صابر بن عامر
افتتحت تونس أمس السبت 3 ديسمبر/كانون الأول دورتها الثالثة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية تحت شعار “برشا محبة” (الكثير من الحب)، بمشاركة أكثر من 80 عرضا من 23 دولة، من بينها السنيغال ضيف شرف.
شعار قالت عنه مديرة أيام قرطاج المسرحية التونسية نصاف بن حفصية: “برشا محبة، هو لمسة حب ووفاء لأهل الفن الرابع، وتكريم لمن فقدتهم الساحة المسرحية”.
عروض الشارع… إحياء للمدينة
قبل الافتتاح الرسمي بمدينة الثقافة بالعاصمة تونس، تفاعل جمهور الأيام مع عرضيْ شارع، الأول كان بإمضاء مجموعة “دندري” الموسيقية التي أرقصت المارة على إيقاع السطمبالي، وهي موسيقى فلكلورية تونسية تتغنّى بثقافة الزنوج وتاريخهم النضالي ضدّ الظلم والعنصرية والعبودية، لتكون صرختهم المدوّية والمتحديّة لألم الأغلال وأزيز الأصفاد وسياط الجلّاد، قبل أن تتحوّل اليوم إلى طقس فني له عشاقه ومريدوه.
أما العرض الثاني فجمع الأطفال وذويهم على الحركات البهلوانية، كالمشي على العصيّ والتأرجح على الحبال والألعاب النارية المختلفة، وذلك من خلال عرض “سيرك باباروني”، الذي مزج بين قوة الحركات الجسدية ومرونتها وطرافة السرد الحكواتي لقصة شاب أراد السفر إلى عالم خيالي سحريّ فوجد كل ما يتمناه في “سيرك باباروني”.
بين الاحتفاء والتكريم
من شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس انتقل الاحتفاء بأب الفنون في مهرجانه السنوي إلى مدينة الثقافة بشارع محمد الخامس، حيث أقيم الافتتاح الرسمي لأيام قرطاج المسرحية في نسختها الـ23.
حفل قدّمه الإعلامي التونسي عماد دبور، الذي مثّل حلقة وصل بين فقراته ،التي أثثتها عروض موسيقية قدّمها كلّ من ياسر جرادي عبر أغنيته “ديما… ديما” ولبنى نعمان “مازلتي خضراء”.
كما حضرت الأوبرا عبر السوبرانو أميرة لوبيري والتينور برونو توكام مرفوقين بعزف على آلة البيانو لعبدالمالك لوبيري، بالإضافة إلى رقصة الكلاكيت للطفي بوسدرة وعرض ارتجالي لناجي الميقاتي وحمودة بن حسين، يتحدّث عن المسرح وجمهوره والدخلاء عليه في انتصار لأب الفنون والفاعلين فيه من الذكور والإناث ووقعه على المجتمعات.
وبين الرقص والغناء احتفت الأيام بمن رحلوا حديثا من أعلام المسرح التونسي، على غرار هشام رستم وتوفيق البحري، كما وقع استذكار منجي التونسي، إسماعيل بوسلامة، الصادق الماجري، بشير خمومة، عادل مقديش، وعادل حباسي الذين أسهموا في إعلاء راية المسرح التونسي.
كما تمّ تكريم أسماء فاعلة في المشهد المسرحي التونسي والعربي والإفريقي، مثل المصرية سهير المرشدي، السوري أيمن زيدان، المالي حبيب ديمبيلي، العراقي_الإيطالي قاسم بياتلي، وكل من التونسيين محمد اليانقي وعلاء الدين أيوب الذي أبى دبور مقدّم الحفل إلّا أن تذهب وزيرة الثقافة ومديرة المهرجان إليه لتكريمه لا أن يصعد هو إلى الخشبة، لظرفه الصحيّ الحرج… حركة وقف لها الحضور تصفيقا وتثمينا لرجل وهب حياته للفن الرابع.
ومن المزمع تكريم كل من فاطمة بن سعيدان وسلوى محمد ومحمد العوني في حفل الاختتام، في العاشر من ديسمبر الجاري.
عرضان في ليلة واحدة
في ختام حفل الافتتاح خصّصت لجنة التنظيم عرضين من تونس، وهما “شوق” لحاتم دربال بقاعة الريو بالعاصمة، و”أنا الملك” لمعز حمزة في مسرح الجهات بمدينة الثقافة.
وأتت مسرحية “أنا الملك” المقتبسة من مسرحية “أوديب الملك” لتوفيق الحكيم، طرحا حداثيا لظاهرة هيمنة الطبقة الغنيّة على الطبقة الفقيرة، في زمن اشتداد الأزمات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والأخلاقية، إذ يدفع المواطن البسيط ثمن الأوضاع المزرية، فيُصبح مهدّدا في قوته وحريته واستقراره.
والمسرحية، من إنتاج شركة سالمين للإنتاج، ومن أداء نورالدين العياري، فاتن الشوايبي، ضياء المنصوري، أروى الجندوبي، ومعز حمزة (مخرجا وممثّلا).
فيما تسرد مسرحية “شوق” توق الابن البكر وحنينه إلى لقاء عائلته بعد غياب طويل وإعلامها بمرضه وقرب موعد وفاته، إذ يجتمع الأخ والأمّ والأخت وزوجة الأخ لاستقباله والاحتفال برجوعه، لكن سرعان ما تطفو على سطح الذاكرة خلافات الماضي التي لم يقع حلها ظنا منهم أنّها ولّت وانتهت.
والمسرحية كتابة جماعية عن نص لحمدي حمايدي، من إنتاج مركز الفنون الدرامية بن عروس بالتعاون مع فضاء الحمراء، ومن بطولة عبدالمنعم شويات، أمال الفرجي، نادرة التومي، مريم بن حسن، وحمادي البجاوي.
واختارت لجنة التنظيم 82 عرضا من 23 بلدا، فيما سيتنافس 12 عرضا مسرحيا في المسابقة الرسمية، من بينها عرضان من تونس، هما “ضوء” للطاهر عيسى بن العربي و”تائهون” لنزار السعيدي.
كما يُشارك في المسابقة الرسمية “النسر يسترد أجنحته” من السودان، “شمس ومجد” من سوريا، “أنتيقون” من الجزائر، “المجوهرات” من الكونغو الديمقراطية، “حدائق الأسرار” من المغرب، “الديار” من السنيغال، “إيزدان” من العراق، “لغم أرضي” من فلسطين، “كوكتيل شقف بلا معنى” من لبنان، و”هاملت بالمقلوب” من مصر.
وعن “هاملت بالمقلوب” والقصدية وراء عنوانها المُثير، قال مخرجها مازن الغرباوي في تصريح خاصّ ببوابة تونس: “العنوان يُشير إلى اللعبة الفنية التي اخترناها، فالقصة الأصلية وقع الحفاظ عليها، لكننا هنا إزاء هاملت جديد مع إسقاطات على الواقع العربي، لاسيما في علاقته مع الآخر الغربي، وما يعتري ذلك من أوضاع مقلوبة لا تستقيم معها أيّ فكرة منطقية، فالأمير الشاب يشكو من التآمر وغياب العدل، والاتّهامات ذاتها توجّه حاليا، إلى السياسات الخارجية لبعض عواصم الغرب في تعاملها مع العرب”.
وتتمثّل بقية العروض في برامج غير تنافسية لمسارح الطفل والعالم والحرية الذي يقدّم إلى السجناء.
كما يشمل برنامج المهرجان ندوات، جلسات نقاش، وورش تدريب في النقد والتمثيل، علاوة على مائدة مستديرة بعنوان “المسرح السعودي… آفاق وتطلعات” ولقاء بعنوان “المبدعون في المهجر”.