عرب

المجاعة وأوراق الشجر تعرفني

لم يصدق ملايين المصريين أنفسهم وهم يستمعون إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، يطلب منهم “الاستئناس” بتجربة الرسول محمد وأتباعه من الصحابة والسلف الصالح الذين اضطروا إلى أكل أوراق الشجر خلال الحصار الذي تعرضوا له في شعاب مكة من جانب قريش.

تصريح الرئيس المصري جاء في خضم صعوبات اقتصادية شديدة الوطأة تواجهها بلاده، ونقص المواد الأساسية من مشتقات الحبوب وارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية.

كلوا أوراق الشجر

وقال السيسي: “النبي محمد حوصر في شعاب مكة ثلاث سنوات، وكان سيدنا جبرائيل ينزل عليه بالوحي، ومع ذلك لم يطالبه الصحابة و التابعون بأن ينزل عليهم الله طعاما أو يفجر الماء من تحت أقدامهم، ووصل بهم الأمر إلى أكل ورق الشجر”.

استشهاد السيسي بحصار قريش للرسول الأكرم في بداية الدعوة وحديثه عن أكل ورق الشجر، اعتبره الملاحظون  تمهيدا لمرحلة صعبة ستشهدها مصر في الأشهر القادمة قد تبلغ حد المجاعة الفعلية، وإقرارا ضمنيا بعجز النظام عن تأمين المواد الحيوية والمعيشية بما في ذلك “رغيف العيش” كما يطلق عليه المصريون، في ظل محدودية مخزون القمح الذي لا يغطي سوى احتياجات أربعة أشهر فحسب وفق إحصائيات رسمية.

كلام الرئيس المصري وإن خلف صدمة في أوساط الرأي العام الداخلي رغم محاولات وسائل الإعلام التخفيف من وطأته، إلا أنه سرعان ما تحول إلى مادة للسخرية والانتقاد على منصات التواصل الاجتماعي.

سخرية افتراضية  

ساعات قليلة بعد تداول التصريح إعلاميا كانت كفيلة بتحول “ورق الشجر” إلى الترند الأشهر والأكثر تداولا على صفحات فيسبوك وتويتر في مصر، مرفوقا بآلاف التدوينات الساخرة  التي تنقط سوداوية ومرارة في سطورها مما آل إليه حال ملايين المصريين.

المدونون ونشطاء المنصات الاجتماعية حللوا مضمون تصريحات الرئيس المصري بكونها تهيئة ضمنية للمواطنين، حتى لا يطالبوا الحكومة في الفترة المقبلة بتوفير الدقيق والخبز والسكر والزيت وغيرها من المنتجات الحيوية، وممارسة التقشف حتى لو بلغ الأمر تكرار ما فعله النبي الأكرم وأصحابه في شعاب مكة.

بين التقشف والقصور الرئاسية

الدعوة إلى أكل ورق الشجر بدا “أمرا مستفزا” كما وصفته بعض المنشورات، من رئيس لم يتوقف طوال 9 سنوات عن مطالبة شعبه بالصبر والتعهد بأن القادم أفضل، ولكن “بدلا من جني ثمار التنمية يطلب السيسي من المصريين أن يقطعوا أوراق الشجر ليأكلوها، لأن أموال التنمية ضاعت في بناء القصور الرئاسية”، كما علق حساب باسم “ماهر الإسكندراني”.

موجة السخرية الافتراضية من وسم “ورق الشجر”، ترجمت وفق مراقبين حالة السخط الشعبي الواسع والاستهجان  والسخرية من مطالبة السيسي شعبه بمزيد التحمل وعدم الشكوى، وكأنه يقول لهم: “لستم أحسن من أصحاب النبي الذين صبروا على الحصار الاقتصادي فعليكم أن تتحملوا أيضا ولا تطالبوني بشيء”.

التدوينات انتقدت مطالبة ملايين المصريين بالتقشف ومزيد شد الحزام،  مقابل إهدار النظام مليارات الدولارات في مشاريع بلا جدوى أو عائد اقتصادي، على غرار الجسور و”الكباري” والقصور الرئاسية التي شيدها السيسي في عديد المناطق.

وعلق أدهم مصطفى في هذا السياق: ‏”هل توجد أية إحصائيات عن عدد الكباري في مكة في تلك الفترة”، بينما كتب محمد عبد الرحمن مخاطبا السيسي: ‏”ما شاء الله، أنت أيضا صرت نبيا، صحيح أن الرسول كان محاصرا مع الناس، لكنه لم يشيد لنفسه قصورا، ولم يشتر ساعة بمليوني جنيه”.

وأضاف عبد الرحمن: “اسمح للشعب بالعيش في العاصمة الإدارية، ودعهم يركبون سياراتكم ويعيشون في مستواكم، وهم سيصبرون ويتحملون”.

 وفي محاولة لفهم مضمون التصريح، تساءل شريف عزت: ‏”أنا لم أفهم ماذا يقصد، هل يعني أنه النبي ونحن كشعب الصحابة مثلا ؟، أو ربما نحن كفار قريش وهو الملائكة؟ فضلا عن ذلك نحن نعيش التقشف منذ تسع سنين وليس ثلاثة مثل أصحاب الرسول”.

بين التخزين ونبات القات

 أما ماجدة غنيم فكتبت: ‏‏”هل وصلنا بالفعل إلى مرحلة أكل ورق الشجر؟، علينا أن نبدأ في تخزينه إذن”.

“تخزين” ورق الشجر أوحى إلى بعض النشطاء  بفكرة تخزين نبتة “القات” الشهيرة، على غرار اليمنيين الذين يستهلكون أوراق هذه النبتة المخدرة في جلسات جماعية في البيوت والمقاهي يطلق عليها باللهجة المحلية جلسات “تخزين القات”.

ونصح المدونون بأسلوب ساخر الرئيس السيسي بتعميم زراعة القات في مصر بدل محاصيل أخرى مثل الأرز والحبوب، كونه سيشكل “تطبيقا مثاليا لنظريته عن استهلاك ورق الشجر”، كما أنه سيشكل منطلقا لفرض ضرائب جديدة على استهلاكه، فضلا عن فوائده الإيجابية على “مزاج الشعب”.