أثارت تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي تحدث عن مخاوف من “انهيار” تونس، غضبا عبرت عنه وزارة الخارجية التونسية في بيان يصف التصريحات بأنها “غير متناسبة”.
وتسببت تصريحات، جوزيب بوريل، في ردود متباينة بين من يرى “المخاوف الأوروبية” مشروعة وبين من يراها “تحاملا” على تونس.
والاثنين، أعلن بوريل أن التكتل الأوروبي يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها، محذّرا إثر اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل من أن “الوضع في تونس خطير للغاية”.
وأكد المسؤول الأوروبي أن “انهيار” تونس “اقتصاديا أو اجتماعيا” يمكنه أن يمهد إلى موجة لجوء جديدة إلى أوروبا.
والأربعاء، حذر وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، بدوره من أن تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بعد تعبير الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد.
وقال بلينكن ردا على سؤال حول تونس خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي: “أهم ما يمكنهم فعله في تونس من الناحية الاقتصادية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وأًضاف الوزير الأميركي “نحن نشجعهم بقوة على فعل ذلك لأن الاقتصاد مهدد بالسقوط في الجانب الأعمق”.
من جانبها، جددت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني دعمها للملف التونسي لدى صندوق النقد الدولي من أجل تمكين تونس من قرض، محذرة من انهيار الوضع في البلد الإفريقي، في خطوة جديدة من وقوفها إلى جانب الرئيس قيس سعيّد.
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية إن “تونس في وضع مالي معقد للغاية وإذا لم يتوقف، فإننا نخاطر بتدفق هجرة لا يمكن لأحد أن يوقفه”، مضيفة أنه “بالأمس تحدثت مع الرئيسة (المفوضة الأوروبية) أورسولا فون دير لاين حول الجهود المبذولة لتجنب تخلف تونس عن السداد”.
مخاوف مشروعة
يرى المحلل التونسي، أنيس عكروتي، أن المخاوف مشروعة نظرا لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وقال عكروتي في حديث لموقع “الحرة” إنه ليس في مصلحة “الشركاء الأوروبيين أن تتحول تونس “مهد ثورة الياسمين ” لدولة “مارقة” تضرب عرض الحائط بالاتفاقيات المشتركة في عديد المجالات”.
وأضاف “من الواضح أن العلاقة مع سعيّد تزداد سوءا، لذلك تزداد الضغوطات كي ينتهج مسارا مخالفا لما سبق”.
ويرى عكروتي أن بداية الأزمة تعود إلى “تعطل الوصول إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، تعطل عزاه الصندوق إلى تململ الدولة التونسية في تنفيذ البرنامج الإصلاحي المتفق عليه”.
ويقر عكروتي أن “الاقتصاد التونسي يعيش وضعا صعبا، لكن الانفراج ممكن شريطة القيام بمجموعة من الإصلاحات العاجلة وتوفر مناخ سياسي اجتماعي مساعد”.
وقال بوريل إن “الاتحاد الأوروبي لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وشدد على أن “الرئيس قيس سعيّد يجب أن يوقع اتفاقا مع صندوق النقد الدولي وينفّذه، وإلا فإن الوضع سيكون خطيرا للغاية بالنسبة لتونس”.
وتكافح تونس تحت وطأة ديون متزايدة وتفاقم ارتفاع الأسعار بسبب تداعيات جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، وتوصلت إلى اتفاق مبدئي، في أكتوبر، للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي يبلغ نحو ملياري دولار.
في مقابل ذلك، سعى البنك الدولي إلى ضمان إجراء إصلاحات في تونس منها رفع الدفع الغذائي والطاقي وهيكلة المؤسسات العمومية.
“تحامل” سياسي
من جهته، اعتبر أحمد الهمامي، الناطق الرسمي باسم “تحالف أحرار” المؤيد للرئيس التونسي، أن مخاوف الاتحاد الأوروبي “مبالغ فيها” و”فيها تحامل على تونس سياسيا”.
وأوضح الهمامي في حديث لموقع “الحرة” أن الاتفاق مع البنك الدولي يتجه في الطريق الصحيح.
ويقول الهمامي إن تونس ليست معزولة عن العالم والأزمة الاقتصادية عالمية، وليست تونسية فقط، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى الوقوف بجانب تونس في هذه الفترة حتى تتجاوز هذه المرحلة.
وأكد الهمامي أن تونس تقوم “بتقليل النفقات العمومية والنفقات التي ربما لها تأثير اقتصادي مباشر على الشعب”.
وقالت الخارجية التونسية في بيان، نشرته على صفحتها على فيسبوك، إن “هذه التصريحات التي تم الإدلاء بها غير متناسبة، سواء بالنظر للقدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود وعلى تجاوز المصاعب، وكذلك فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا”.
وينفرد الرئيس سعيّد بجميع الصلاحيات، منذ 25 جويلية 2021، وأوقف العديد من الشخصيات السياسية ضمن حملة واسعة، تقول المعارضة إنّها تستهدف المناوئين لمسار سعيّد، في ما يصفها مناصروه خطوة لمحاربة الفساد.
وتندد أحزاب المعارضة الرئيسية بـ”انحراف استبدادي” يقوّض الديمقراطية الفتية المنبثقة عن ثورة عام 2011 التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي.