النزعات القبلية في تونس…هشاشة مفهوم المواطنة ومعضلة ملكية الأراضي
tunigate post cover
تونس

النزعات القبلية في تونس…هشاشة مفهوم المواطنة ومعضلة ملكية الأراضي

2020-12-16 20:43

وجدي بن مسعود

فجأة وبلا مقدمات خرج مارد الفتنة العشائرية من القمقم مجددًا، بعد أن خيل للبعض أن مثل هذه الفتن قد ولت ووُئدت مع الأعراض الجانبية التي شهدتها البلاد بعيد الثورة.

المواجهات القبلية الدامية التي شهدتها منطقة “العين السخونة”جنوب تونس بين سكان منطقتي دوز وبني خداش الأسبوع الماضي، أثبتت أن التعصب القبلي ما يزال يخيم على ربوع الجنوب كلما ضعفت سلطة الدولة، واحتدت الأزمات السياسية والاقتصادية.

أحداث العين السخونة أعادت للأذهان حوادث سابقة، لعل أخطرها وأشدها دموية، تلك التي شهدها الحوض المنجمي سنة 2011، فيما عرف بنزاع “أولاد يحي” و”الجريدية”، والذي خلف 13 قتيلًا ومئات الجرحى.

الأحداث الأخيرة أعادت إلى الواجهة، تساؤلات عميقة عن أبعاد المسألة القبلية والعشائرية في تونس، والتي ما تزال محددة للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وعاملًا مؤثرًا حتى على المستوى السياسي بعدد من مناطق البلاد.

فشل سياسات الإدماج

لم تنجح دولة الاستقلال في تفكيك الرابطة العشائرية ووصايتها، وتكريس مفهوم الدولة المدنية اعتمادًا على إطار وطني جامع لكل التونسيين بلا تمييز، ما أدى إلى استمرار منطق الولاء للقبيلة والجماعة في التمثل في الذهنيات.

رئيس الجمهورية قيس سعيد أقر خلال زيارته إلى منطقة “العين السخونة”، بما أسماها “الترسبات التاريخية” التي لم يقع تجاوزها، بسبب فشل الدولة في تحقيق الاندماج بين كافة مواطنيها، توظيفها خلال العهد السابق للنعرات العشائرية والقبلية لخدمة أجندات سياسية، ما تسبب في تصاعد المشاحنات والتوترات العشائرية.

تشخيص رئيس الجمهورية لأبعاد القضية، جاء مطابقا لقراءة عديد الخبراء، والمختصين في علم الاجتماع والسياسة لحقائق الظاهرة، والراجعة وفق توصيف عدد منهم إلى إخفاق سياسة دمج التونسيين للاقتناع بمفهوم المواطنة منذ الاستقلال، و تجاوز أي انتماءات دون الدولة.

عملية “فوقية”

وفي حوار مع “بوابة تونس” اعتبر الباحث وأستاذ علم الاجتماع ممدوح عز الدين، أن عملية الإدماج التي باشرها النظام التونسي غداة الاستقلال بإشراف الزعيم بورقيبة، لمحاربة “العروشية” كانت “عملية فوقية” ما أسبغ على تعميم مبدأ المواطنة بعدًا سلطويًا، يضاف إلى محدودية مستوى الوعي والتعليم في تلك المرحلة، ما جعل أثرها محدودًا لا عميقًا في تغيير العقليات وترسيخ قيمة الانتماء للوطن.

العامل التاريخي المرتبط بضعف مفهوم المواطنة مقابل النزعة القبلية، والالتزامات التي تترتب عنها على مستوى العلاقات والولاءات، تضاف إليها عوامل جغرافية تتعلق بطبيعة المناطق ذاتها التي تشهد هيمنة الثقافة العشائرية، وهي في الأغلب “الجهات الداخلية والبعيدة عن المركز والمدن الكبرى والساحل”، بحسب محدثنا ما جعلها تاريخياً موطنًا لحركات التمرد والانتفاضات على السلطة.

“هذه المجتمعات المحلية كانت تعاني تاريخيًا من عقدة التهميش من قبل السلطة والتفقير والإقصاء، وبالتالي كان الملجأ الوحيد للدفاع عن نفسها، وإبراز قدرتها على التنظيم هو اللجوء إلى الهوية المحلية والعشائرية، لتعويض دور الدولة في الإدماج والحماية”.

ويحلل عز الدين على ضوء قراءته الأحداث الأخيرة، بكونها “تحركات يدفعها الإحساس الكامن في اللاوعي الجمعي لأبناء هذه المناطق، بالضيم والمظلومية، وطلب الاعتراف من الدولة المركزية، وهو ما يتسبب في رد فعل عنيف وحاد ضد مناطق مشابهة لها تحظى بفرص تفوقها في التنمية”.

إرث قانوني مفخخ

تشخيص معالم المشكلة القبلية والعشائرية، لا يرتبط بمسألة الوعي الجمعي والانتماء للدولة وقضية الإدماج فحسب، ذلك أنها ترتبط أيضًا بإرث قانوني مفخخ وشائك وبالغ التعقيد، يتعلق بملف الأراضي الاشتراكية، وهي الملكيات الكبرى التي قامت الدولة عقب الاستقلال بمصادرتها من المعمرين الفرنسيين، رغم أن ملكيتها في الأصل ترجع إلى القبائل والعروش، والتي لا تزال تمتلك مئات الوثائق والسندات التي تثبت ملكياتها لمساحات شاسعة يرجع تاريخها إلى ما قبل الاحتلال الفرنسي وهو الأمر الذي يؤجج النزاعات والصراعات بين العشائر و الجماعات حول ملكية مساحات من الأرض.

وبخصوص هذه النقطة، يشير الباحث ممدوح عز الدين، إى أن إدارة بورقيبة لملف الأراضي الاشتراكية، تسبب في تفخيخ الملف على المستوى القانوني، نتيجة تدخل العوامل الشخصية والسياسية، وهو ما تجلى من خلال توزيع مساحات كبرى من الأراضي المصادرة على الموالين له أو لصالح قيادات بالحزب الحاكم، إلى جانب الأخطاء التي شابت سياسة التعاضد الفلاحي، والتي أضرت بصغار مالكي الأراضي على حساب المتحوزين لملكيات كبرى.

النزعات القبلية في تونس#

عناوين أخرى