ثقافة لايف ستايل

اليوم.. التونسيون يحيون ذكرى المولد النبوي الشريف وسط ارتفاع مشطّ لمادة “الزقوقو”

تحيي تونس وسائر الأمة الإسلامية، اليوم الأحد 15 سبتمبر 2024، الموافق لـ12 ربيع الأول 1446 هجري، ذكرى المولد النبوي الشريف.

معتقلو 25 جويلية

ومن أشهر مظاهر الاحتفاء بذكرى المولد النبويّ الشريف عند التونسيين، طهي العصيدة ليلة المولد أو في الصباح، فلا تكاد تخلو دار تونسية من هذه الأكلة التي تتنوّع بين عصيدة الزقوقو (الصنوبر الحلبي)، وعصيدة البوفريوة، والعصيدة العربي، كل حسب ذائقته وإمكانياته المادية.

إلّا أنّ أشهرها على الإطلاق، هي عصيدة الزقوقو التي تتكوّن من الزقوقو والسكر والدقيق والبيض وماء الورد و”الكريمة” والفواكه الجافة، ليتمّ تبادل العصائد بين الأهل والجيران صبيحة يوم المولد توطيدا للعلاقات الأسرية والتآزر المجتمعي.

من المجاعة إلى الاحتفاء

وتعتبر أكلة “عصيدة الزقوقو” من أهمّ الأكلات الفاخرة في تونس، حيث يتمّ طهيها بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولظهورها طرافة وتاريخا ارتبطا بفترة مجاعة عاشها الشعب التونسي.

فحسب المؤرخ التونسي عبدالستار عمامو فإنّ استعمال “الزقوقو”، قد ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

ويقول عمامو، في تصريح سابق لموقع “الميادين.نت”، إنّ اللجوء إلى استعمال هذه الثمرة تمّ خلال سنوات الجفاف التي تلت ثورة علي بن غداهم سنة 1864، وانتشرت خلالها المجاعة بسبب تراجع محاصيل الحبوب (القمح والشعير والدرع).

وقد اضطرت العديد من العائلات التونسية إلى اعتماد تلك المادة لتعويض النقص الحاد في الحبوب، ونظرا إلى نكهتها الطيبة فقد أصبحت أكلة يتفنّن التونسيون في إعدادها بإضافة الفواكه الجافة.

ويشير عمامو إلى أنه بعد خروج البلاد من فترة الجفاف ظلّ استعمال الزقوقو يُعيد إلى الأذهان المجاعة والفقر، وحتى عندما بدأ استعماله يتسرّب شيئا فشيئا إلى العائلات التونسية، ظلت العائلات الكبرى خاصة في العاصمة (تسمى البلْدية) ترى في استعماله عيبا.

عرفت عصيدة الزقوقو تطوّرات كبيرة من ناحية طرق إعدادها، حيث أصبحت تضاف إلى عجينة الزقوقو فواكه جافة كاللوز والبندق والفستق، فبدأت هذه الأكلة تأخذ صدى كبيرا إلى أن انخرطت العائلات الثرية وأصبحت تتفنّن في إعداد العصيدة التي كانت ترى في أمر استهلاكها استنقاصا من الحظوة والجاه.

أسعار مشطّة

وهذا العام اشتكى المواطنون من غلاء أسعار مادة الزقوقو، حيث تجاوزت الـ60 دينارا للكغ الواحد.

ووصف رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي كلفة ”عصيدة الزقوقو” هذه السنة بالمشطّة، والتي تتراوح بين 250 و270 دينارا لعائلة تتكوّن من 6 أشخاص بسبب ارتفاع سعر الزقوقو وأسعار الفواكه الجافة، الأمر الذي جعل بعض العائلات التونسية تعزف عن طهي “العصيدة”.

و”عصيدة الزقوقو” تعتمد أساسا على ثمرة الزقوقو، وهي ثمرة الصنوبر الحلبي التي تكون في شكل مخاريط حاملة للحبوب يتمّ تجميعها واستخراج ثمارها باستعمال الأفران التقليدية.

وتمتدُّ غابة الصنوبر الحلبي في تونس على مساحة تقدّر بـ300 ألف هكتار في ولايات الكاف وسليانة والقصرين (شمال غرب تونس).

ويتكبّد منتجوها مشقّة كبرى في تسلّق الأشجار والتعرّض للمخاطر في قصّ المخاريط الحاملة للحبوب وتجميعها واستخراج ثمارها.

وتعتبر ولاية سليانة أهم مركز إنتاج وتخزين لـ”الزقوقو”، إذ يبلغ إنتاجها حوالي 60 طنا سنويا من حبوب “الزقوقو” التي يتمّ جمعها في هذه الولاية من غابات تمتدّ على مساحة 60 ألف هكتار تنتشر أساسا في مناطق (برقو وكسرى ومكثر وسليانة الجنوبية وبوعرادة وقعفور).

ويضطلع إنتاج مادة الزقوقو أو ثمار الصنوبر الحلبي بدور اقتصادي واجتماعي كبير، إذ يمثّل مورد رزق لآلاف العائلات بشكل مباشر وغير مباشر.

ويمكن جني 3 كغ من حبات الزقزقو من 100 كغ من مخاريط الصنوبر الحلبي.

أسباب غلاء مادة الزقوقو

وأرجعت مصادر من الإدارة الجهوية للغابات ومن المختصين في المجال، ارتفاع أسعار بذور الصنوبر الحلبي “الزقزقو” التي تضاعفت في ظرف سنة، إلى تدخّل الوسطاء وتراجع مساحات الصنوبر الحلبي المستغلة خلال الموسم الحالي، إضافة إلى ضعف إنتاج شجرة الزقزقو بعد سنوات متتالية من الجفاف.

وتقول المصادر ذاتها إنّ مساحات الزقوقو المستغلة خلال السنة الجارية، تراجعت بنسبة تقارب الـ40% مقارنة بالسنة الماضية، حيث بلغت 950 هكتارا مقارنة بـ1535 هكتارا، كما تراجع إنتاج شجرة الصنوبر الحلبي بدورها إلى النصف نتيجة الجفاف المسجل خلال السنوات المنقضية.

فيما اعتبر الرئيس السابق لإدارة الغابات حسين الرقيقي أنّ ارتفاع أسعار مادة الزقوقو يعود إلى تحكمّ الوسطاء في السوق بعد تخزينهم هذه المادة وبيعها بمناسبة المولد النبوى الشريف، وأشار إلى أنّ أغلب المنتجين، باعوا إنتاجهم خلال أفريل المنقضي بأسعار لا تتجاوز الـ25 دينارا لضعف إمكانياتهم المادية.