الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
كما حظرت الحكومة أيّ أنشطة مرتبطة بحركة حماس وغيرها من الحركات الفلسطينية، ومن بينها شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، ووضعتها تحت المراقبة الاستخباراتية. واتسعت دائرة التضييقات لتشمل كل الرموز والشعارات الفلسطينية، بما في ذلك ارتداء “الكوفية” الفلسطينية في المدارس.
ومن الأمثلة التي تعكس التوجّه السياسي في ألمانيا في ما يتعلّق بدعم إسرائيل هو ما أعلنته ولاية “ساكسونيا أنهالت” مع بداية ديسمبر 2023، من أنّ الاعتراف بوجود “إسرائيل” من خلال رسالة خطيّة بات شرطا للحصول على الجنسية الألمانية، كما يجب التأكّد من عدم وجود مؤشّرات على معاداة للسامية لدى المتقدّمين.
ودخلت الرياضة على خط الأحداث حين أعلن نادي ماينز الألماني إيقاف لاعبه الهولندي من أصل مغربي أنور الغازي على خلفية تعليقه على الحرب في غزة، وإدانته التصرفات الإسرائيلية ضد المدنيين العزّل.
في نهاية المطاف، رغم حجم الدمار الكبير الذي لحق بالإنسان الفلسطيني وكل مقومات الحياة في قطاع غزة المحاصر بالقتل والمجاعة والتهجير، ظل الموقف الألماني يتطرّق إلى “المأساة” بنوع من الاستحياء السياسي في تصريحات المسؤولين الرسميين التي غالبا ما تأتي على هامش الدعم شبه المطلق لإسرائيل، وإعلان مزيد من الإجراءات لخنق القضية الفلسطينية وحصارها.
وبالتالي يمكن القول إنّ ثمة توافقا ألمانيا بين كل الأوساط السياسية الرسمية والمعارضة على أولوية دعم إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلطسينية، وظهر ذلك في تأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها باستخدام الأدوات العسكرية، وهو الأمر الذي ربما ينعكس على المصالح الألمانية في الشرق الأوسط، فضلا عن انعكاسات سياسة الدعم المطلق لإسرائيل على تسخين جبهة الداخل الألماني، إذ إنّ ثمة تعاطفا شعبيا واسعا مع غزة، ورفضا للتوجّهات الخارجية الألمانية بشأن الموقف من الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.