اقتصاد

رغم احكامه لقبضته على مختلف السلطات… خيارات الرئيس التونسي الإقتصادية تتقلص!

إسماعيل دبارة

في تونس، يسود انطباع عام بأنّ الرئيس قيس سعيّد لا يولي المسألتين الاقتصادية والاجتماعية حقهما المطلوب، مقارنة باهتمامه المفرط بالشؤون السياسية وارساء نموذجه للحكم بعد اتخاذه لإجراءات 25 يوليو في العام 2021 وصفها معارضوه بأنها “انقلاب مكتمل الأركان”، واجراء استفتاء الكتروني، والسعي لتغيير القانون الانتخابي، ومزيد بسط نفوذه على كافة أوجه الحياة العامة بعد أن تمكّن تقريبا من تركيع السلطات الثلاث وجعلها في خدمته.

يوم الجمعة 15 أفريل، تسلّم الرئيس قيس سعيد لدى استقباله بقصر قرطاج، محافظ البنك المركزي مروان العباسي، القائمات المالية للبنك لسنة 2021 وتقرير مراقبي الحسابات.

ولئن لم ينشر فحوى القائمات المالية للعام 2021 بعدُ ومازال حكرا على مؤسستي رئاسة الجمهورية والبنك المركزي، فإنّ مصادر “بوابة تونس” تؤكد أن الأرقام التي احتوتها تلك القائمات لم تجعل قيس سعيّد سعيدا ولا متفائلا بما اطلع عليه.

فحوى القائمات المالية للعام الماضي دفعت الرئيس إلى أن يحضّ على “ضرورة الاهتمام بالجوانب الاجتماعية في المفاوضات مع الشركاء الدوليين لتونس حتى لا يزداد الفقراء فقرا وحتى لا ينتفع بالدعم إلا من يستحقه لأن الذوات البشرية ليست مجرد أرقام ومن حقها أن تتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي هي من حقوق الإنسان” بحسب مقطع مصور للقائه مع مروان العباسي، والذي تطرقا فيه بإسهاب إلى الوضعين الاقتصادي والنقدي في البلاد.

محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي مسلما القوائم المالية للعام 2021 الى الرئيس قيس سعيد

أكد سعيّد أن “السنوات العجاف (في اشارة إلى الحكومات السابقة) خلّفت إرثا ثقيلا، حيث تركوا خزائن الدولة فارغة”.

وتابع: “لا بد من التركيز على قرارنا ليكون مستقلا لأننا لسنا ضيعة ولا بستانا أو قطعة أرض بلا سيد، نحن لنا سيادتنا ولنا تصوراتنا وإمكانياتنا”، معترفا: “للأسف اتخذت إجراءات مثل رفع أسعار المحروقات بداية من يوم أمس الخميس”.

وتوجه إلى مواطنيه قائلا: “فليعلم التونسيون أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس نتيجة للعبث بمقدرات الدولة ونتيجة للأوضاع التي يعيشها العالم بعد أزمة الكوفيد وأزمة روسيا وأوكرانيا”.

وحسب متابعين ومختصين فإنّ كلام الرئيس يوحي بأنّه بات في وضع لا يحسد عليه اقتصاديّا بعد أن اشتعلت مؤشرات تونس المالية والنقدية باللون الأحمر منذرة بخطر وشيك.

ما هي القائمات المالية؟

هي القائمات التي تعبر عن قيمة المؤسسة المالية ومركزها المالي من حيث أصولها، أرباحها، الالتزامات التي على المؤسسة والسيولة، وغير ذلك.

وعندما يتعلّق الأمر بمؤسسة بحجم البنك المركزي، فإن المؤشرات التي تحتويها تلك القائمات مهمة لفهم الوضع الاقتصادي للدولة، من جهة الموردين، المقرضين، المستثمرين، حملة الأسهم والضرائب ومخزون العملات الأجنبية ورصيد الذهب وغير ذلك.

إعداد القوائم المالية للبنك المركزي في تونس يخضع لأحكام القانون عدد 35 لسنة 2016، وتتكون تلك القائمات من الموازنة، جدول التعهدات خارج الموازنة، قائمة النتائج، والايضاحات حول القائمات المالية.

تلك المعطيات يفترض أن تتضمّن الاهتمام بكافة الفئات المرتبطة والمتعاملة مع البنك المركزي، وخصوصاً المستثمرين والدائنين الحاليين والمتوقّعين؛ حيث تُعدّ تلك الفئات من أهمّ المتابعين للقائمات الماليّة.

كما يهدف نشر تلك القائمات إلى متابعة المعلومات التي تساعد في تقدير حجم ودرجة المخاطرة المؤثرة على التدفقات النقديّة المستقبلية في تونس، بالإضافة إلى تقديم معلومات حول التغيّرات الظاهرة في إجمالي الموارد بهدف معرفة العوائد المتوقعة وتحديد مدى قدرة الدولة على سداد ديونها للموردين والدائنين.

اللهث وراء القروض

يتزامن تسلّم الرئيس للقائمات المالية للعام الماضي وتقرير مراقبي الحسابات، مع مشاركة تونس في اجتماعات الربيع السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بواشنطن وهي اجتماعات تعقد من 18 إلى 22 أفريل الجاري، عبر وفد يضم حضوريا وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، أما وزيرة المالية فستشارك في الاجتماع عن بعد.

قيس سعيد مجتمعا بمحافظ البنك المركزي بقصر قرطاج يوم الجمعة 15 افريل 2022

وبحسب الوكالة الرسمية (وات) “ستوفر هذه الاجتماعات واللقاءات مناسبة للتعريف ببرنامج الحكومة الإصلاحي الرامي إلى الرفع من نسق النمو واستقرار التوازنات المالية ودعم المكاسب الاجتماعية وإتاحة الفرصة لحشد الدعم لتونس في مسارها الإصلاحي حتى تتمكن من تحقيق الانتقال الاقتصادي”.

ويشارك في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجالس محافظي مجموعة البنك الدولي، محافظو البنوك المركزية، ووزراء المالية والتنمية، وكبار المسؤولين من القطاع الخاص، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني، وأكاديميون، ووجود هؤلاء أمر ضروري في مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، في حين يدعو صندوق النقد الدولي بالمقابل إلى خفض العجز المالي لتونس وخفض فاتورة الأجور والحد من دعم الطاقة مع إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة العامة والاستثمار وحماية الإنفاق الاجتماعي الموجه للمستحقين وتعزيز عدالة النظام الضريبي وتشجيع القطاع الخاص وتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات الحكومية، وسط تساؤلات حول قدرة صمود إدارة الرئيس سعيّد على تطبيق اصلاحات غير شعبيّة يمكن أن تؤدي في حال تطبيقها الى احتجاجات واسعة قد تصدّع أركان “حكمه الجديد”.

مقارنات لابدّ منها

تظهر أحدث إحصاءات البنك المركزي التونسي أن احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية ارتفعت إلى 8 مليارات دولار، أو ما يغطي احتياجات الواردات لمدة 130 يوما، مدعومة بزيادة التحويلات من العاملين في الخارج وبقرض قيمته 700 مليون دولار من البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد.

وفي الأسبوع الماضي، كانت الاحتياطيات التونسية تغطي واردات 115 يوما فقط.

وزادت أيضا إيرادات السياحة منذ بداية العام الحالي حتى العاشر من أبريل نيسان بنسبة 48% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وبلغت 600 مليون دينار.

وتأمل تونس، التي تمر بأزمة مالية حادة، أن تساعد تحويلات العاملين بالخارج وقطاع السياحة الحيوي في منع انهيار المالية العامة. وتتوقع الحكومة استقبال 4.7 مليون سائح خلال 2022.

وارتفعت تحويلات التونسيين العاملين بالخارج منذ بداية يناير/كانون الثاني وحتى العاشر من أبريل/نيسان بنسبة 15% مقارنة مع الفترة نفسها قبل عام، إلى 630 مليون دولار. وسجلت التحويلات في 2021 بأكمله رقما قياسيا بلغ 7.5 مليار دينار تونسي.

لكنّ الأمور ليست على ما يرام بلغة الأرقام دائما، فما قبل انعطافة 25 يوليو، كان الوضع الاقتصادي خانقا وهو الذي لم يتعاف بعدُ من تداعيات الثورة على نظام بن علي، والهجمات الارهابية الكبرى في العاصمة والساحل، أما بعد تولّي قيس سعيّد زمام الحكم بنفسه، فالأمور انتقلت من الاختناق الى الاحتضار ولفظ الأنفاس.

انكمش الاقتصاد بنسبة 8.2 في المئة العام الماضي بينما دفع عجز بنسبة 11.5٪ الدين العام إلى 87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.

احصاءات ديسمبر 2020

على الأصعدة الاقتصادية والنقدية والمالية، قال البنك المركزي بتاريخ 30 ديسمبر 2020 إنّه في ظل تدهور الوضع الصحي العالمي بالعلاقة مع الانتشار السريع لوباء كورونا في موجته الثانية والذي استوجب العودة للحجر الصحي ولتدابير الإغلاق في العديد من البلدان،  فإن النشاط الاقتصادي في تونس بقي يعاني من تأثيرات الجائحة على الطلب الداخلي والخارجي في ظل القيود التي عادت لفرضها أهم البلدان الشريكة وهو ما أعاق تعافي القطاعات الصناعية الموجهة للتصدير وقطاع الخدمات لا سيما السياحة والنقل الجوي، إضافة إلى تذبذب إنتاج القطاعات الاستخراجية بالعلاقة مع المناخ السائد على المستوى الداخلي.

وبخصوص تطور الأسعار، سجّل البنك المركزي حينها التراجع الملحوظ لنسبة التضخم إلى حدود 4,9٪، بحساب الانزلاق السنوي في شهر نوفمبر 2020، مقابل 5,4٪ قبل شهر و6,5٪ في نفس الشهر من السنة الماضية (2019). ويعزى ذلك إلى الانفراج المسجل على مستوى أسعار كل المواد وخاصة الغذائيّة منها (4,3٪ مقابل 5,6٪ في أكتوبر 2020).

التونسيون يشتكون من ارتفاع جنوني للاسعار مع بداية شهر رمضان

وفيما يتعلّق بأبرز مؤشرات التضخّم الأساسي، فقد حافظ “تضخّم المواد في ما عدا المؤطّرة والطازجة” في شهر نوفمبر 2020 على مستواه المسجل في الشهر السابق، أي 4,9٪، في حين واصل “تضخّم المواد في ما عدا الغذائيّة والطاقة” منحاه التنازلي ليبلغ 5,9٪ مقابل 6,1٪ قبل شهر.

وعلى مستوى القطاع الخارجي، لاحظ المجلس كذلك التقلص الهام لعجز ميزان الدفوعات الجارية، خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من سنة 2020، لينزل إلى 6,2٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 7,9٪ في نفس الفترة من السنة الماضية.

ويعود ذلك، أساسا، لتقلص العجز التجاري تبعا لانخفاض الواردات بنسق أسرع من الصادرات بالعلاقة خاصة مع تراجع الطلب الداخلي وفتور النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تقلص عجز ميزان الطاقة على إثر انخفاض الطلب على هذه المواد وتراجع أسعارها في السوق العالمية. وتجدر الاشارة أيضا إلى أن تحقيق مستوى جيد لمداخيل الشغل (+7٪) مكّن من تغطية نسبة من العجز رغم الانخفاض الملحوظ للمداخيل السياحية بـ63,9٪. وقد ساهمت هذه الوضعية في دعم مستوى الموجودات الصافية من العملة الأجنبية التي بلغت 22.924 م.د أو 160 يوم توريد بتاريخ 29 ديسمبر 2020 مقابل 19.125 م.د و108 أيام في نفس التاريخ من سنة 2019.

مؤشرات عام الانعطافة… 2021

كان عام التحديات الاضافية، بسبب التغيير السياسي المدوّي الذي حصل مع قيس سعيّد في 25 جويلية/ يوليو، فقد أقال الحكومة وعلّق أعمال البرلمان ومسك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية، قبل أن يطيح بالسلطة القضائية كذلك ويحلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب، ويعوضه بمجلس وقتي يوصف بـ”الموالي”.

بتاريخ 30 ديسمبر 2021 استعرض البنك المركزي آخر التطورات على الأصعدة الاقتصادية والنقدية والمالية، لا سيما آخر البيانات المتعلقة بالنمو الاقتصادي، خلال الثلاثي الثالث من تلك السنة، والذي عرف “تحسنا طفيفا” بـ 0,3٪، بحساب الانزلاق السنوي وبالأسعار القارة، مقابل انكماش بـ 7,1٪ خلال نفس الفترة من السنة السابقة.

تظاهرة سابقة ضد غلاء الاسعار في تونس

وفي المقابل، سجل البنك تواصل ارتفاع مؤشّر أسعار الاستهلاك، بحساب الانزلاق السّنوي، ليبلغ 6,4% في شهر نوفمبر 2021 مقابل 6,3% خلال الشهر السابق و4,9% خلال نفس الشهر من السنة الماضية (2020)، نتيجة لزيادة نسق نمو أسعار المواد المعملية والخدمات (7,6% و4,9% على التوالي مقابل 7,5% و4,6%) وذلك بالرغم من التراجع النسبي لتضخّم المواد الغذائيّة (6,9 % مقابل 7,0% في أكتوبر).

كما سجلت أبرز مؤشرات التضخّم الأساسي لاسيما “تضخّم المواد فيما عدا المؤطّرة والطازجة” و”تضخّم المواد فيما عدا الغذائيّة والطاقة” ارتفاعا في نسق تطورها لتبلغ 6,0% و6,5% على التوالي خلال شهر نوفمبر 2021 مقابل 5,7% و6,3% قبل ذلك بشهر. وأكد البنك المركزي حينها أن هذا الوضع “يستدعي مواصلة المتابعة الدقيقة لمصادر التضخم ومزيد التنسيق بين السياسات الاقتصادية وتفعيل الآليات الملائمة للحد من مخاطره”.

وعلى مستوى القطاع الخارجي، لاحظ البنك تقلّص العجز الجاري، خلال الأشهر الأحد عشرة الأولى من سنة 2021، ليتراجع إلى 5,4٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 5,9٪ خلال نفس الفترة من 2020. وتعزى هذه النتيجة أساسا إلى التزايد الهام لمداخيل الشغل (+34,9٪) وكذلك الانتعاشة النسبية لمداخيل السياحية (+6,6٪) التي تأثرت بصفة ملحوظة بتداعيات أزمة وباء كورونا. وفي المقابل، سجل العجز التجاري (فوب-كاف)، خلال الأشهر الأحد عشرة الأولى من 2021، توسعا بـ 25,6٪ بالعلاقة أساسا مع تدهور الميزان الغذائي بسبب تراجع مبيعات زيت الزيتون وارتفاع الواردات المرتبطة بالانتعاشة النسبية للنشاط الاقتصادي والارتفاع المستمر في الأسعار العالمية للطاقة.

كما سجّل البنك حينها “الاستقرار النسبي” لمستوى الموجودات الصافية من العملة الأجنبية التي بلغت 23.3 مليار دينار أو 136 يوم توريد بتاريخ 29 ديسمبر 2021 مقابل 23.1 مليار دينار و162 يوم في موفى سنة 2020.

في السنة التي أمسك فيها قيس سعيّد بزمام الحكم بنفسه، شدّد البنك المركزي على “ضرورة التعجيل بوضع خطة إصلاح اقتصادي واضحة تمكن من استعادة ثقة المؤسسات الدولية المانحة والمستثمرين في الاقتصاد التونسي، وذلك بمشاركة كل الأطراف الوطنية الفاعلة بما من شأنه أن يضمن الالتزام بمسار الإصلاحات الهيكلية واسترجاع التوازنات الاقتصادية والمالية الكلية وخاصة على مستوى المالية العمومية التي تشهد ضغوطات كبيرة”.

كما أوصى ب”التنسيق بين السياسات المالية والنقدية لتفادي التمويل النقدي للميزانية باعتبار انعكاساته على التضخم وكذلك التنسيق مع الحكومة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد وهو ما سيعطي إشارات إيجابية للمستثمرين ودافعا لتحسين التصنيف السيادي لتونس”.

هل تغير الوضع في بدايات 2022؟

آخر المعطيات الرسمية بتاريخ 30 مارس /آذار 2022، تشير إلى أنّ البنك المركزي قرر الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسية دون تغيير، أي في مستوى 6,25%. لكنّ تأثر النشاط الاقتصادي العالمي بتداعيات النزاع الروسي الأوكراني ألقى بظلاله على تونس.

وتتضمن التوقعات الاقتصادية الكلية الأخيرة للبنك المركزي الأوروبي مراجعة نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي في منطقة الأورو، وهي الشريك التجاري الرئيسي لتونس، نحو الانخفاض بما قدره 0,5 نقطة مئوية ليبلغ 3,7% بالنسبة لكامل سنة 2022، مقابل 5,4% في سنة 2021.

وعلى مستوى الأسعار العالمية، ظلت أسعار المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية في مستويات عالية وهو ما من شأنه أن يزيد من الضغوط التضخمية ويدفع نحو مزيد تشديد السياسات النقدية، سواء في البلدان المتقدمة أو الصاعدة.

أما على الصعيد المحلي التونسي، فقد بلغت نسبة النمو 3,1% بالنسبة لكامل سنة 2021 (مقابل نسبة متوقعة قدرها 2,9%) بعد الانخفاض الحاد المسجل سنة 2020 (-8,7%). واتسم هذا التطور بانتعاشة نشاط الخدمات المسوقة والأداء الجيد للقطاعين المعملي وغير المعملي.

وعلى مستوى القطاع الخارجي، أشار المجلس إلى اتساع العجز الجاري الذي بلغ -1.161 مليون دينار خلال الشهرين الأولين من سنة 2022 مقابل -878 مليون دينار قبل سنة، كما بلغ مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية 22.700 مليون دينار أي ما يعادل 124 يوما من التوريد بتاريخ 29 مارس 2022 مقابل 23.313 مليون دينار أو 133 يوما من التوريد في موفى سنة 2021.

ووفقا لآخر الأرقام التي أصدرها المعهد الوطني للإحصاء، واصل التضخم منحاه التصاعدي للشهر الرابع تباعا ليبلغ 6,7% في شهر جانفي 2022 مقابل 6,6% في شهر ديسمبر 2021 و4,9% قبل سنة، حيث اتسم بالتسارع الطفيف في نسق تطور المكونة الأساسية “التضخم ما عدا المواد الغذائية الطازجة والمواد ذات الأسعار المؤطرة”، والذي بلغ 6,2% مقابل 5% في شهر جانفي 2021.

ويحضّ البنك المركزي التونسي حاليا على “ضرورة الانطلاق، في أفضل الآجال، في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة التي من شأنها أن تسهم في تصحيح المالية العمومية واستعادة نمو سليم ومستدام وإدماجي”.

كما يدعو إلى “اليقظة الشديدة تجاه تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على التوازنات الاقتصادية الجمليّة.

يشار إلى أنّ تونس سدّدت أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية، لكن يتعين عليها أيضا أن تجد حوالي 5 مليارات دولار أخرى لتمويل العجز المتوقع في ميزانيتها وسداد مزيد من القروض الداخلية والخارجية، في وقت بلغت فيه معدلات البطالة 17.8 بالمئة وعجز مالي قياسي تجاوز 11 بالمئة في 2020. ولا يرى كل من الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي والمقرضون الأجانب خيارات سوى استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولا يبدو أن الرئيس يختلف معهما.

أحلاهما مرّ

لا يختلف المحلّلون الاقتصاديون في تونس على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم حول عدم توفر خيارات كثيرة أمام ادارة قيس سعيّد للخروج من هذا المأزق الذي باتت من أبرز ملامحه استفاقة التونسيين بشكل دوري على خبر رفع أسعار المحروقات، والتأخر في صرف الرواتب لأكثر من عشرة أيام في قطاع الوظيفة العمومية، في وقت تعرف فيه الأسعار ارتفاعا جنونيا خاصة خلال شهر رمضان الجاري، رغم تعهد رئيس البلاد قيس سعيّد بخفضها.

وحاول سعيد شن حملة لخفض أسعار عدة سلع أساسية في حياة الأسرة لتونسية، ولكن خصومه يصفون خطواته بأنها “شعوبية” تهدف لحصد مزيد من التأييد الشعبي خصوصا لدى الفئات الفقيرة والمتوسطة. وهاجم سعيد في عدة مناسبات “جماعات ضغط” اقتصادية ومالية قال إنها “تنهش الاقتصاد وهدفها تكديس الارباح ولو بشكل غير قانوني”.

سعيّد متفقدا مخبزة بالعاصمة التونسية بعد شكاوى من فقدان الطحين

وتشهد الأسواق التونسية خلال أيام رمضان فقدان مواد أساسية عديدة أهمها “السميد”، ما تسبب في طوابير طويلة أمام المخابز، خاصة في المناطق الداخلية، فمنذ ساعات الصباح الأولى لا وجود للخبز، فضلا عن مواد أخرى أهمها الزيت والسكر المفقودة هي الأخرى منذ أشهر طويلة.

وتوقع محللون اقتصاديون أن من بين الخيارات أن يلجأ سعيد الى البنك المركزي لطلب طباعة عملة نقدية محذرين من أن هذه الخطوة “ستفقد السلطات السيطرة على معدلات التضخم”.

هذا الحلّ يقوم على لجوء قيس سعيّد إلى إجبار البنك المركز على ضخ السيولة لتعبئة موارد الموازنة، لكن هذا الخيار سيغرق البلاد في دوامة لا تطاق من التضخم المالي وانهيار سعر الدينار التونسي وضعف القدرة الشرائية وربما يؤدّي إلى اندلاع احتجاجات واسعة.

أما الخيار الآخر فيتمثل في لجوء السلطة إلى تنفيذ سياسة تقشفية -كما حدث في اليونان- من خلال خفض النفقات وخفض رواتب الموظفين، وحتى أعدادهم، ونفقات الدعم الحكومي على السلع الاستهلاكية؛ مما يقود لنفس النتيجة أي إلى الاحتجاجات الشعبية.

غير مهتمّ بالاقتصاد!

يرى رضا قويعة، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أنّ الرئيس قيس سعيّد شأنه شأن من حكموا جميعا بعد 2011، لا يعيرُ الشأن الاقتصادي الاهتمام الذي يستحقه مقارنة بما يوليه من اهتمام للشأن السياسي.

يقول قويعة لـ”بوابة تونس”: “اصلاح الوضع في تونس يشمل حلقة مترابطة من الأمور، فالاستقرار السياسي والأمني ضروري لإصلاح الاقتصاد، وتحسين الاقتصاد ضروري للاستقرار السياسي والأمني.

وحسب قويعة، فإن خيارات قيس سعيّد تنحصر في الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وربما اللجوء إلى مساعدات من دول الجوار.

ويفضّل قويعة الاقتراض الداخلي على الاقتراض الخارجي، لكنه يفضل خيارا آخر يبدو بعيد المنال حاليا، وهو ارتفاع نسبة النمو وبالتالي الرفع من القيمة المضافة وبالتالي مزيدا من الضرائب والعائدات، في حال اقرار العدالة الضريبية.

يفسّر: “الضرائب تكون على القيمة المضافة، وهذا يقتضي الاكثار من الانتاج، والضرائب ترتفع عندما يرتفع الانتاج ما يعني موارد اضافية للدولة، وعندما يضعف الانتاج وينقص، فإن الأداءات التي تستفيد منها الدولة تنقص، للأسف لا حلول واقعية خارج سدّ العجز في الموازنة”.

أما بخصوص الحلّ المتداول وقوامه صكّ المزيد من العملة وضمان السيولة النقدية لتعبئة الموارد المالية اللازمة، فيحذر قويعة من خطورة هذا الاجراء.

يقول: “طباعة العملة خطرة على الاقتصاد، ولا يجب اللجوء اليها الا للضرورة القصوى، فتداعياتها وخيمة جدا على الاقتصاد والمجتمع، ومن ذلك التضخم وارتفاع الأسعار وقد حصل هذا في الحرب العالمية الثانية عندما احتاج الناس الى كيس ضخم من الأموال، من أجل شراء كلغ واحد من السكّر”.

وطرح البنك المركزي في تونس ورقتين نقديتين من فئة 50 دينارا و5 دنانير مؤخرا، وأكّد أن الورقتين النقديتين سيقع تداولهما قريبا بالتوازي مع الأوراق المتداولة حاليا. وأفاد البنك بأنه سيعلم العموم بتاريخ طرح الورقتين النقديتين وفقا للإجراءات المعمول بها.

وفهم كثيرون الخطوة على أن الرئيس ماض قدما في خيار طباعة الأوراق النقدية غير عابئ بالتحذيرات، لكن أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا قويعة يفنّد ذلك.

ويقول ل”بوابة تونس”: “الأمر مختلف هنا، فالمستهدف هو اعادة تدوير ورقات نقدية تخضع لـ”الاكتناز” من طرف البعض، وهو أمر لا يتعلق بالادخار البنكي، إنما البعض يكتنز الأموال في بيته ويرفض ادخالها في الدورة الاقتصادية”.

يضيف: “أتوقع أن يتم قريبا الاعلان عن عدم صلاحية تلك الأموال المكتنزة، وهذا سيدفع بمن يكتنزها إلى اعادتها للدورة الاقتصادية ولو أنه سيصدم بأن المعاملات الكبرى تتم بالشيكات لا بالعملة النقدية”.