الصحفي: لطفي النايب
جولة صغيرة في شوارع تونس العاصمة الضيقة كفيلةُ بأن تلفت انتباهك إلى ظاهرة انتشار المشرّدين فاقدي المأوى القار. يوصف التشرّد بأنه التحوّل من العيش في فضاء البيت مع العائلة إلى العيش في الشارع، المشرد مجبر على حمل هذا اللقب في أغلب الحالات.
ظاهرة التشرد تتزايد أرقامها في تونس مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والتحولات الاجتماعية. كم من مشّرد في تونس اليوم؟ وماذا قدمت الدولة لمعالجة الموضوع؟
كبار السن لا مكان لهم في الأسرة
نبذتهم أسرهم ورفضتهم مراكز رعاية المسنين فوجدوا أنفسهم في الشوارع يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في برد الشتاء وحر الصيف. أكثر من 3000 آلاف مشرّد في تونس من بينهم 500 في إقليم تونس الكبرى أي تونس العاصمة وأريانة ومنوبة وبن عروس، وفق أرقام أحصتها جمعية ” دار تونس ” المختصة في رعاية المشردين أواخر سنة 2014.
بعض المسنين نبذتهم عائلاتهم ولم يعد لهم مكان في الأسرة بعد خروج الزوجين إلى العمل. اتخذوا من محطات وسائل النقل وواجهات المحلات التجارية والساحات العمومية مكاناً للإقامة.
لا مصدر رزق لهم ولا رعاية صحية، بعضهم لا يذكر ماضيه ولا هويته ولا يريد الحديث عن سبب وضعه المزري، ينتظرون “أصحاب الخير” لمدهم بوجبة دافئة أو غطاء يقيهم البرد.
يعتبر رياض فارسي المختص في علم الاجتماع تفشي ظاهرة التشرد في تونس، سببها ضعف طاقة استيعاب دور المسنين وخاصة غياب ثقافة إيواء هذه الفئة في مراكز رعاية، ما يدفعها لمغادرة فضاء العائلة قسراً.
أغلب المشردين في تونس من المسنين يحتلون شوارع المدن ويعانون عدة أمراض ويتعرضون لأبشع أنواع الاعتداء والاستغلال.
تقول روضة السمراني رئيسة جمعية دار تونس، في تصريح لموقع بوابة تونس، “إن المسنين خاصة يتعرّضون للاستغلال الجنسي وهم عرضة لعصابات التجارة بالأعضاء التي تستغل ضعفهم وغياب حمايتهم من الدولة”.
تفكك اجتماعي
يقول رضوان فارسي المختص في علم الاجتماع والناشط بالمجتمع المدني، في تصريح لبوابة تونس، “إن تخلي العائلة عن دورها في لم شمل جميع أفرادها تسبب في استفحال التشرد بعد أن كان محدوداً”.
الانقطاع المبكر عن الدراسة هو سبب رئيسي اليوم لتواجد فاقدي المأوى والسند في الشوارع، ظاهرة نبهت إليها روضة السمراني واعتبرتها خطراً كبيراً على مستقبل المجتمع .
السمراني، قالت « إن التشرد في تونس ظهر بداية التسعينيات لكنه أصبح ظاهرة مخيفة منذ الثورة، عندما انهارت القيم في المجتمع وكثرت المشاكل داخل العائلات إضافة إلى الأزمة الاقتصادية والفقر والبطالة وضعف القدرة الشرائية وخاصة عندما تخلت الدولة عن واجبها. »
تقدر السمراني بأن 30% من المشردين نساء رفضتهن أسرهن والمجتمع وأن أغلب هذه الفئة من كبار السن والأطفال.
الدولة تخلت عن واجبها
يجمع المختصون على “استقالة الدولة من مهامها” في موضوع رعاية المشردين، حيث لا تُخصص فضاءات خاصة بهم ولا يتمتعون بحقوقهم كمواطنين ولم تقدر السلطات على حصر عددهم حتى.
في الأثناء تتولى بعض الجمعيات المدنية وعدد من المتطوّعين إعالةَ المهمشين وفاقدي السند، عن طريق توزيع بعض الوجبات والأغطية والملابس والأدوية في حدود الإمكانيات المتوفّرة خاصة في تونس العاصمة.
تقول رئيسة جمعية دار تونس إن غياب الدولة والقانون سمح لبعض الجمعيات بالمتاجرة بفئة المشردين، فأصبحت مساعدتهم ظاهرة مرتبطة بمناسبات في إطار عمل حملة سياسية لحزب أو تبييض نشاط رجل أعمال أو حملة تبشيرية للدين المسيحي تحت غطاء اجتماعي، مثلما حصل في الآونة الزخيرة مع جمعية يرأسها مصري قبطي.
وأضافت، « عُرضت علينا أموال لاستغلال الوضعية الكارثية للمشردين في تونس والعمل لحساب أحزاب ورجال أعمال وشن حملة ضد الأطراف الحاكمة لتشويهها .
وهنا أكدت محدثتنا على ضرورة التدخل العاجل لحماية الضعفاء في المجتمع.
الحل بيد الدولة
تُحمل روضة السمراني الدولة مسؤؤلية المشردين خاصة وزارات الشؤون الاجتماعية والداخلية والصحة.
وتقول « يجب إعادة الأطفال خاصة إلى عائلاتهم وإدماجهم من جديد في المجتمع وبعث مراكز لإيواء المسنين ورعايتهم لوقايتهم من الجرائم حفظ كرامتهم ».
من جهته، أكد الناشط بالمجتمع المدني رضوان فارسي، أن صمت الدولة وعدم اهتمامها بالأطفال في الشوارع هيأ لبيئةٍ تساعد على تكوين مجرمين وفاسدين ومنحرفين سيهددون أمن الدولة مستقبلاً وفي الأخير سينتهي بهم الأمر في الشوارع مشردين. ودعا الجمعيات المدنية إلى تكثيف جهودها للإحاطة بالمشردين لأنها الضامن الوحيد في الوقت الحالي لإنقاذهم من براثن الاستغلال.