حملات أمنية ودوريات متواصلة تتعقب مروجي المخدرات ومستهلكيها في تونس، ومئات الشبكات يتم تفكيكها باستمرار، إلا أن السؤال المطروح اليوم هو مآل تلك الكميات الهائلة وكيفية إيقاف نزيف هذا السم” الذي يفتك بالمجتمع.
وخلال السنوات الماضية، تفشت ظاهرة استهلاك المخدرات وترويجها في تونس وانتشرت هذه “السموم” خاصة في صفوف القصر والمراهقين، في الوقت الذي يعتبر فيه كثيرون أن المقاربة الأمنية غير كافية لوحدها بل يجب اعتماد مقاربات اجتماعية للتصدي لها.
وحسب آخر الإحصائيات فإنّ 10% من الذين لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة تعاطوا المخدرات.
وكشف التقرير العالمي حول المخدرات الذي أعده مكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدّرات والجريمة أن تعاطي المخدرات آخذ في الزيادة مدعوما بارتفاع الطلب على المنشطات.
وتفيد معطيات التقرير ذاته أنّ “حوالي 292 مليون شخص كانوا قد تعاطوا المخدرات في سنة 2022 أي بارتفاع بنسبة 20 بالمائة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن.”
وأثبت التقرير أنّ القنب الهندي مازال من بين المواد المخدرة الأكثر استهلاكا تليه المواد الأفيونية ثم الأمفيتامينات فالكوكايين والاكستاسي.
أرقام مفزعة
وفي تونس تشير آخر المعطيات التي قدّمتها الإدارة العامة للديوانة التونسية إلى حجز نحو 32.8 كغ من مادة “الكوكايين” و207 كغ من مادة القنب الهندي المعروفة في تونس بـ”الزطلة” ومليون و123 ألفا و400 قرص مخدر، منذ بداية السنة وإلى حدود سبتمبر الماضي.
وقال المتحدث باسم الديوانة شكري الجبري لـ”بوابة تونس”، إن جزءا من الأقراص المخدرة كان موجها إلى الاستهلاك المحلي فيما كان الجزء الآخر موجها إلى العبور إلى بلد شقيق (دون أن يذكره)، وإنّ “مادتي الكوكايين والزطلة كانتا موجهتين إلى الترويج والاستهلاك المحلي.”
ووفق المصدر ذاته فإن “أكثر الكميات حُجزت في معبر حلق الوادي (ميناء حلق الوادي) وفي مطار تونس قرطاج، والأقراص المخدرة تم حجزها في عمق الصحراء من قبل الحرس الديواني.”
من جانبه قال المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني، حسام الدّين الجبابلي إنّ “إدارة الاستعلامات والأبحاث بوزارة الداخلية قامت مؤخرا بتفكيك شبكة ترويج المواد المخدّرة بمحيط المؤسسات التربوية وحجز ما يقارب 5 كغ من مادة الزطة”.
ولفت إلى أن “إدارة الحرس الوطني قامت بحجز قرابة 100 كغ من الزطلة خلال هذه السنة.”
وأكّد أنهم “قاموا بتوجيه ضربة موجعة إلى شبكات التهريب وترويج المخدرات عبر الإطاحة بشبكة دولية على مستوى الحدود الغربيّة تضم 5 أشخاص بينهم شخصان أجنبيان ينشطون بين دول عربية وأجنبية.”
كما أشار إلى أنه تم خلال الأيام الماضية حجز نحو 34 ألف قرص مخدّر بحوزة أجنبي.
مواد مآلها “الإعدام”
أوضح الجبابلي في معرض حديثه إلى بوابة أن “المواد المخدرة التي يتم حجزها تحال في مرحلة لاحقة على ذمة القضاء وهناك جزء منها يبقى لدى الوحدات الأمنية ليعتمد في التدريب.”
وتابع أنّه “يتم في نهاية المطاف التخلص من المحجوزات من المواد المخدّرة عبر إعدامها”، وفق قوله.
ويرى أن “المقاربة الأمنية غير كافية للتصدي لظاهرة انتشار المخدرات، وأنّ الآباء هنا مدعوون إلى معاضدة الجهود الأمنية ومراقبة سلوك أبنائهم القصر والمراهقين بشكل مستمر.”
واعتبر الجبابلي أنّ المخدرات تشكل اليوم سما يتغلغل داخل البلاد ويلحق الضرر بمجتمع بأسره ويمزق أسرا وعائلات.”
الإطار القانوني
وتضع وزارة الصحة منذ جويلية الماضي، على رفوفها مشروع قانون جديد يعتبر الإدمان على المخدرات مرضا مزمنا يجب معالجته وليس جريمة يعاقب عليها القانون، وفق ما أعلنته المتفقدة العامّة بالإدارة العامّة للصيدلة والدواء بوزارة الصحة، ريم المنصوري حجري.
وترمي هذه المبادرة التشريعيّة لوزارة الصحة والتي تم رفعها إلى رئاسة الحكومة إلى اعتبار مستهلك المخدرات شخصا مريضا يجب معالجته، كما أنّ مشروع القانون تضمن عقوبات مشدّدة بالنسبة إلى المروجين.
وأظهرت إحصاءات للمعهد الوطني للصحة تطورا هاما لاستهلاك المواد المخدرة بالنسبة إلى التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما.
وينص القانون التونسي عدد 52 على عقوبة إلزامية بالسجن مدتها سنة لكل من يدان بحيازة مخدر، وخمس سنوات لمن يعاود الجريمة ذاتها، وتصل الأحكام إلى حد 10 أعوام سجن لكل من يستغل أي مكان لتعاطي المخدرات أو ترويجها .
استراتيجية على مدى بعيد
من جانبه أكد نبيل بن صالح رئيس جمعية طب الإدمان لـ”بوابة تونس”، أنّ معدلات استهلاك المخدرات من قبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما تزايدت وفق إحصاءات ميدانية أجريت بين سنوات 2013 و2017 و2021.”
واعتبر أنّ “سياسة مكافحة الإدمان تشمل تقليص العرض أي الكميات المخدرة الوافدة على البلاد والدور هنا موكول إلى الديوانة والأمنيين والتقليص أيضا من الطلب الذي يتعلق بالاستهلاك وهنا يتجلى دور الوقاية والعلاج.”
ولفت الطبيب إلى أن “الجانب الوقائي يتخذ عدة أبعاد بينها تنظيم تدريبات داخل المدارس لتلاميذ مؤثرين قادرين على توعية زملائهم بمخاطر هذه المواد المخدرة ومضارها إضافة إلى دورات تدريبية موجهة إلى المدرسين”.
ويرى بن صالح أن التصدي فعليا لهذه الظاهرة الخطيرة يتطلب سنوات طويلة من اعتماد استراتيجية على المدى المتوسط والبعيد عبر الاستناد إلى تجارب مماثلة من العالم.
واعتبر رئيس جمعية طب الإدمان أن “تعريف الإدمان ما يزال متذبذبا في تونس فهو يعرّف على أنه جنحة وليس مرضا، بالتالي فإنه غير مندرج ضمن اختصاصات وزارة الصحة وهو ما يفسر عدم وجود مراكز كافية لمعالجة الإدمان.”