احتفل المسلمون على مرّ التاريخ الإسلامي بالمولد النبوي الشريف وذلك على اختلاف الحقب الزمانية وبمختلف الطرق والمظاهر، فاحتفلت به الدولة الفاطمية والدولة الأيوبية والدولة العثمانية والعديد من دول المغرب العربي.
ويُشير التاريخ إلى أنّ أوّل من اهتم بالاحتفال بالمولد بشكل منظّم هو معين الدين أبو حفص عمر بن محمد بن خضر الإربيلي شيخ الموصل في عهده ( القرن السادس هجرية الثاني عشر ميلادية). في حين ذهب بعض الباحثين والدارسين إلى أنّ من ابتدأ فكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وأوّل من جعل ذكرى مولد النبي الكريم، عيداً يُحتفل به على نطاق الدولة والمجتمع، هم بنو عبيد القداح الفاطميون، نسبة إلى جدهم ابن ديصان المعروف بالقداح، مولى جعفر بن محمد الصادق.
ويوغل البعض في التاريخ الإسلامي، ويعيد إنتاج إجابة سؤال أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي إلى العصر النبوي، وإلى النبي الكريم نفسه، من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: “هذا يوم ولدتُ فيه”، في إجابة له صلى الله عليه وسلم، حول اختياره ليوم الإثنين لصيامه.
ويذكر الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه “حسن المقصد في عمل المولد”، أنّ أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظّم هو حاكم أربيل (في شمال العراق) الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين، والذي قال عنه السيوطي وابن كثير: “أنّه أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكانت له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون”.
الاحتفال في الدولة الفاطمية
يعدّ الفاطميون أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، كما احتفلوا بغيره من الموالد الدورية التي عُدت من مواسمها في سنة 488 هـ. وقد وصف الدكتور عبد المنعم سلطان في كتابه عن الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي الاحتفالات آنذاك فقال: “اقتصر احتفال المولد النبوي في الدولة العبيدية (الفاطمية) بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمي فكان يتمثّل في موكب قاضي القضاة حيث تُحمل صواني الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى بيوتهم. أما الاحتفالات التي كانت تلقى معظم الاهتمام فكانت الأعياد الشيعية”.
الاحتفال في الدولة الأيوبية
كان الملك مظفّر الدين كوكبوري من ملوك الدولة الأيوبية يحتفل به احتفالاً كبيرًا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة.
وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلوا من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول.
وكان المولد يُقَامُ سنة في 8 ربيع الأوّل، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير.
الاحتفال في الدولة العُثمانية
العثمانيّون هم أكثر من أعطوا اهتماما بالغا في قضية الاحتفال بالمُولد الشريف، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولّى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي.
فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان. فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدؤون بالاحتفال؛ بقراءة القرآن، ثم بقراءة قصة مولد النبي محمد، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.