بعيدًا عن معارك الحياة الحزبية ومشاكلها، يعتكف الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزقي أول رئيس بعد الثورة، بمنزله بمدينة سوسة.
عزلة اختارها الرجل بعد انسحابه من العمل السياسي، ليبدأ معها مرحلة مراجعة مع الذات، ومع تجربته النضالية والحقوقية ضمن مشروع كتابه الجديد “المراجعات”.
“لم انسحب من الحياة العامة لكني الآن خارج لعبة الصراع على السلطة”، هكذا يصف “الدكتور” كما يناديه أنصاره ومؤيدوه موقعه الجديد، في حوار مع صحيفة القدس العربي الخميس 19 نوفمبر، طرح خلاله قراءته لأبرز المستجدات عربيًا وإقليميًا.
البوليساريو والمشروع المغاربي
برغم اهتمامه بالمشروع المغاربي وإحيائه ضمن تصور جديد سياسي واقتصادي، إلا أن المرزوقي سواء في مرحلة الرئاسة أو بعدها، نادرًا ما تناول القضايا الداخلية لدول المنطقة بالتعليق.
التطورات الأخيرة بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية أخرجت الرئيس التونسي الأسبق من تحفظه، ليحمل “الأطراف الساعية لإجهاض أي مبادرة لإحياء المغرب العربي” مسؤولية الوقوف وراء التوترات الأخيرة، وتحريك جبهة البوليساريو.
المرزوقي ذهب إلى أبعد من التلميح، بالإشارة بشكل مباشر إلى الجزائر، ودورها في دعم الحركة الانفصالية في الصحراء، معتبرًا أن قدوم جيل جديد من القيادات الجزائرية، من شأنه إنهاء هذه السياسات “التي ضيعت أربعين عامًا من الحلم المغاربي”.
يتبنى الرجل مقاربة ترفض التقسيم من خلال الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الذي يحفظ وحدة الكيان المغاربي، مضيفًا “لا يمكن أن نضحي بمستقبل مئة مليون مغاربي لأجل مائتي ألف صحراوي”، بما يسمح حسب تعبيره بوضع أسس كيان مغاربي يضم الصحراويين بنسيجهم الثقافي والاجتماعي، إلى جانب باقي شعوب المنطقة.
غياب قسري
يفسر “الدكتور” غيابه عن وسائل الإعلام المحلية واقتصار حضوره على اللقاءات مع الصحافة الأجنبية، بكونه تغييبا قسريًا متعمدًا، تقف وراءه بعض القوى السياسية التي “تحاول مسحه من الوجود”، وإلغاء دوره التاريخي كأول رئيس بعد الثورة وقع دستور الجمهورية الثانية.
“هناك نوع من الحاجز النفسي بيني وبين الإعلام التونسي الذي لعب دوراً مخرباً وهداماً، وساهم في تشويهي وإسقاطي في الانتخابات وضرب الثورة”، يضيف المرزوقي موضحا أسباب عدم تعامله مع الإعلام المحلي.
الانتخابات الأمريكية وأزمة الرسوم المسيئة
يعلق المرزوقي على نتائج الانتخابات الأمريكية بالقول، إن “بايدن أصلح مليون مرة من ترامب” انطلاقًا من سياسات هذا الأخير، وما عرف عنه طوال سنوات رئاسته من مواقف عنصرية تجاه العرب والمسلمين والأفارقة الأمريكيين.
على صعيد القضية الفلسطينية يرجح المرزوقي أفضلية الديمقراطيين، انطلاقًا من سياساتهم المعتدلة ودعمهم مسار المفاوضات وحل الدولتين، مقارنة بالانحياز غير المسبوق لإسرائيل والذي مارسه ترامب.
“لسنا في حرب مع فرنسا ولكننا في حرب مع اليمين الفرنسي المتطرف”، هكذا يختزل الرجل قراءته لقضية الرسوم المسيئة للرسول، والتي أثارت جدلا في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي.
المرزوقي اعتبر اليمين الفرنسي المستفيد الأبرز من ردود الفعل المتشنجة على خلفية الأزمة، بما يمكنه من ترويج خطاباته التي تعتمد على تغذية المخاوف من الجماعات الإسلامية المتطرفة، الأمر الذي يتطلب عقلنة المواقف وكبح جماح الانفعالات “وعدم الدخول في المناكفات”.
بالمقابل ينتقد المرزوقي غياب موقف رسمي صارم من الحكومات العربية تجاه فرنسا بشأن قضية المس بالمقدسات.
التطبيع والاستسلام
على صعيد التطبيع وانعكاسه على القضية الفلسطينية، يصر المرزوقي على استعمال عبارة استسلام في توصيفه للاتفاقيات التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني، باعتبارها لا تخرج عن كونها ورقة مساومة لشراء الحماية الأمريكية من تهديدات “البعبع الإيراني” في الخليج مقابل بيع فلسطين.
سياسات التطبيع برغم انعكاساتها إلا أنها تمثل لحظة فرز داخل الصف العربي ما بين الباحثين عن الحماية الأمريكية مقابل الاستسلام، وبين الشق الذي لا يحتاج شراء مضلة أو حماية خارجية ، وهو الذي سيضل ثابتًا على مواقفه وقناعته.