صابر بن عامر
تشهد تونس مع بداية الأول من أكتوبر وحتى نهاية جوان من كل عام، ما اصطلح على تسميته بالموسم الثقافي الشتوي، يليه انطلاقا من الأول من جويلية وحتى نهاية أوت من كل عام الموسم الثقافي الصيفي، أو بعبارة أدقّ موسم المهرجانات الصيفية.
فهل يستقيم مفهوم الموسم على غرار الموسم الرياضي، والموسم الدراسي، والموسم الفلاحي.. على الفعل الثقافي؟ أم أنّه فعل دائم وممتدّ لا يخضع للتقسيم الإداري الذي يحصره في زمن محدّد له بداية ونهاية؟
فوزية المزي: ملفات الدعم أشبه بـ”المقاولات”
بوابة تونس طرحت سؤال: هل يستقيم تحديد الثقافة بموسم؟ على مجموعة من المثقفين التونسيين، فتباينت أراؤهم بين مثمّن للطرح ومعارض له.
وفي تعريفها لمفهوم الموسم الثقافي، تقول الناقدة الفنية والصحفية فوزية المزي: “الموسم الثقافي، هو مصطلح موسمي إجرائي وإداري اقترن بالتخطيط وميزانية الدولة، ففي فترة سابقة -عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة- كان يعتمد التخطيط الخماسي للموسم الثقافي”.
ومن هناك، تستطرد المزي: “أصبحت الثقافة -وإلى يومنا هذا- تتّخذ بعدا ترفيهيا استهلاكيا”، مستثنية في ذلك مهرجان الحمامات الدولي الذي حافظ على التزامه بالفكر التجريبي الحديث والإبداعي، وهو الذي ترعرع في صلب المركز الثقافي الدولي بالحمامات المهد الأول للمهرجان، وفق تقديرها.
وتُشير المزي إلى أنّ المقلق في الموسم الثقافي أنّ التقسيم الإداري انعكس على وتيرة توزيع الدعم للأعمال الثقافية، فارتبط النشاط والتوزيع الفني بشكل ما، سواء كان عملا مسرحيا أو أدبيا أو سينمائيا، بالمناخ الإداري وخلفياته وإكراهاته، من بيروقراطية ومشكلات إدارية وأخرى لوجيستية، فأصبح بذلك الفعل الثقافي مفرغ من محتواه الفكري والفني الجاد.
وشبّهت الملفات المطروحة على لجنة الدعم في السنوات الأخيرة في المسرح والسينما والأدب والموسيقى بملفات “المقاولات”، على حد توصيفها.
وفي ذلك تقول: “هي ليست ملفات عمل فني ثقافي، حيث أنّ الدولة بقيت الداعم الوحيد للأعمال الثقافية، وحيث أنّ الجمهور أو المواطن التونسي لم يتمتّع بتربية ثقافية جادة منذ نعومة أظافره، فبات من المستحيل التأسيس لمواطن واع ومثقف يُغرم بالسينما مثلا أو المسرح، فيدفع ثمن تذكرته لحضور العروض، ويساهم في الفعل الثقافي، وفي مساعدة الفنان على تغطية المصاريف ومتطلبات عمله وإنتاجه المسرحي أو السينمائي أو الفني بشكل شامل”.
واستشهدت المزي بأنّ أقل عرض مسرحي بات “يتطلّب، حاليا، حوالي مئة ألف دينار، أما الفيلم ففي حدود 2 مليار دينار”، وهو ما اعتبرته “مُكلفا جدا”.
ووفق اعتقادها، فالمدرسة في مفهومها الشامل لم تهيّئ التونسي ليكون متفرّجا صالحا، مبرّرة أنّ التونسي ظلّ ينتظر، دائما دعوة لحضور فيلم أو عرض مسرحي أو حفل موسيقي أو تخفيضات معرض الكتاب ليقتني الكتاب الذي يمكن أن يكون متاحا على امتداد السنة في المكتبات، الأمر الذي يخلق صعوبات في النشر والتوزيع.
يونس الفارحي: “البتّة” الثقافية لا تستقيم مع الفن
بدوره يرى الممثل والسيناريست يونس الفارحي، أنّ مفهوم الموسم الثقافي، لا يستقيم بأيّ شكل من الأشكال مع الفعل الفني، فالفنّ عنده “ممارسة ودربة يومية للفنان وللمتقبل على السواء”.
ويزيد: “الفن هو الحياة، ولا يمكن أن ننقطع على الحياة يوما ما، فمثلا لا يمكن أن يقترن الإبداع الفني بموسم الحصاد، فبالنسبة إلى الفن كل وقت هو مناسب للحصاد، حيث يُمكن أن نبذر ونحصد في يوم واحد”.
ويشدّد الفارحي في تصريحه لبوابة تونس أنّه “لا يُمكن أن يعيش الفنان في سبات شتوي في انتظار زمن الوفرة، فالفن دربة وإنجاز وعمل يومي”.
ويؤكّد الممثل التونسي أنّ مفهوم الموسم الثقافي هي تسمية إدارية مقنّنة ومرتبطة بالدعم المادي الذي من شأنه أن يقلّل ويكبت الفنان”.
فالفنان -عنده- في حالة تجلي يومي، ويلزمه دعم يومي للكتابة والإبداع والخيال، ولا يمكنه انتظار قرار لجنة الدعم، مثلا، حتّى تنظر في منجزه الفني، وكأنه في “بتّة” عمومية.
صابر الهميسي: فعل ممتدّ وإن تغيّرت التسميات
وعلى النقيض من فوزية المزي ويونس الفارحي، أوضح المخرج المسرحي الشاب صابر الهميسي أنّ الموسم الثقافي الذي ينطلق عادة في أكتوبر وإلى حدود نهاية جوان، مرتبط أساسا بدور الثقافة وأنشطتها وتزامنه مع الموسم الدراسي والجامعي.
ليخلفه الموسم الصيفي بداية من جويلية وحتى نهاية أوت من كل عام، وكأنه وقع الفصل، وإن إداريا وإراديا، بين الأنشطة والتظاهرات الثقافية والمهرجانات الصيفية، أو موسم المهرجانات.
وهو في ذلك يرى أنّ الفعل الثقافي التونسي ممتدّ على مدار العام، وإن تغيّرت التسميات من موسم إلى آخر.
زياد الجزيري: فصل بين التظاهرات والمهرجانات
بالتوازي يقول المصوّر الصحفي زياد الجزيري أنه وجب الإشارة إلى فترتين مختلفتين، للحديث عن مصطلح الموسم الثقافي، وهما -وفق وجهة نظره- ما قبل إنشاء مدينة الثقافة وما بعدها.
وفي ذلك يقول: “قبل مدينة الثقافة كانت توجد رزنامة واضحة للمهرجانات والأنشطة الثقافية في تونس بمواعيد محدّدة وواضحة، تضبطها سلطة الإشراف، وهي وزارة الثقافة”.
ويسترسل: “أما بعد تدشين مدينة الثقافة عام 2018، وبعض المشاريع الثقافية في العديد من الولايات الداخلية، أصبح الموسم الثقافي متواصلا وممتدّا على امتداد العام”.
وعلّل طرحه بقوله: “أصبحنا اليوم نشهد ولادة مهرجانات خاصة بشكل متواتر، إما بتمويل ذاتي أو بالشراكة مع مؤسسات الدولة”.
ومع ذلك يرى الجزيري أنّ الثقافة لا تستقيم مع ربطها بموسم محدّد وبتواريخ قارة ومكرّرة.
وفي ذلك يتساءل: “هل هدف الثقافة الارتقاء بالشعب فكريا وذوقيا أو هدفها الربح المادي الخالص؟”.
وفي الحالتين، يُجيب الجزيري عن سؤاله، نجد أنّ الموسم الثقافي في تونس انقسم إلى نصفين، الموسم الكلاسيكي من أكتوبر إلى جوان، وأغلبها تظاهرات ثقافية، إما خاصة أو عامة، فيما تحظر في شهرَيْ جويلية وأوت المهرجانات الصيفية التي غالبا تكون تظاهرات ربحية تجارية، وفق تقديره.