ثقافة

باولو كويلو… “خيميائي” الروائي المتمرد على السائد

وجدي بن مسعود

لم تكن سيرة صاحب “الخيميائي” في سنوات الشباب، سوى صورة مجسدة للتمرد على كل النواميس والطقوس والأفكار المسبقة والعادات والتقاليد الاجتماعية والأسرية.

فهذا الروائي البرازيلي الذي بدأ مسيرته مع القلم في سن السادسة والثلاثين، فر من مدارج كلية الحقوق التي أجبره والده على دخولها مكرها سنة 1970، لينطلق بعدها مرتحلا بين أقطار العالم سائرا في ركاب مجموعات “الهيبز”، حاملا ثقافتهم ونمطهم البوهمي، وأسلوب احتجاجهم على المنظومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتحكمة بالشعوب.

طفولة المصح العقلي

يرجع بعض الدارسين لشخصية كويلو نزعة التمرد التي لازمته إلى طفولته القاسية التي عاشها في كنف والدين محافظين شديدي التدين والصرامة، لم يجدا غضاضة في إيداع ابنهما مصحا عقليا بمدينة ريو دي جينيرو بسبب رفضه الانصياع للمسار التقليدي الذي وضع لحياته.

اختار الصبي العبقري أن يكون سيد نفسه ومصيره بعد أن أعلن عن حلمه باحتراف الكتابة، لتبدأ على إثره حقبة مريرة من الاحتجاز القسري في المصح العقلي، إلى غاية عامه العشرين، لكنها لم تفت من عضده وتصميمه على اختياره.

سنوات التمرد وطريق الحج

قضى باولو كويلو سنوات طويلة تتقاذفه أمواج المغامرة ملقيا بنفسه بين فيافي الحياة بحثا عن الحرية واكتشاف الذات، تقلب في أثنائها بين تجارب مختلفة من التمثيل والإخراج المسرحي، إلى كتابة أغنيات “الروك أند رول”.

مثل نبي مجهول أو متصوف بانتظار دعوة إلى التنسك، كان كويلو سنة 1986 على موعد مع منعرج قدري كان له عميق الأثر في مسيرته، خلال رحلة حج كاثوليكي على الأقدام باتجاه مدينة “سانتياغو دي كومبوستيلا” الإسبانية، التي تحتضن رفات القديس يعقوب بن زبدي أحد تلاميذ السيد المسيح.

على طريق “القديس يعقوب” وعبر مسافة أكثر من 600 كلم، عاش كويلو حالة من “اليقظة الروحية” والسلام النفسي والتبتل المطلق كما وصفها في مذكراته، حفزته على كتابة قصته الأولى “الحج”، مستلهما تفاصيلها وأحداثها من تجربته ورحلته وسط أفواج الزوار المسيحيين.

ولادة روائي

أطلقت رواية “الحج” اسم كويلو سريعا مدويا في عوالم الأدب والكتابة، لتتكر بعدها سبحة النجاح سنة 1988 من خلال “الخيميائي” الذي كتبها في أسبوعين فقط، وباتت أشبه بقطعة فريدة وأيقونة نادرة بين أعماله الغزيرة.

عكست “الخيميائي” تأثر كويلو بمناخات إسبانيا وإرثها الأندلسي العريق وفسيفسائها الحضارية، فضلا عن اهتماماته بالصوفية وعوالم السحر وظواهره الغامضة، فجاءت مغمسة بالتورية والترميز، وفية لتقاليد الواقعية السحرية ومدرسة الأدب اللاتيني.

حققت “الخيميائي” نجاحا أسطوريا بعد أن بيعت منها أكثر من 35 مليون نسخة وترجمت إلى عشرات اللغات من ضمنها العربية، بل وأضحت ظاهرة عالمية وملهمة المئات ممن تأثروا بفلسفتها الروحانية ونزعتها الكونية والإنسانية.

على مدار ثلاثة عقود أصدر كويلو أكثر من ثلاثين عملا بمعدل رواية كل سنتين، كما ينشر بانتظام نصوصا قصيرة على مدونته الرقمية، ما جعله أحد أكثر المؤلفين والكتاب المعاصرين إنتاجا، فضلا عن التكريمات والجوائز الأدبية الرفيعة التي حظي بها.

نجاحات كويلو لم تحجب انتقادات كثيرة طالت تجربته وأسلوبه في الكتابة، الذي تغلب عليه “الروحانيات الزائفة، ويفتقد إلى الدقة والعمق الذي يفترض أن يلامس القراء ويغير حياتهم”، وهو ما يرد عليه بالقول: “عندما أكتب، فأنا أكتب لنفسي ، أما عن ردة الفعل فهي ترجع إلى القارئ، فليس من شأني إذا أُعجب الناس بالرواية أو أنها لم ترق لهم”.

لعل من بين أغرب المسائل التي تعكس ولع كويلو بالظواهر الروحانية الغريبة والغامضة، حديثه عن تذكره لحظات ما بعد ولادته ومشاهداته الأولى التي ما تزال راسخة بذاكرته حسب قوله، ما أثار لغطا كبيرا في الأوساط الأدبية.

جدل يعلق عليه بعض النقاد بالقول: “إن كان ما قاله كويلو حقيقة فقد أوتي عجبا، وإن كان خيالا فقد أوتي مجازا وأدبا”.