عالم

براءة بعد ثلاثة عقود سجنا تساوي 1.6 مليون دولار

سمية المرزوقي

“كنت أخشى أن أموت في السجن (عن ذنب لم اقترفه)… وكنت أقنع نفسي طوال الوقت أن ما أعيشه ليس سوى حلم سينتهي بمجرد أن أفتح عيني. لا يمكن أن يحدث هذا لي”.

هذا ما كان يقوله الأمريكي خواكين سيريا لنفسه، طوال فترة احتجازه في السجون الأمريكية، بعد صدور قرار إدانته بالقتل العمد من محكمة مقاطعة سان فرانسيسكو، في فيفري/فبراير 1991.

خلال فترة سجنه على امتداد 32 سنة، عاين خواكين تدهور الحالة النفسية لعدد من السجناء المطالبين ببراءتهم. وفي تصريحه لوسائل إعلام أمريكية، عبّر عن شدّة الضغط الذي كان يشعر به قائلا: “لقد فقد الكثير من المسجونين، ظلما، عقولهم، صاروا يكلمون أنفسهم وساء وضعهم النفسي كثيرا، لم أرد أن أصل إلى تلك المرحلة. كان عليّ المقاومة من أجل ابني وأسرتي”.

وطالت رحلة انتظاره إلى أن أعلن القضاء الأمريكي أخيرا عن براءته من عقوبة القتل من الدرجة الأولى، في أفريل/نيسان 2022.

دليل الإدانة: شهود زور

انقلبت حياة خواكين رأسا على عقب عندما قُبض عليه في أفريل/نيسان 1990 واتهم بقتل صديقه فيليكس باستاريكا.

لم تتمكّن الشرطة في ذلك الوقت من جمع الأدلة التي تساعد في كشف هوية من أطلق النار على رأس الضحية. وحتى تقفل الملف، ارتكزت على شائعات وأقاويل غير مثبتة أطلقها القاتل الحقيقي كانديدو دياز وشريكه جورج فاريلا.

شدّد المحقّقون الضغط على جورج ووعدوه بإطلاق سراحه وتمتيعه بالحصانة أمام المحكمة في حال موافقته على اتهام خواكين والشهادة ضدّه.

وتعمّدت الشرطة في ذلك الوقت إهمال الاستماع إلى بقية الشهود الذين كان بإمكانهم إثبات غياب خواكين عن مسرح الجريمة وقت ارتكابها.

وخلال المحاكمة، استمعت هيئة المحلفين إلى ثلاثة شهود عيان تعرّفوا على خواكين، مؤكّدين أنه مطلق النار، رغم بعد المسافة وسوء الإضاءة أثناء إطلاق النار في وقت متأخر من الليل. كما أن الهيئة لم تواجه القاتل الحقيقي ولم تعلم بوجوده ضمن ملف القضية.

براءة متأخرة

بدأت الطريق إلى تبرئة خواكين، عام 2018 عندما اقتنعت المحامية إيلين إيغز بعدم تورّطه في عملية القتل وتمكّنت من جمع أدلة جديدة لصالحه.

المحامية إلين كانت قد أثبتت سابقا براءة كل من فرانكي كاريلو وأرتورو جيمنيز بعد إدانتهما بتهم القتل العمد. وهي تعمل في منظمة غير ربحية يطلق عليها اسم “مشروع البراءة لشمال كاليفورنيا” ومهمتها مراجعة الإدانات السابقة لأفراد ومتهمين يزعمون البراءة.

وبعد تحقيق دام أربعة أشهر، تمّ الكشف عن أدلة جديدة تجاوزتها المحكمة أثناء المحاكمة الأولى. ثم تولّت لجنة البراءة التابعة لمحاميي مقاطعة سان فرانسيسكو إعادة فتح ملف القضية والتثبّت في كل المعطيات والشهادات.

وتوّصلت لجنة البراءة، أثناء التحقيق، إلى شاهد عيان آخر -كان صديق الضحية المقرب ويعرف جميع الجهات- وشهد إطلاق النار وحدّد شخصا آخر على أنه مطلق النار. هذا الشاهد لم يشهد في المحاكمة.

وذكر شهود آخرون تفاصيل تؤكّد رواية شاهد العيان الجديد، بما في ذلك أوصاف مطلق النار التي قدّمها في البداية شهود عيان والتي لا تتطابق مع أوصاف خواكين.

بعد التحقيق، وافقت اللجنة بالإجماع على أن الأدلة الرئيسية المقدّمة في المحاكمة لدعم إدانة خواكين لم تكن ذات مصداقية.

تعويضات مالية

بعد تراجع الشاهد الرئيسي جورج فاريلا عن شهادته واعترافه بوقوعه تحت ضغط الشرطة، وفي ظل عودة أكثر دقة على كلام الشهود وامتلاك خواكين حجة غيابه عن مسرح الجريمة، قضت المحكمة ببراءته وحكمت له بتعويض مالي يتجاوز 1.6 مليون دولار أمريكي عمّا لحقه من ضرر لثلاثة عقود حُرم فيها من حريته ومن عائلته.

“عندما تكون الإدانة تحريفا للعدالة، لأنها تحرم شخصا بريئا من حريته، فإن المدعي العام عليه واجب تصحيح هذا الانتهاك الذي لا يطاق”. هكذا علقت لارا بازيلون، رئيس لجنة البراءة بسان فرانسيسكو على قرار التبرئة.

وشاطرها المدّعي العام الرأي بقوله: “بينما لا يمكننا أن نعيد إليه العقود التي فقدها، نشعر بالامتنان لأن المحكمة اعترفت بهذا الخطإ في تطبيق العدالة”.

وبمجرد إعلان البراءة انهمرت دموع خواكين، ذي الـ61  عاما. وكان أول ما صرّح به أنه لا يحمل ضغينة ضدّ أحد بسبب ما حدث له.