وسط دعوات دولية إلى التهدئة.. هل تمثل اتفاقية نهر السند شرارة المواجهة العسكرية بين نيودلهي وإسلام أباد؟
منذ الحرب الهندية الباكستانية التي اندلعت عام 1971، وما أفرزته من تحولات إقليمية وداخلية على صعيد توازن القوى، لم يشهد العالم تصعيدا أشد خطورة بين الجارين اللدودين من الأزمة الراهنة والتي تهدّد باندلاع مواجهة عسكرية بين قوتين نوويتين.
ووسط أجواء من التأزيم الدبلوماسي والسياسي بين الجانبين، والاتهامات المتبادلة، والتصريحات المغلفة بمنطق التهديد والوعيد بين نيودلهي وإسلام أباد، تتزايد مخاوف دول الجوار والعواصم الإقليمية من شرارة الطلقة الأولى التي قد تشعل فتيل حرب مفتوحة سيمتد لهيبها ودخانها إلى كامل المنطقة.
أهم الأخبار الآن:
صراع تاريخي منذ التقسيم
لا تشكّل الأزمة الراهنة مطبا عابرا في العلاقات الهندية الباكستانية، بقدر ما تعدّ استمرارا لإرث طويل من الصراع والعداوة التاريخية المريرة، التي تعود جذورها إلى انفصال باكستان عن شبه القارة الهندية سنة 1947، عقب انتهاء حقبة الاستعمار البريطاني.
زرعت النزعة الاستقلالية التي قادها محمد علي جناح، لتأسيس وطن قومي للمسلمين، أسس العداء والقطيعة والكراهية والتوترات الدينية والإثنية مع الأغلبية الهندوسية في الهند، والتي تجسدت أولى ملامحها في العنف الطائفي التي رافقت موجات الهجرات والنزوح الجماعية بين المناطق والأقاليم بعد قرار التقسيم.
كشمير.. عنوان السلم والحرب
لكن التوتر السياسي المترسخ بين الجارين، والذي يصب مزيدا من البنزين على حريق الأزمة الراهنة، لا تنحصر ملامحه في العداء التاريخي والتوترات الدينية، إذ يرتبط كذلك بصراع الجغرافيا والحدود العالق منذ حقبة التقسيم على إقليم كشمير، ذي الأغلبية المسلمة، والذي تسيطر الهند على أكثر من نصف مساحته.
تحول الإقليم الذي تتجاوز مساحته 242 ألف كلم مربع، والمتنازع عليه منذ 1947 إلى بركان يحمل نذر الانفجار بين الدولتين طوال عقود.
تحت رماد الهدوء الظاهري في كشمير، كان لهيب القلاقل الطائفية، والعسكرية يتفاقم ويتراكم، خاصة في الشطر الهندي من الإقليم، حيث تجاهر أغلبية سكانه من المسلمين برفض الخضوع لحكم نيودلهي.
نزعة انفصالية تغذّيها عدد من الجماعات المسلحة أبرزها “جيش محمد”، والذي تتمحور عملياته في استهداف المصالح العسكرية والحكومية الهندية في الإقليم.
كيف تفجرت الأحداث؟
الأزمة الأخيرة تفجرت في أعقاب هجوم دموي في “بيهالغام”، في الشطر الهندي من الإقليم المتنازع عليه، أودى بحياة 26 شخصا من السياح الهندوس، ما فجّر موجة التصعيد المتبادل، وأعاد تسليط الضوء على الخلاف السياسي والدبلوماسي حول الجغرافيا والحدود بين الجارين.
مباشرة اتهمت الهند جارتها الشرقية بدعم “الإرهاب عبر الحدود”، قبل أن تبدأ سلسلة من الإجراءات التصعيدية المتبادلة، شملت إغلاق الحدود والمجال الجوي، ووقف منح التأشيرات، التي كانت بمثابة “كرة الثلج المتدحرجة”، والتي تضخم حجمها مع إمهال نيودلهي الباكستانيين المقيمين على أراضيها إلى غاية 29 أفريل لمغادرتها، لترد إسلام أباد بطرد عدد من الدبلوماسيين الهنود لديها.
نهر السند.. منعطف حاسم إلى الحرب؟
على وقع اشتباكات عسكرية محدودة في الأيام الماضية، تبادل مسؤولو البلدين القذائف الكلامية والتصريحات النارية والتهديدات، والتي بلغت ذروتها بعد إعلان الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقّعة عام 1960 مع باكستان، والذي شكّل خطوة غير مسبوقة في مسار التوتر بين الطرفين، كما أنه قد يشكل المنعطف الحاسم للأزمة نحو “العسكرة المطلقة”.
ويحذّر متابعون ومحلّلون سياسيون، من تحريك الأزمة الراهنة رغبة كامنة في أوساط النخب السياسية والشعبية في باكستان، للثأر من الهزيمة التي تعرّضوا لها خلال المواجهة العسكرية مع الهند مطلع السبعينات، والتي كانت تداعياتها الداخلية شديدة الوقع، إذ دشّنت مرحلة طويلة من الانقلابات العسكرية على السلطة، فضلا عن إشعال فتيل انفصال “إقليم البنغال”، بنغلاديش عن البر الرئيسي لباكستان.
وكانت إسلام أباد قد حذرت من تبعات الخطوة الهندية، والتي ستكون بمثابة “إعلان حرب صريح”، بالنظر إلى حساسية نهر السند، وأهميته الإستراتيجية والحيوية بالنسبة إلى البلدين.
وتشكّل معاهدة مياه نهر السند، المبرمة عام 1960، “استثناء نادرا” للتعاون بين الهند وباكستان رغم العداء التاريخي، حيث صمدت الاتفاقية، على الرغم من النزاعات السياسية والعسكرية، طوال العقود الماضية.
وبينما يستبعد عديد الخبراء قدرة الهند على تنفيذ وعيدها بوقف تدفق المياه إلى الجانب الباكستاني من النهر بشكل فوري، لأسباب لوجستية وضعف البنية التحتية، تتصاعد دعوات التهدئة وعروض الوساطة من الأمم المتحدة، وعديد العواصم الدولية.
دعوات للتهدئة والوساطة
وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في هذا الإطار، عن ثقته في أنّ البلدين “سيجدان حلّا بطريقة أو بأخرى”، مؤكدا أنه قريب جدا من كل من الهند وباكستان ورئيسيهما.
أما روسيا فقد حثّت على لسان أندريه رودينكو نائب وزير الخارجية الروسي، على حل الخلافات بين الهند وباكستان بطرق سلمية.
وناشدت موسكو كلا الطرفين لضبط النفس والحوار البناء بهدف حلّ الخلاف سلميّا.
من جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنّ “بلاده تريد أن ينخفض التوتر المتصاعد بين باكستان والهند في أقرب وقت ممكن قبل أن يبلغ أبعادا أشد خطورة”.
وفي طهران علّق قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تغريدة على موقع إكس، معلنا استعداد بلاده للتوسط في حلّ النزاع.
وفي نيويورك دعا ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الهند وباكستان إلى حلّ سلمي وممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
وأضاف: “نحض الحكومتين على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وضمان عدم تدهور الوضع”.
أضف تعليقا