ثقافة لايف ستايل

اليونسكو تُرسّم “التراث الموسيقي في أرشيف البارون ديرلانجي” عالميا

أعلنت منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثقافة “اليونسكو” عن ترسيم ملف “التراث الموسيقي في أرشيف البارون ديرلانجي” في سجلّ “ذاكرة العالم” للمنظّمة، والمحفوظ في مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة (النجمة الزهراء) بضاحية سيدي بوسعيد (الأحواز الشمالية لتونس العاصمة).

ويأتي هذا الإنجاز ليدعم الجهود التونسية المتواصلة للتعريف بالتراث المادي وغير المادي محليّا ودوليّا، ولتثمينه وتعزيز مكانته وإبراز ثرائه وجدارته بالحفظ في ذاكرة التراث العالمي.

وتمّ إعداد ملف التراث الموسيقي في أرشيف البارون ديرلانجي (1910-1932) من قبل خبراء مركز الموسيقى العربية والمتوسّطية “النجمة الزهراء”، ويختزل الوثائق النادرة المتعلّقة بمعرفة أصول الموسيقى التونسية والعربية والمتوسّطية.

ووُلد البارون رودولف ديرلانجي، الألماني الأصل والفرنسي المولد والإنجليزي المنشأ عام 1872، وتوفّي عام 1932 عن عمر ناهز الـ60 عاما، ويُعتبر ديرلانجي من الشخصيات الأوروبية التي عاشت في تونس واهتمّت كثيرا بقضايا الفن العربي، ولأنّه كان عاشقا للموسيقى، فقد نمت لديه فكرة إعداد عمل جامع حول الموسيقى العربية بمختلف أنماطها وضروبها، وفكّر في وضع مُؤلّف موسوعي يؤرّخ للموسيقى العربية ويعرّف بأهم مصادرها النظرية التأسيسية.

وكان البارون ديرلانجي رسّاما ينتمي إلى المدرسة الاستشراقيّة وباحثا عظيما في مجال الموسيقى. وكان أيضا معروفا بالخصوص بموسوعته العلمية الموسيقيّة التي تحمل عنوان “الموسيقى العربيّة”، والتي صدرت بباريس عن دار بول غوتنار للنشر، وتُعتبر مرجعا مهمّا جاء في ستّة أجزاء من البحوث النادرة. ويحتوي الأرشيف الموسيقي للبارون على عدد مهمّ من الوثائق المتعلّقة بعدة أنماط موسيقية تونسية وعربية.

ومركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة (النجمة الزهراء) مؤسّسة تشرف عليها وزارة الشؤون الثقافية التونسية. يعود تاريخ إنشائها إلى 20 ديسمبر 1991، وقد أعلن عن قانونها الأساسي في أكتوبر 1994، وبعد ثلاث سنوات نال مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة الجائزة الشرفية التي يسندها المجلس الدولي للموسيقى، الراجع بالنظر إلى اليونسكو.

ويقوم المركز ببُعديْه العربي والمتوسّطي على تصوّر يجعل منه فضاء متحفيّا تنشيطيا مخصّصا للتراث الموسيقي، تقوم برامجه على التكامل بين محاور أربعة، وهي: حفظ التراث الموسيقي والعمل على نشره، القيام بالأنشطة المتحفيّة، النهوض بالدراسات والبحوث، وإعداد البرامج الفنيّة والتنشيطية.

واختار مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة أن يكون مقرّه قصر النجمة الزهراء، تلك الإقامة العريقة التي شيّدها البارون رودولف ديرلانجي بين سنتي 1912 و1922 في موضع منخفض من قرية سيدي بوسعيد التي تبعد 17 كلم شمالي تونس العاصمة.

وسعى مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة منذ تأسيسه إلى العناية بتكامل الاختصاصات في دائرة ذلك المجال الرّحب الذي تمثّله الموسيقى، إذ يتمتّع بفضل انقسامه إلى مصالح متنوّعة الاتّجاهات مخصوصة الأنشطة، بنوع من الاستقلاليّة في العمل.

ومع ذلك، فإنّ المؤسّسة تعمل بشكل عام في تناسق تام بين العناصر المكوّنة لها وتسعى إلى وضع برامج عمل مندمجة، وبالإضافة إلى قسميْ التنشيط والدراسات والبحوث، يأوي مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة الخزينة الوطنية للتسجيلات الصوتية الوطنيّة، وهي هيكل أساسي تُناط بعهدته مهمّة جمع التراث الموسيقي التونسي لغاية حفظه ونشره وجعله في متناول الباحثين في مجال الموسيقى.

وتُساهم في إثراء رصيد الخزينة الوطنية للتسجيلات الصوتية موارد عديدة، تتمثّل في التسجيلات التي تنجز بمُناسبة حملات الجمع الميدانيّة وعمليّات توثيق العروض التي تقدّمها المهرجانات الدوليّة في البلاد التونسيّة، إلى جانب التسجيلات التجاريّة التي يقع وضعها في إطار الإيداع القانوني الخاصّ بالآثار الصوتيّة.

زيادة على الوثائق المسموعة الوافدة من الأرصدة الخارجيّة التي تملكها مؤسّسات وطنيّة وأجنبيّة، بإلى جانب الوثائق المكتسبة في إطار التبادل مع مؤسّسات مُماثلة.

وتضطلع الخزينة الوطنية للتسجيلات الصوتية، باعتبارها مستودعا للوثائق المسموعة المتأتّية من تطبيق الإيداع القانوني، بمهمّة نشر الصناعة الصوتيّة الوطنيّة.

ويحتضن مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة أيضا ورشة للآلات الموسيقيّة تعمل على نطاقين مُتساويين، أحدهما صيانة مجموعة الآلات الموسيقيّة التي يملكها المركز، فيما يُعنى الثاني بإجراء بحوث في مجال علم صناعة الآلات الموسيقيّة.