هدأت العاصفة وانفض كل إلى شأنه وعاد لاعبو المنتخب الوطني إلى أنديتهم على أمل اللقاء بعد أشهر في تجمّع جديد مع التزامات تصفيات كأس أمم إفريقيا.
هدأت العاصفة التي هبّت رياحها بقوة في وجه المدرّب منذر الكبيّر، إثر مبارتي الجولتين الثالثة والرابعة من تصفيات كان الكامرون أمام تنزانيا الأسبوعين الماضيين، اُنتُقدت اختياراته والمستوى الذي ظهر به النسور ومردود بعض اللاعبين. كل هذا رغم ضمان التأهّل للمرة 20 للكان منذ الجولة الرابعة.
نقد مشروع وبنّاء
لا يخجل أحد من النقد ولا وضع الإصبع على النقائص، فالمنتخب الوطني التونسي الذي غاب عن المنافسات الرسمية مدة سنة تقريبا، بسبب انتشار جائحة كورونا، لم يصافح جماهيره بشكل جيّد ولم يُقدّم المستوى المقنع ولم تتمتّع الجماهير بكرة جميلة من أقدام النسور.
الجمهور الرياضي والنقاد من الفنيين يريدون الاستمتاع بمنتخبهم والفخر به بين الجماهير العربية…كرة القدم ليست نتائج ولا ترتيب فيفا وتأهلاً مبكراً فقط، بل هي فرح الجماهير، متعة ولعب رجولي وفنيات وأهداف جميلة، كلها غابت عن كرة المنتخب التونسي رغم الأسماء الموجودة.
فمباريات المنتخب الفرجوية تعد على أصابع اليد الواحدة، لنتذكّر مقابلة استمتعت بها الجماهير يجب أن نعود أكثر من سنتين إلى الوراء عندما لعب المنتخب جيدا أمام إسبانيا والبرتغال وكرواتيا في تحضيرات مونديال روسيا.
المنتخب التونسي يمتلك ثقافة الانتصارات، يعرف كيف يتعامل مع الوضعيات الصعبة ويخرج بنتائج إيجابية، لكنه لا يقنع ولا يمتع للأسف. هذا ما أقرّ به رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم وديع الجريء إثر مباراة الإياب قال « تأهلنا…لكن قادرون على الأفضل »
مسؤولية المدرّب
لا أحد يشك بمقدرة منذر الكبيّر وكفاءته فالرجل متشبع جداً بعلوم اللعبة وأبجدياتها، لكن يعيب عليه كثيرون أنه مسالم أكثر مما يجب يعوزه الحزم في التعامل مع بعض الوضعيات، كفرض الانضباط والالتزام بالتعليمات ومعاقبة « المتقاعسين » واعتماد مبدأ اللعب للأجدر لا للأقدم أو الأكثر سلطة .
استغربت الجماهير الاختيارات الفنية للكبيّر في التربص الأخير، بداية بالقائمة المدعوة ثم اختيار لاعبين عاطلين في نواديهم غير جاهزين بدنياً في التشكيلة الرسمية وعدم إقحام آخرين يعتبرهم الفنيون من أفضل العناصر التي تنشط محلياً وبرزت بشكل لافت الموسم المنقضي على غرار صانع ألعاب الاتحاد المنستيري إلياس الجلاصي.
لم يستسغ كل من تابع مبارتي تنزانيا ذهاباً وإياباً إشراك اللاعب الشاب الوافد الجديد نبيل مقني بعد الدقيقة التسعين واعتبروا اختيار الإطار الفني غير موفق وقد يتسبب في هجر اللاعب المنتخب وعدم الاستجابة للدعوات القادمة وهي رسالة سلبية للاعبين الشبّان الآخرين الذين يلعبون في أوروبا ويمتلكون عروضاً من منتخبات بلدان إقامتهم.
إصرار الإطار الفني على تواجد بعض اللاعبين في الملعب أكثر وقت ممكن رغم إرهاقهم وتراجع مستواهم من أبرز الأسباب التي وضعت الكبيّر موضع انتقادات وأبرزهم القائد يوسف المساكني ووهبي الخزري ولا ذنب لهما في ذلك فهما تحت تصرف المدرّب مثل بقية اللاعبين.
إمكانيات محدودة
إحساس بالغيرة والغبطة ينتاب جمهور المنتخب التونسي عندما يشاهد المنتخب الجزائري الشقيق المدجّج بالنجوم، وهو يقدم عروضا ً كروية رائعة، ولسان حاله يقول متى أستمتع بمشاهدة مباريات تونس؟
هو حق مشروع لكن دون التقليل من قيمة النسور الذين حققوا نتائج متميزة في السنوات الأخيرة عبر بلوغ المونديال والوصول لنصف نهائي الكان، فلاعبينا المحترفين لم يحظوا باللعب في فرق من مستوى عال، فأغلب الأسماء تنشط في أندية من مستوى ثاني وثالث أوروبياً، ما عدى الشاب حمزة رفيعة الذي ينتمي إلى فريق جوفنتس الإيطالي.
كما أن العناصر التي تمثل العمود الفقري للمنتخب التونسي تنشط بين البطولة المحلية، المتوقفة منذ أشهر، وبعض البطولات العربية.
والحقيقة ضعف التنافس وغياب التكوين السليم وفشل بعض اللاعبين في حجز مكان أساسي في أنديتهم، أضر بهم كثيرا خاصة على المستوى البدني.
كما أن جودة الموهبة الطبيعية لدى اللاعب التونسي لا تؤهّله للبروز مثل عدة نجوم عرب، فمنذ 10 سنوات تقريبا لا نتحدّث في كرة القدم التونسية إلا عن موهبة يوسف المساكني، اللاعب الذي ساهم في نجاحات المنتخب والآمال معلقة عليه لتقديم المزيد، لكن متى ستنجب تونس أسماء تصنع الفارق؟
هنا موضوع أوسع مما نتصور، هي مسألة تكوين منذ الفئات السنية وبرامج إدارة فنية على المدى الطويل وعمل النوادي وسوء البنية التحتية الرياضية وغياب المتابعة والاستراتيجية العلمية، وخاصة اختيارات اللاعبين عند الاحتراف وعقلية اللاعب التونسي التي تحول دون تطوّره بالشكل المطلوب وهذا موضوع ثان.
لا للتسرّع
الانتقادات التي وّجهت لمنذر الكبيّر وبعض الدعوات الجانبية لتنحيته يجب أن تلازم أفواه أصحابها وأن لا تؤثّر على المكتب الجامعي لكرة القدم لأن المنتخب بصدّد تحقيق نتائج جيدة ووفق الأهداف المرسومة.
قد يستغل المتربّصون الحملة ضد الكبيّر للتأثير على اختيارات إدارة وديع الجريء وإزاحة الإطار الفني وإثارة البلبلة في بيت النسور.
وما يدفعنا لهذا الموضوع هو تجارب سابقة مع مدرّبين تم إقالتهم تحت الضغط ودون مبررات مقنعة، على غرار آلان جيراس رغم بلوغه نصف نهائي كأس أمم إفريقيا الأخيرة، وإقالة فوزي البنزرتي منذ سنة وهو الذي حقّق العلامة الكاملة في ثلاث مباريات.
لا يخجل المرء من الخطأ ولا ومن الانتقادات والمواقف التي تخالفه الرأي، لاسيما في عالم كرة القدم، لكن الخجل الفعلي من تكرار الخطأ وتجاهل النقد البنّاء. ونعلم جيداً حكمة منذر الكبيّر وسعة صدره لتقبل أراء الجميع. لذلك فهو مدعو لمراجعة اختياراته الفنية وأن يكون جريئاً بجرأة رئيس الجامعة.