تونس لايف ستايل

المرقوم…سجاد تونسي بربري تأقلم مع الهوية العربية

وجدي بن مسعود

هو مزيج من النسيج التقليدي وفن الرسم على الصوف، يستمد ألوانه الزاهية ونقوشه وزخرفه البديع، من الثقافة الأمازيغية وتراثها الشاهدين على “الرجال الأحرار” (الأمازيغ) في تشكيل لوحات مبهرة مجللة برموز من حضارتهم ونمطهم المعيشي.

يعتبر “المرقوم” من أهم صناعات النسيج التقليدية التي تتفرد بها تونس على  صعيد المنطقة المغاربية، رغم أن الثقافة الأمازيغية المشتركة التي سادت المنطقة، ميزت شعوب شمال إفريقيا بقواسم مشتركة، إلا أن المرقوم التونسي بميزاته التقليدية وخصائصه ارتبط بالجنوب التونسي، جاعلا منه عنوان أصالة وعراقة وامتداداً بين التاريخ والجغرافيا. 

المرقوم سجاد بمقاسات مختلفة، ورغم أنه ينسج من الصوف بشكل كامل إلا انه أخف وزنا وأسهل استعمالا من الزرابي التقليدية الثقيلة، والتي ترسخت صناعتها بمدينة القيروان.

جذور أمازيغية تختلط بهوية عربية
وبحسب الباحثين المختصين في الصناعات التقليدية، فقد توارثت القبائل البربرية التي استوطنت جنوب تونس خاصة بمناطق تطاوين ومدنين وقابس وقفصة حياكة “المرقوم”، حيث اشتهر عنهم استعماله في منازلهم الجبلية على الأرضيات وكذلك لتزيين الجدران والزوايا.

لاحقا وبعد الفتح العربي والإسلامي، شاع استخدامه بين الوافدين الجدد على إفريقية (تونس) لسهولة استعماله في مضاربهم وخيامهم.أضحى “المرقوم” نموذجا للروافد الثقافية والحضارية المتنوعة التي شكلت الخصوصية التونسية، خاصة في جنوب البلاد التي تحتضن مزيجا فريدا من الحضارة العربيةالمسكونة بتمرد البداوة وعشق الصحراء، وجذور الأمازيغ التواقين إلى الحرية.  

أصل التسمية
رغم أنه صناعة أمازيغية خالصة، إلا ان المرقوم يستمد تسميته من جذور عربية فصيحة مشتقة من الفعل العربي رقم، والتي تعني سطّر أو رشم زخرفا، وذلك في إشارة 

إلى الزخارف والأشكال الهندسية التي توشي نسيجه، بعكس المنسوجات التي كان يتخذها العرب الجزيرة العربية والتي كانت تتميز ببساطة تصميمها.

ويرجح المختصون أن تسمية “المرقوم” شاعت خلال فترة توطن قبل بني هلال وبني سليم جنوب تونس، واندماجهم مع سكان المنطقة من القبائل البربرية خلال حقبة الدولة الصنهاجية.

فن المرقوم في عاصمته الأصلية
تعتبر مدينة وذرف بولاية قابس  جنوب شرقي تونس، عاصمة “المرقوم”، حيث تمثل صناعته فنا تتوارثه الأجيال، وضربا من المهارات التي لابد للفتيات من إتقانها والتمكن من فنونها منذ سن مبكرة. 

ويعد امتلاك منسج لحياكة “المرقوم” أو كما يعرف “بالنول والسداية” مسألة بديهية وقطعة ضرورية من الأثاث في بيوت وذرف،  فهو عرف اجتماعي زاد التمسك بالحفاظ عليه في ظل تراجع الإقبال على تعلم صناعته في مناطق أخرى، ما قد يجعل هذه الحرفة التقليدية مهددة بالاندثار.

صناعة “المرقوم” عملية تتطلب صبرا وقوة وجهدا جسديا وذهنيا كبيرين لعدة ساعات في اليوم، وتستغرق عملية حياكة “مرقوم” متوسط الحجم بالطريقة اليدوية التقليدية ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر حسب عدد ساعات العمل اليومية.

وتتطلب حياكة المرقوم كمية كبيرة من الصوف الطبيعي تخضع لعمليات غسل وتليين، ثم تحول إلى خيوط صوفية لاستعمالها في النسيج.

تتنمّ عملية الحياكة عبر تمرير خيوط الصوف والتي يطلق عليها اسم “الطّعمة” خيطاً تلو الآخر بين خيوط المنسج ” باستعمال “المرود”، وضربها “بالخلالة” وهي قطعة خشب أو حديد مدببة الطرف، حتى تلتحم الخيوط مع بعضها بعضا وتكون نسيجا متينا دون فراغات.وتمتزج عملية نسيج للمرقوم بحياكة النقوش المميزة له باستعمال ألوان مختلفة تتنوع بحسب شكل الزخرفة.

تعمل الهيئات المتخصصة في مجال الحرف التقليدية بتونس على تثمين صناعة المرقوم، باعتباره أحد المنتجات السياحية التي تحظى بإقبال واسع، إلى جانب الحفاظ عليها من الاندثار أمام تراجع الإقبال على تعلمها، بتشجيع الحرفيات على بعث مشاريع خاصة.

وتسعى الهيئات الثقافية الوطنية على تسجيل هذه الصناعة ضمن قائمة التراث المادي لليونسكو، مثل مميزات تراثية أمازيغية أخرى آخرها الكسكسي الذي صنف على قائمة التراث العالمي اللامادي.–