“تخفّف من عبء الأيديولوجيا”.. ناشط سياسي يعتبر أنّ الجيل الجديد أمام فرصة تاريخيّة لتصدّر المشهد السياسي في تونس
شهدت الساحة التونسيّة بعد الانتخابات الرئاسيّة نوعا من الركود السياسي، حتّمه الضغط الاقتصادي الذي وجّه اهتمام قطاعا كبيرا من الشعب التونسي نحو الشأن اليومي ومواجهة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة.
هذا الركود كان من أبرز سماته غياب شريحة الشباب التي طالما كانت محرّكا للأحداث ووقودا للحراك الاجتماعي والسياسي في البلاد. حتّى وصفه البعض بأنه استقالة من الشأن العام.
في هذا السياق، اعتبر القيادي بحزب العمل والإنجاز أحمد النفاتي أنّ مرحلة الركود السياسي بعد كل انتخابات مسألة طبيعيّة وتحدث في أعتى الديمقراطيات في العالم، مشيرا إلى أنّ السياق الطبيعي يفرض انشغال الفائز بترتيب أموره في الحكم واهتمام الخاسر برسم خطّة عمله القادمة.
ولفت إلى أنّ السياق في تونس كان خارجا عن الطبيعي بسبب الخروقات والتجاوزات التي شابت الانتخابات الرئاسيّة الماضية.
وبيّن النفاتي في تصريح لبوّابة تونس أنّ الطبقة السياسيّة قبل الانتخابات انقسمت ما بين مشارك وما بين معارض ولم يكن هناك صراع حول البرامج ولم يكن هناك صراع وتدافع انتخابي، وهو ما جعل الشباب يغيب عن المشهد ولم يكن له دور يذكر في المحطّة الانتخابيّة الماضية، وفق تقديره.
واعتبر النفاتي أنّ جلّ الأحزاب لم يكن لها مرشّحون بسبب أنّ المشهد السياسي في تونس يشهد إعادة تشكّل.
وبيّن أنه في 2014 و2019 كانت هناك أحزاب كبرى وكان لها مرشّحون، ما جعل من الاستحقاق الانتخابي مناسبة للتنافس بين البرامج وخلق حركيّة سياسيّة في البلاد كان للشباب دور فيها.
وتابع: “ولكن في 2024 لم يكن للأحزاب والأجسام السياسيّة الكبرى مرشّحون فقط كان هناك حزب العمل والإنجاز الذي يعتبر حزبا معارضا ومرشّحه عبد اللطيف المكّي، والذي تمسّكت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بإسقاط ترشّحه رغم إنصافه من قبل المحكمة الإدارية والحكم لصالحه وبسلامة ملفه، بالإضافة إلى مرشّح حركة الشعب وهو حزب موال للسلطة ومع مسار 25 جويلية”.
وأضاف: “بالتالي الشباب لم يجد المجال الذي يشجّعه على لعب دور في هذه المحطّة السياسيّة ولعل نسبة الـ6٪ مشاركة في فئة الشباب خير مؤشر على استقالة الشباب من الشأن السياسي”.
وحول إن كان بالإمكان اعتبار استقالة الشباب من المشاركة في الحياة السياسيّة تسليما بالأمر الواقع واستسلاما لما يصفه الكثيرون “موت السياسة”، بيّن النفاتي أنه لا يمكن اعتبار تراجع دور الشباب تسليما بالأمر الواقع بقدر ما هو تشوّف إلى مشهد جديد ينخرط فيه باعتبار الحالة الانتقاليّة التي تمرّ بها البلاد.
أقرّ النفاتي بأن مشهدا سياسيا جديدا بصدد التشكّل في تونس، لكنه أكّد أنّ الشباب لم يجد حتى الآن جهة تمثّله أو تعبّر عن أفكاره وتطلعاته.
وأشار إلى أنه في العشرية الماضية، ورغم أنّ الأحزاب تنافست بشدة وقدّمت رافعات حزبية فتحت أبوابا للشباب للتعبير عن مشاغلهم، إلّا أنّ هذه الحقبة لم تكن خالية من الإحباط والاستياء، حيث شعر الشباب بالخيبة بسبب حالة التنافر والتعارف الدائمة بين الطبقة السياسية.
ومع ذلك، شهدت انتخابات 2019 مشاركة فعالة من الشباب ساهمت في تغيير المشهد السياسي حينها، إلّا أنّ الإحباط المتزايد في ضل وضعية اقتصادية خانقة وغياب الخيارات المتعددة في الانتخابات الأخيرة حال دون مشاركتهم فيها، ما عزّز شعورهم بالعزلة عن العملية السياسية.
واستبعد النفاتي أن تستمر حالة الغياب في صفوف الشباب، مشيرا إلى أنّ الطبيعة ترفض الفراغ، ومضيفا أنه من غير المنصف إلقاء اللوم على الشباب فقط في ظل معاناتهم من تداعيات الأزمة الاقتصادية وانشغالهم بإيجاد حلول لمشاكلهم اليومية خاصة في ضل ارتفاع نسبة البطالة.
وأكّد أنّ جلّ حركات التغيير في العالم يقودها الشباب، إذ إنّ هذه الحركات غالبا ما تكون فجائية وغير متوقعة، لكنه أوضح أيضا أنّ الشباب التونسي يعاني حاليا من إحباط عميق، وهو ما ظهر جليا في المحطة الانتخابية الأخيرة التي أكّدت غياب برامج تهتم بهم وتعبيرات سياسية تمثّلهم وتدفعهم للمشاركة الفاعلة في الشأن العام.
وأشار القيادي بحزب العمل والإنجاز إلى وجود محاولات للخلاص الفردي، فمحاولات مغادرة البلاد لم تعد تقتصر على الشباب العاطل الباحث عن فرص لتحسين وضعه الاقتصادي وراء البحار عبر الهجرة غير النظاميّة، ولكن أيضا في الأطبّاء والمهندسين والكفاءات التي أصبحت تغادر البلاد ولا تفكّر في الرجوع.
شدّد أحمد النفاتي على أنّ ذلك لا يعني أنّ المسألة قد حُسمت، موضّحا أنّ كل حركات التغيير يقودها الشباب، الذين من المتوقع أن يتحرّكوا في الفترة المقبلة للقيام بدورهم المعتاد. وقد ينطلق هذا التحرك من خلال حراك طلابي أو بأيّ شكل آخر يساهم في تجديد الديناميكية السياسية والاجتماعية في البلاد.
واعتبر النفاتي أنّ هذا يشكّل رسالة قوية موجهة إلى الأجسام السياسية والسياسيين، تدعوهم إلى تقديم عروض سياسية تشجع الشباب على الانخراط الفعّال في الشأن العام، بما يسهم في تعزيز مشاركتهم في عملية التغيير وبناء المستقبل.
واشترط النفاتي أنّ إحداث تغيير في البلاد يمرّ ضرورة عبر انخراط الشباب في الشأن العام وإيمانه بأن ذلك هو الخيار الوحيد لإحداث التغيير المأمول.
وقال: “الجيل الجديد اليوم يتمتّع بميزة مهمّة وهي أنه متخفف من الأيديولوجيا ومن صراعات الماضي وليست لديه معارك قديمة، وهو قادر على البناء بتعاون مختلف المشارب والأطياف”.