أثارت الوقفة الاحتجاجية الحاشدة التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة يوم أمس السبت 18 سبتمبر/أيلول، ردود فعل واسعة على منصات التواصل الاجتماعي في تونس، فضلا عن التعليقات الواسعة من وسائل الإعلام العربية والدولية.
التحرك الجماهيري بشارع بورقيبة برمزيته الثورية والسياسية، الذي ندد بـ”الانقلاب” وطالب بعودة الشرعية الدستورية، يعد الأول من نوعه منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية من جانب الرئيس قيس سعيد، وما تبعها من قرارات في الخامس والعشرين من جويلية/يوليو الماضي.
عودة الروح للشارع
هتافات الجماهير الداعية للعودة إلى المسار الديمقراطي وإنهاء الإجراءات غير الدستورية ورفض مساعي تعديل الدستور، مثّلت بحسب مدونين إعلانا عن “عودة الروح” إلى الشارع الرمز، الذي استعاد نبض الجماهير المدافعة عن الحريات والثورة بعد أسابيع من الجمود والترقّب، كما أنه وضع حدا لفكرة “الإجماع الشعبي المطلق”، حول الرئيس قيس سعيّد وتصريحاته التي أصبحت تحتكر الحديث باسم كامل التونسيين، دون الأخذ بعين الاعتبار للموقف المعارضة له.
وكتب مخلص المرزوقي على صفحته في فيسبوك: “انتفاضة الكرامة أثبتت اليوم أن الشعب أو جزءا وافرا منه لا يقبل ولن يقبل أبدًا بالانقلاب، وتبعا لذلك فلا يجوز للانقلابي مستقبلا أن يتكلم باسم الشعب ويدوس مجددا على كرامته لا خيار آخر إلا الديمقراطية، يسقط الانقلاب وتحيا تونس”.
واعتبر الصحفي عائد عميرة في تعليقه، أن المظاهرة أمام المسرح البلدي بينت بأن “لا أحد له حق الحديث باسم الشعب، فالشعب فئات واختيارات كثيرة، لا يمكن لأحد أن يختزلها وفق مفهومه ورؤيته الضيقة، ويحتكر الحديث باسمها”.
الإعلامي نبيل الريحاني وصف في تدوينة التحرك الحاشد بشارع بورقيبة بـ”حراك 18 سبتمبر/أيلول”، الذي يجسّد شعار “لا حل خارج الحرية والديمقراطية” بحسب المشاركين في الوقفة.
إنهاء احتكار الإرادة الشعبية
من جانبه أشار الأكاديمي سامي براهم إلى أن التحرك الشعبي بشارع بورقيبة بعث رسائل أبرزها “وضع حدّ لاحتكار النطق باسم الشّعب، وسرديّة نبض الشّعب والشرعيّة الشعبيّة التي وقع توظيفها لإضفاء مشروعيّة زائفة على الانقلاب على دستور البلد والمنظومة الدّيمقراطيّة، حتّى إن بعض بهلوانات القانون أصبحوا يتحدّثون عن تفويض شعبي”.
أما المدوّن مهدي ثابت فقد شبّه التحرّك الحاشد بانتصار بالنقاط على “الانقلاب”، مضيفا “الديمقراطية ما تزال تنتصر بالنقاط في انتظار الضربة القاضية ولا عزاء للانقلابين”.
زهير إسماعيل رأى أن الحدث كان استردادا لأنفاس الديمقراطية في الشارع وقدرتها على المبادرة، مبيّنا في منشوره على فيسبوك أهمية قيادة الشباب للوقفة “والذين تشرّبوا نسائم الحرية والوفاء للثورة والشهداء وصار لهم القدرة على تمثّل الشعارات الأثيرة وتحيينها فكان شعار: دستور، حريّة، كرامة وطنية”.
وأضاف زهير: “كانت شعارات الوقفة قاسية على الانقلاب وروافده، تلخّص موقفا جذريا من كل محاولة لاختطاف الدولة وامتهانها وشطب المسار الديمقراطي”.
إسقاط نظرية التفويض الشعبي
الحضور الحاشد في الوقفة والشعارات المناهضة “للانقلاب على الدستور والمسار الديمقراطي”، ودلالاته السياسية والشعبية كانت محل اهتمام وتعليق عدد من وسائل الإعلام العربية والعالمية، التي رأت أن الاحتجاجات ضد الرئيس أسقطت نظرية التفويض الشعبي المطلق لقيس سعيّد التي يروّج لها أنصاره، كما أكدت أن الأصوات والمواقف المعارضة له تحظى بدعم شعبي هام، فضلا عن تزامنها مع زيادة المخاوف على مستقبل المسار الديمقراطي في البلاد.
ووصفت الجزيرة التحرك الشعبي بأنه “نقطة تحوّل فارقة”، محمّلا بدلالات ورسائل داخلية وخارجية، أهمها وجود معارضة قوية ترفض “الانقلاب على الدستور”.
وفي قراءتها لأبعاد التحرك ذهبت صحيفة العربي الجديد إلى أنه “إشارة مهمة في موقف التونسيين من التطورات الحاصلة في بلادهم، حيث بدأ الرفض لخيارات سعيّد يعبّر عن نفسه بوضوح وفي الشارع، ليكسر مقولة حصرية الدعم الشعبي المطلق للرئيس سعيّد”.
وأشارت روسيا اليوم إلى أن الوقفة الاحتجاجية بشارع بورقيبة تكشف انقسام الشارع التونسي بين معارضين لسياسات سعيّد ومؤيدين له، وهو الأمر الذي ستكون له انعكاساته على الأزمة الراهنة في الفترة القادمة.