عرب

اليوم العالمي لحقوق الإنسان… بين الانحياز والشعبوية

يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي لحقوق الإنسان الموافق لـ10 ديسمبر/كانون الأول، إحياءً لذكرى اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتّحدة في عام 1948 بموجب القرار 217، بوصفه المعيار المشترك  الذي ينبغي أن تستهدفه جميع الشعوب والأمم.

وتحلّ الذكرى هذا العام في ظل سياق عالمي شديد التوتّر، حيث تتصاعد النزاعات والحروب في أكثر من دولة، وفي ظلّ التناقضات الكبيرة بين مواقف المنظّمات الدولية المعنية بالتعامل مع هذا الملف، وخطاباتها.

الإعلان العالمي

يتألّف من ديباجة و30 مادة تحدّد مجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي يحقّ لجميع البشر التمتّع بها أينما وجدوا في العالم.

 ويضمن الإعلان حقوقهم دون أيّ تمييز على أساس الجنسية أو مكان الإقامة أو الجنس أو الأصل القومي أو العرقي أو الدين أو اللغة أو أيّ وضع آخر.

ويُشدّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته على “الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة… هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”.

يسلّط الاحتفال بيوم حقوق الإنسان هذا العام الضوء على “المساواة” والمادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنصّ على ما يلي: “يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق”.

ويهدف اليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى  زيادة الوعى العالمى بضرورة تعزيز المساواة في الكرامة الإنسانية، واحترام حقوق البشر كافة، وعدم التمييز بين البشر على أساس الدين أو اللون أو العرق، والعمل على الارتقاء بحقوق الإنسان على المستوى الإقليمي والوطني والدولي.

انحياز

من المعلوم أنّ أجزاءً كبيرة من هذا العالم تعيش على وقع أزمات مستعصية أدّت إلى تهديد حياة المواطنين ومسّت حقوقهم الأساسية، غير أنّ تدخّل المنظّمات الدولية بيّن بشكل جلي أنّ تطبيق الإعلان العالمي يخضع لمعايير المصلحة السياسية.

فالغزو الروسي لأوكرانيا كشف بما لا يدع مجالا للشك عن سياسة الكيل بمكيالين التي تعتمدها الدول والمنظّمات الراعية لحقوق الإنسان، إذ استنفر الغرب (أوروبا وأمريكا) للدفاع عن كييف عبر حزمة من الإجراءات المتنوّعة بين ماهو سياسي واقتصادي.

فرض الغرب حصارا دبلوماسيا على موسكو وألحقه بعقوبات اقتصادية، منها تسقيف النفط الروسي وتصنيف رؤوس أموال في قائمات الإرهاب، وملاحقة الأرصدة في الخارج.

عزفت أمريكا وحليفتها أوروبا على أوتار حقوق اللاجئين في الأزمة الروسية الأوكرانية وجعلتها كارثة إنسانية، فيما تغاضت بشكل سافر عن صور الهجرة الجماعية للأويغور ونازحي العراق وسوريا واليمن والصومال ولاجئي فلسطين.

صُمّت آذانهم وأُغمضت أعينهم أمام القتل اليومي الممنهج  الذي يتعرّض له الفلسطينيون، وهي ممارسات ترتقي إلى جرائم حرب وتقتضي مساءلة عاجلة أمام الهيئات الدولية كمحكمة الجنايات بلاهاي.

يُواصل الاحتلال حصاره جنين وهدم البيوت ومصادرة الممتلكات والأراضي، وخروقاته الواضحة للاتّفاقيات (جنيف) المتعلّقة بحقوق الإنسان، إذ تستمرّ تل أبيب في ممارسة التعذيب القسري في معتقلاتها وسجونها.  

إنّ المواقف التمييزية التي يُمارسها الغرب (أوروبا وأمريكا) ستدفع حتما إلى فقدان الشعوب المقهورة، الثقة في المنظمات الدولية وشعاراتها بعد اكتشاف زيف دعايتها وإثبات حقيقة أنّ ما يحرّكها نظرية المصالح.

العرب والحقوق

إضافة إلى انحياز الغرب وصمته تُجاه الأزمات، يعاني المواطن العربي (من المغرب إلى المشرق) صراعا مريرا مع خصوم حقوق الإنسان، وهؤلاء يُدافعون عن السلطة جائرة كانت أو نصف عادلة.

وإذا كان الحكّام يفرضون بالقوّة سلطانهم، فإنّ خصوم الحقوق والحريات ابتدعوا خطابا يبرّرون به انتهاكات  المعارضة وقمع كل صوت حرّ، وهو مبني أساسا على مغالطة الرأي ضمن ما يُعرف ببروباغندا السيادة.

هذه الفئة -التي تشمل كُتّابا وصحفيين وأكاديميين وسياسيين وكذلك أحزاب ممن يشكّلون حزاما للحاكم العربي- تهدف من وراء خطابها إلى شلّ حركة الانتقاد لانتهاكات حقوق الإنسان والتنديد بقمع أيّ رأي مخالف.

السيداوية (السيادة) الجديدة المنبثقة من رحم الشعبوية الصاعدة في أكثر من بلد عربي، لا تجد حرجا في تخوين كل المدافعين عن الحريات الفردية والعامة (الرأي والتعبير)، واتّهامهم بالعمالة.

تبدو حقوق الإنسان في أحلك ظروفها في هذا العالم المحكوم بصراعات المصالح وتقاطع الأجندات، لكن لابد ألّا يُقاس احترام الغرب لحقوق الإنسان إلّا بناء على كيفية تعامله مع كل القضايا بالطريقة ذاتها، فيما يحتاج هذا المصطلح في العالم العربي إلى إعادة صياغة مفاهيمه.