“الموت والفساد والدمار”.. هذا ما جلبه أبناء خليفة حفتر إلى شرق ليبيا

الصورة الأخرى لكارثة درنة القاسية، كانت للجنرال الليبي خليفة حفتر وأبنائه الذين حرصوا على التقاط الصور وهم يتابعون جهود الإغاثة والإنقاذ. لكن الاحتجاج الذي نظمه مئات من أهالي درنة على سوء الأوضاع كان كفيلا بعودة أسلوب القمع الذي اعتادت عليه العائلة لتوطيد حكمها في الشرق الليبي.
مجلة “إيكونوميست” سلطت الضوء على استغلال حفتر، الذي وصفته بـ”أمير الحرب”، وأبنائه الكارثة لمزيد من السيطرة على البلاد.

وقالت في تقرير إن أمير الحرب الليبي خليفة حفتر، سيحاول استخدام الفيضان في ليبيا لتعزيز قوته، خصوصا أن ابنه مسؤول عن لجنة الردّ على الكوارث، في وقت سيتمّ فيه تعليق المحادثات لعقد الانتخابات.
وقالت إن الساسة الذين تعوزهم البراعة يعرفون أن التعاطف مع الناجين وتهدئتهم والثناء على عمال الإغاثة والتعهد بإعادة بناء ما خربته الكارثة، الوسيلة الأفضل.
وبالنسبة إلى الذين يسيطرون على شرق ليبيا، فأي مظهر من مظاهر الكياسة والتعاطف هو كفاح. أحدهم يرتدي زيّا عسكريّا يتجوّل في مدينة مدمرة من خلف عربة همفي وظهر بمظهر القائد القاهر وليس الحاكم النادم، وآخر ألقى اللوم على الضحايا.
تقول الصحيفة: “كانت الاستجابة صماء، وهذا ليس مفاجئا، فخليفة حفتر الذي يسيطر على شرق ليبيا لا يهمه سوى تقوية موقع عائلته، وكارثة كان يمكن منعها هي فرصة لتوطيد سلطته”.
من جانبه نشر موقع فرانس 24 تقريرا جاء فيه أن الرجل القوّي في الشرق الليبي خليفة حفتر نصّب أبناءه الستة في مراكز سياسية وعسكرية استراتيجية. وأعطت الفيضانات التي دمرت مدينة درنة نجله الأصغر، صدام، فرصة البروز على الساحة الداخلية بقيادته عمليات الإغاثة وإدارة الكوارث بالمدينة المنكوبة. لكن بالنسبة إلى الليبيين، تُنذر هذه العملية بمستقبل مثير للقلق والتساؤل.

صدام حفتر

وأشار التقرير إلى تغريدة في موقع “X” (تويتر سابقا) أظهرت صدام حفتر بلباس مموه وهو يفتح الخارطة الجغرافية لليبيا في قاعة تستخدم “مركزا لعمليات الإغاثة” في درنة، رفقة ثلاثة مسؤولين عسكريين روس وصلوا إلى المدينة المنكوبة غداة تعرّضها للفيضانات. وفي التغريدة نفسها ظهر النجل الأصغر للمشير خليفة حفتر وهو يتفقد التطوّرات الأخيرة المتعلقة بعمليات الإنقاذ”.
وغالبا ما يتمّ تداول الأخبار في ليبيا بشأن إمكانية أن يخلف صدام حفتر والده المسن (79 عاما)، والذي يحكم الشرق الليبي منذ حوالي عشر سنوات. ويتزعم الرجل البالغ 32 عاما، كتيبة طارق بن زياد العسكرية. وتتهمه الأمم المتحدة باستيلائه على أموال هائلة من البنك المركزي الليبي، فيما قالت منظمة العفو الدولية إنه ارتكب “بعض المجازر” في الشرق الليبي.
ولا يملك صدام حفتر أي تجربة تذكر في مجال المساعدات الإنسانية أو إدارة الأزمات. رغم ذلك، تم تعيينه رئيسا للجنة إدارة الكوارث بهدف إيجاد حلول للأزمة الإنسانية المفزعة التي يعيشها الشرق الليبي.
وبيّن موقع فرانس 24 أنه مع تدفق المساعدات الإنسانية إلى شرق البلاد في شكل ملايين الدولارات، وجدت الأسرة الدولية ومنظمات الإغاثة نفسها مضطرة إلى فتح برامج إنسانية وطبية تحت رعاية هذا الرجل. ويرى الليبيون في هذا الوضع الجديد مصدرا آخر لليأس بعد الخسائر التي لحقت بمدينة درنة والصدمة الكبرى التي سببتها الفيضانات لدى السكان.

جرائم حرب
ولد صدام حفتر في 1991، أي بعد عام فقط من فرار والده، الذي كان حينها قائدا كبيرا في جيش معمر القذافي، إلى الولايات المتحدة. وترعرع في مدينة بنغازي، فيما ظل والداه بالولايات المتحدة، كما أكد موقع “تقرير إفريقي”.
فحسب الموقع ذاته، “لا نعرف الكثير عن فترة شباب صدام حفتر، سوى أنه لا يملك حتى شهادة ثانوية”. وأضاف: “كان عمره 20 عاما عندما بدأت الانتفاضة ضد نظام القذافي في 2011 والتي عاد بموجبها والده إلى البلاد”.
وبدأت ثروة صدام حفتر تكبر ابتداء من 2014 على ضوء الهجمات التي نفّذها والده ضد مجموعات مسلحة معادية له، ما أدّى إلى وقوع حرب مدنية ثانية في ليبيا مكّنت في نهاية المطاف خليفة حفتر من بسط سيطرته على منطقة الشرق الليبي.
وفي 2016، تم تعيين صدام حفتر زعيما لكتيبة طارق بن زياد، وهي إحدى أقوى الجماعات المسلّحة التي تنشط تحت لواء “الجيش الوطني الليبي”. منذ ذلك الوقت، ارتكب مقاتلو الجماعة المسلحة العديد من الانتهاكات والخروقات في مجال القانون الإنساني الدولي، بعضها يمكن أن يرتقي إلى “جرائم حرب” حسب منظمة العفو الدولية.
كما ظهر أيضا اسم صدام حفتر في 2018 في تقرير دوّنه مختصون في الشؤون الليبية لصالح الأمم المتحدة حيث استولى على فرع للبنك المركزي الليبي في بنغازي في 2017 وقام بـ”تحويل مبالغ مالية هائلة وقطع من الفضة إلى وجهة غير معروفة”.
ووفق التقرير الأممي، فقد تم تحويل “159.700.000 دولار و1.900.000 يورو فضلا عن 5869 عملة فضية”، مشيرا إلى أن “العديد من مسيري البنوك تعرّضوا لضغط رهيب من قبل مسؤولين في الجيش الوطني الليبي، الذين كانوا يريدون الاستفادة من قروض بنكية، ما دفع العديد منهم إلى الهروب إلى الخارج”.

تنافس بين الأولاد لكنهم يدينون بالولاء للوالد
وأصبح تجنب عائلة حفتر في الشرق الليبي إحدى الاستراتيجيات التي تعتمد عليها غالبية سكان هذه المنطقة منذ عشر سنوات على الأقل. ففي نوفمبر 2020، تعرضت الناشطة في مجال حقوق الإنسان حنان البرعصي للقتل في وضح النهار بمدينة بنغازي بعد نشرها رسالة على فيسبوك قالت فيها إنها ستنشر أدلّة تثبت تورّط صدام حفتر في عمليات فساد، وفق العفو الدولية.
ويستمد صدام حفتر قوته من والده الذي يعتبر أحد اللاعبين الأساسيين في ليبيا بفضل علاقاته المتشعبة مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة ومصر. لكن هذا لم يمنع ظهور منافسة شرسة بين أولاده الستة، حسب بعض المصادر.
كان صدام حفتر على رأس الكتيبة رقم 106 التابعة للجيش الوطني الليبي المكلفة بحراسة والده خليفة حفتر. لكن تمت تنحيته من هذا المنصب وتعيين أخيه خالد الذي يملك شهادة جامعية ويُعرف بأنه أكثر حكمة من أشقائه.

الصديق حفتر

إمكانية “تهريب” المساعدات الإنسانية
وفي 11 سبتمبر 2023، عقب العاصفة “دانيال” التي ضربت درنة، أعلن نجل آخر لخليفة حفتر وهو الصديق حفتر خلال وجوده بباريس، أنه مهتم بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الليبية المقبلة. كما عبر في مقابلة أجراها مع قناة تلفزيونية بلجيكية عن امتنانه لوالده، مشيرا إلى أن “الجيش الوطني الليبي أصدر تحذيرا للمواطنين في درنة قبل وقوع العاصفة” داعيا جميع السكان “إلى إخلاء المنطقة”.
وفي أعقاب الكارثة التي ضربت مدينة درنة، حذر ليبيون من الداخل والخارج من إمكانية وقوع تهريب “للمساعدات الإنسانية” التي وصلت من الخارج، معبرين عن خوفهم من انتشار “الفساد” وفق طارق مغرسي، السياسي البارز في مكتب العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي.
وقال مغرسي: “غداة وقوع العاصفة، شهدنا عجزا في المساعدات وعدم كفاءة المسؤولين في التعامل مع الفيضانات، ما أدى في اليوم الثالث إلى إعلان درنة منطقة عسكرية تم نشر مدرعات عسكرية فيها ونقاط تفتيش عديدة”.
كما فرض الجيش الوطني الليبي قيودا صارمة على وسائل الإعلام حسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، فيما تم منع الصحفيين الليبيين الذين ينتقدون حفتر وعائلته من تغطية الفيضانات.
وتابعت المنظمة: “في شرق ليبيا، المراسلون يعملون تحت مراقبة حفتر ولا يمكن لأي وسيلة إعلامية أن تنتقده”. وأردفت: “حتى وسائل الإعلام التي تمكنت من دخول مدينة درنة واجهت صعوبات كبيرة في العمل ميدانيا”.
والثلاثاء الماضي، دعي جميع الصحفيين إلى مغادرة مدينة درنة وذلك غداة الوقفة الاحتجاجية التي نظمت أمام مسجد الصحابة. فيما تم قطع الإنترنت والاتصالات الهاتفية ومنع منظمة إنسانية تابعة للأمم المتحدة من دخول المدينة لتقديم المساعدات.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *