ثقافة

برامج المواهب في الوطن العربي.. محرقة النجوم التونسية!

“دوام برامج المواهب العربية يستدعي إنتاج نجم جديد في كل موسم ما يتعارض وطموحات المُشاركين التونسيين”.. صحفيون وفنانون يُؤكّدون

معتقلو 25 جويلية

صابر بن عامر

تعدّدت برامج اكتشاف المواهب في الوطن العربي منذ بداية الألفية الثالثة، وتغيّرت الأسماء بين “ستار أكاديمي”، و”إكس فاكتور”، و”نجم الخليج”، و”أرابز غوت تالنت”، و”آراب آيدول”، و”سوبر ستار”، و”ذا فويس”.

برامج تابعة لقنوات وشركات إنتاج في الغالب إمّا لبنانية أو خليجية، شهدت مشاركات قياسية للمواهب التونسية، لم تتوّج منها خلال عقدين من الزمن سوى أربعة مواهب.

وهي على الترتيب: مروان علي المتوّج ببرنامج “سوبر ستار” 2007، ونادر قيراط نجم “ستار أكاديمي” 2008، وأمال الغربي حاصدة لقب “نجم الخليج” 2010.

وأخيرا مهدي عياشي المتوّج بلقب أحلى صوت في برنامج “ذا فويس” 2019.

هذا دون اعتبار العديد من المواهب التونسية الأخرى التي شاركت في جلّ البرامج الآنف ذكرها، دون أن تُتوّج بلقب يُذكر، عدا حب الجمهور وبعضا من الشهرة الحينيّة، قبل أن تنطلق في خطّ مسارها الفني وحيدة دون داعم ولا محفّز، فنجح بعضها على غرار أميمة طالب ويسرى محنوش.

فيما عانق أحمد الشريف ووجدي الأكحل وأماني السويسي، المجد في بداياتهم، قبل أن يغيبوا في الزحام، أو بعبارة أدقّ أفلَت نجوميتهم قياسا بتوقّعات الجمهور وانتظارات النقاد مع انطلاقتهم المكوكية.

فهل صنعت برامج المواهب في الوطن العربي نجوما حقيقية، أم قتلت موهبة بعض الأصوات التونسية لتعود للبحث عن انتشارها محليا؟

وهل المشكل في عقلية الفنان التونسي المكتفي بمحلته، أم في إملاءات العقود وشروط الاحتكار المفروضة من القنوات الباثة؟

أسئلة طرحتها بوابة تونس على مجموعة من الصحفيين والإعلاميين التونسيين، وبعض الفنانين الفاعلين في القطاع الموسيقي، من تونس وخارجها، فكان هذا التقرير.

سيماء المزوغي: طريق النجومية المستدامة مليء بالتحديات والمنعرجات

في هذا الخصوص تقول الصحفية التونسية سيماء المزوغي: “برامج المواهب في الوطن العربي كانت وما تزال منصة مهمة لاكتشاف الأصوات الشابة وإبراز الطاقات الفنية، لكنها ليست ضمانا تلقائيا للنجاح الدائم”.

وتسترسل: “فالطريق من الشهرة المؤقتة إلى النجومية المستدامة مليء بالتحدّيات والمنعرجات، ويتطلّب مزيجا من الموهبة، والإدارة الذكية، والاستمرارية، فضلا عن فهم عميق لطبيعة الساحة الفنية.. دون التغافل عن الإمكانيات المادية”.

وتُشدّد المزوغي على أنّ “نجاح الفنان بعد خروجه من هذه البرامج لا يرتبط فقط بجودة صوته أو موهبته، بل بتوافر منظومة دعم متكاملة تشمل إدارة فنية محترفة، وشركات إنتاج تؤمن برؤيته، وقدرته هو شخصيا على قراءة متطلبات السوق، والتكيّف معها دون أن يفقد هويته الفنية”.

وتضرب في ذلك مثالَي مروان علي ومهدي عياشي، التي تقول عنهما: “هما يمتلكان خامتين صوتيتين مميّزتين، لكن غياب رؤية فنية واضحة أو دعم مستدام حال دون ترسيخ وجودهما في المشهد الفني”.

من جهة أخرى، تُؤكّد الصحفية التونسية أنّ هناك تجارب تونسية برهنت أنّ النجاح مُمكن حين تتوافر الإرادة والذكاء في استثمار الفرص.

ومثالها على ذلك يسرى محنوش، التي لم تكتفِ بما منحته إياها برامج المواهب من شهرة، بل سعت إلى تطوير نفسها، واختارت بعناية أعمالها الفنية، فنجحت في بناء قاعدة جماهيرية متينة.

كذلك آية دغنوج التي أظهرت أنّ الفنان القادر على الجمع بين الموهبة والإصرار يستطيع أن يفرض اسمه بقوة، وفق تقديرها.

ومع ذلك، لا تستثني المزوغي القيود التي تفرضها أحيانا العقود الاحتكارية، والتي قد تُعرقل مسيرة بعض الفنانين الجدد.

عقود -قالت عنها- قد تحدّ من حرية الفنان في اختيار أعماله أو تمنعه من التعاون مع شركات إنتاج أخرى، ممّا يؤدي إلى تجميد مسيرته أو انحرافها عن مسارها الطبيعي.

وهنا -وفق محدّثنا- يظهر التحدي الأكبر، وهو: كيف يُمكن للفنان أن يحمي موهبته ويُوازن بين الالتزام بالعقود والسعي لتحقيق رؤيته الفنية الخاصة؟

وفي السياق ذاته، تُشير المزوغي إلى إمكانية وقوع بعض الفنانين في فخّ الاكتفاء بالشهرة الآنية، متوهّمًا أنّ الفوز في برنامج مواهب هو نهاية الطريق، بينما هو في الحقيقة مجرد بداية.

فالنجومية، في رأيها، ليست لحظة فوز، بل رحلة تتطلّب عملا مستمرا على تطوير الذات، واختيار أعمال فنية نوعية، وبناء شبكة علاقات مهنية قوية.

وهي تعتقد أنّ النجاح في الساحة الفنية ليس معادلة بسيطة تعتمد على الفوز أو الخسارة، بل هو تفاعل معقّد بين الموهبة، والاجتهاد، والظروف المحيطة، ومدى استعداد الفنان لصنع طريقه الخاص بإصرار وحكمة.

فبين من ينتظر أن تأتيه الفرص، ومن يخلقها بنفسه، يتحدّد الفرق بين نجم يسطع لفترة قصيرة وآخر يواصل التألق لسنوات، وفق تصريح سيماء المزوغي لبوابة تونس.

هالة الذوادي: المُثابرة والمُراكمة طريق المواهب التونسية إلى النجومية العربية

ما ذهبت إليه سيماء المزوغي أيّدته الإعلامية هالة الذوادي، بقولها: “لعقود احتكار برامج المواهب والقنوات الباثة لها دور في كبح فرامل تقدّم المواهب التونسية، كما للفنان التونسي يد في اكتفائه بمحليّته”.

ومع ذلك تقّر الذوادي بأنّ ما بين النجاح والانتكاسة خيط رفيع، في مثل هكذا مغامرات فنية.

وتوضّح: “فرصة العمر تأتي مرّة واحدة، والطريق إلى الشهرة العربية يُمكن أن يتحقّق في غمضة عين، وما على الفنان المُجتهد سوى استغلالها على الوجه الأكمل، بالمُثابرة والمُراكمة، وإلّا اندثر كحال العديد من الأسماء التونسية التي لم تُحسن قنص الفرصة”.

في المقابل تُثني الذوادي على ذكاء يسرى محنوش التي عرفت استغلال ظهورها المميّز في برنامجَي “سوبر ستار” 2011، و”ذا فويس” 2012، ولم تكتف بذلك، بل زادت عليه باجتهادها الخاص وإنتاجاتها المميّزة التي جعلت منها نجمة تونسية أولا، فعربية ثانيا، منحتها أحقيّة اعتلاء كبرى المسارح الدولية.

عبدالجليل السمراني: المواهب هي الخاسر الأكبر في برامج اكتشاف المواهب

بدوره يقول الصحفي عبدالجليل السمراني: “أثارت برامج اكتشاف المواهب الفنية، منذ انطلاقتها، الكثير من اللغط واللغو، حول أهدافها وغايتها وما تبعها من تشكيك”.

ويتساءل: “هل يُمثّل اكتشاف المواهب نجاحا أم أنّ النجاح يعود إلى البرامج في حد ذاتها، سيما أنّ برامج تلفزيون الواقع مثّلت في وقت ما ثورة في عالم التلفزيون؟”.

ويقول مُجيبا عن سؤاله: “المؤكّد أنّ الهدف كان النجاح التلفزيوني دون سواه، أما المواهب واكتشافها والأخذ بيدها في طريق الانتشار العربي، فهي مرحلة ثانوية وليست لها أهمية مطلقة”.

ويستدلّ السمراني في طرحه بطريقة التصويت التي أفقدت هذه البرامج مصداقيتها، بذهابها إلى غير مستحقيها في أغلبها، وفق تقديره.

ويُشدّد الصحفي التونسي على أنّ جل المتوّجين عجزوا عن نحت مسيرة فنية مميّزة، مقرّا بأنّ “أغلبهم كان كمن يفجّر نزوة لا أكثر”.

علي حسين: إستراتيجيات برامج اكتشاف النجوم تتعارض مع طموحات المُواهب

وعن مدى إمكانية استمرار نجاح المواهب التونسية من عدمه بعد خروجهم من مغامرة الأفضل، يقول المطرب والممثل السوري المقيم في تونس علي حسين: “الفنان الذي يصل إلى مراحل متقدّمة في هذه البرامج، يضع في حسبانه أنّ إدارة البرنامج تُخطّط ما يتوافق مع مصلحته، والحال أنّها تختار ما يتناسب مع إستراتيجيتها”.

ويسترسل موضّحا: “هذه النوعية من البرامج يتطلّب دوامها إنتاج نجم جديد في كل موسم، وهو ما يتعارض مع طموحات المواهب التي تشعر في زمن العرض بأهميّتها، لتفاجئ بعد انقضاء موسم العرض في العراء وحيدة بلا داعم ولا مؤطّر”، وفق تصريحه لبوابة تونس.

ويُضيف حسين: “حتى وإن نجحت موهبة ما في التتويج، وتمّ التعاقد معها على إنتاجات جديدة، في الغالب تمرّ فترة الاحتكار دون تحقيق تقدّم يُذكر”.

وهو في ذلك يوصي كلّ الفنانين، سيما الذين وصلوا إلى مراحل مُتقدّمة على ضرورة وضع خطة طويلة المدى لمشوارهم ومسارهم، من باب الاحتياط في حال خذلتهم تلك البرامج، وهو الأرجح، وفق تقديره.

ماهر الهمامي: افتقار تونس إلى شركات الإنتاج كبح نجومية مواهبنا عربيا

توازيا مع كل ما تقدّم يُقرّ ماهر الهمامي نقيب الموسيقيين التونسيين، أنّ جلّ الأصوات التونسية التي شاركت في برامج اكتشاف المواهب العربية، هي أصوات ممّيزة ومتفرّدة، مثّلت هذه البرامج خطواتهم الأولى في طريق النجاح.

لكنه، يُؤكّد أنّه “بعد عودتهم إلى تونس ولافتقارهم إلى شركات إنتاج مختصّة، ولعدم توفّر إمكانيات مالية تسمح لهم بالإنتاج توقّف تقدّمهم”.

ويُشدّد الهمامي على أنّ تونس تُعتبر الأولى عربيا في تصدير الأصوات الممتازة، وهو ما كان على وزارة الإشراف (وزارة الشؤون الثقافية) الإيمان به، حيث كان يُمكن لها أن تمدّ يد المُساعدة لبعضهم.

وذلك عبر المساعدة على الإنتاج أو برمجة عروض لهم في جملة من المهرجانات الوطنية والعربية، ما يُمكّنهم من مواصلة انتشارهم على المستويين المحلي والدولي، وفق تصريح ماهر الهمامي لبوابة تونس.