قدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نتائج الاستطلاع الأكبر في العالم العربي حول تقييم الرأي العام العربي للأوضاع السياسية والاقتصادية واتجاهات بلدانه.
أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أمس الثلاثاء 3 حانفي/ كانون الثاني في العاصمة القطرية الدوحة، عن نتائج “المُؤشِّر العربي 2022” الذي نفّذه في 14 بلدا عربيا: تونس، الجزائر، ليبيا، المغرب، موريتانيا، مصر، السودان، فلسطين، لبنان، الأردن، العراق، السعودية، الكويت، وقطر. ويهدف هذا المؤشّر إلى الوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي نحو مجموعة من المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وكان الإعلان عن نتائج المؤشِّر خلال مؤتمر صحفي عقده المركز العربي في مقرّه بالعاصمة القطرية الدوحة، تولّى خلاله المدير التنفيذي للمركز الدكتور محمد المصري شرح النتائج وتوضيح اختيار العينات وتقديم تفاصيل الاستطلاع الدوري الذي حافظ المركز العربي على تنفيذه منذ 2011..
اتّجاه سير البلدان العربية: انقسام في التقييم
أظهرت نتائج المؤشر التي قدّمها المدير التنفيذي للمركز الدكتور محمد المصري ونشر تفاصيلها “العربي الجديد” أنّ الرأي العام منقسم نحو تقييم الاتجاه الذي تسير فيه بلدانه، حيث أفاد 52% من المستجوبين أنّ الأمور في بلدانهم تسير في الاتجاه الخاطئ. وتتوزّع الأسباب بين اقتصادية 40 بالمائة، وسياسية 14 بالمائة على غرار عدم الاستقرار والتخبّط السياسي وعدم اضطلاع النظام السياسي بأدواره وسوء الإدارة والسياسات العامة للدولة.
في المقابل رأى 42% أنّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، 17% منهم لم يقدّموا الأسباب أو رفضوا الإجابة. أمّا البقية فقد توزّعت إجاباتهم أساسا بين تحسّن الأوضاع في البلاد 19% ، والحكم الرشيد 13%، وتحسّن الوضع الاقتصادي، فضلا عن توفر الاستقرار السياسي والشعور بالتفاؤل في المستقبل، 5% لكلّ منهما.
وانقسم الرأي العام في تقييم الوضع السياسي في بلدانه، بين من يرى أنّه إيجابي بشكل عام (جيد جدًا – جيد) 44%، وبين من وصفوه بالسلبي (سيئ جدًا – سيئ) 49%.
أمّا بشأن الأوضاع الاقتصادية فقد كشفت نتائج المؤشر العربي أنّها غير مرضية على الإطلاق؛ ذلك أنّ 42% صرّحوا بأنّ دخلهم الأسري يُغطّي فقط نفقات احتياجاتهم الأساسية ولا يمكنهم الادّخار، وأفاد 28% من الذين أجابوا أنّ أسرهم تعيش في حالة حاجةٍ وعوز؛ أنّ دخلهم لا يُغطّي نفقات احتياجاتِهم.
وتعتمد أغلبية الأسر ضعيفة الدخل والهشّة على المعونات والاقتراض لسد احتياجاتها. وباستثناء مستجوبي بلدان الخليج، فإن أغلبية مواطني البلدان العربية هم ممن يقعون ضمن ما وصفهم المؤشِّر بأسر “الكفاف” أو أسر “العوز”.
ارتفاع نسبة الثقة في الجيش والأمن
وعكست نتائج المؤشّر العربي أنّ ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة في بلدانهم متباينة، حيث تُسجّل ارتفاعا في الجيش والأمن العام، وتتراجع الثقة عندما تتعلّق بسلطات الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية.
ونالت المجالس التشريعية أقل مستوى ثقة بواقع 47%، بالرغم من أنّ أكثرية من الرأي العامّ (57%) ترى أنها تقوم بالرقابة على الحكومات؛ ويرى 34% عكس ذلك. وكان مستجوبو المشرق العربي هم الأقل موافقة على قيام المجالس التشريعية بدورها في الرقابة على أداء الحكومات، في حين أن مستجوبي الخليج كانوا الأكثر موافقةً على ذلك.
ويعدّ مستجوبو بلدان المشرق الأكثر تأكيدًا على انتشار الفساد في بلدانهم، بينما كانت أعلى نسب رأت عدم انتشار الفساد، في بلدان الخليج.
نعم للديمقراطية، لا لهؤلاء…
وبشأن الموقف من الديمقراطية، أظهرت نتائج المؤشر العربي وجود شبه إجماع على تأييد الديمقراطية؛ حيث عبّر 72% من المستجوبين عن تأييدهم النظامَ الديمقراطي، مقابل 19% عارضوه. ويعود التأييد إلى ” أنّ النظام الديمقراطي وإن كانت له مشكلاته، هو أفضل من غيره من الأنظمة”.
وأفاد 71% من المستجوبين أنّ النظام الديمقراطي التعددي ملائم ليطبَّق في بلدانهم. في حين تَوافَق ما بين 53% و70% على أنّ أنظمة مثل: النظام السلطوي، أو نظام يتولى الحكم فيه العسكريون، أو حكم الأحزاب الإسلامية فقط، أو النظام القائم على الشريعة من دون انتخابات وأحزاب، أو النظام المقتصر على الأحزاب العلمانية (غير الدينية)، هي أنظمةٌ غير ملائمة لتطبَّق في بلدانهم.
إن مقارنة نتائج هذا الاستطلاع بالاستطلاعات السابقة، تُظهر أن انحياز الرأي العام إلى الديمقراطية ما يزال ثابتًا. ويعتبر غالبية المستجوبين أنّ الديمقراطية في العالم العربي ما تزال في منتصف الطريق، علما أنّ تقييم الديمقراطية في مؤشر 2022 هو أقل من ذلك الذي سُجّل في استطلاع 2019/ 2020.
وكان الرأي العام العربي منقسما في تقييم ثورات الربيع العربي في 2011، فقد أفاد 46% أن الثورات والاحتجاجات الشعبية كانت إيجابية (إيجابي جدًا – إيجابي إلى حدٍ ما). في حين أفاد 39% أنها أمرٌ سلبي (سلبي جدًا – سلبي إلى حدٍ ما). وسُجّلت أعلى نسب التقييم الإيجابي لثورات الربيع العربي في الكويت (76%) ومصر (73%).
ورأى المستجوبون أنّ أسباب اندلاع هذه الثورات والاحتجاجات الشعبية لـ2011 كانت ضد الفساد، والوضع الاقتصادي السيئ، ومن أجل التحول إلى الديمقراطية، وإزاحة الأنظمة السلطوية.
وانقسم الرأي العامّ العربي بين متفائل ومتشائم نحو واقع ثورات الربيع العربي ومستقبلها؛ إذ أفاد ما نسبته 40% أنّها تمرّ بمرحلة تعثّر، إلّا أنّها ستحقق أهدافها في نهاية المطاف، وذلك مقابل 39% يرون أنّ الربيع العربي قد انتهى وأنّ الأنظمة السابقة عادت إلى الحكم.
ويذكر أن الاستطلاع شمل 33300 مستجوب ومستجوبة أُجريت معهم مقابلات شخصية مباشرة ضمن عيّناتٍ ممثّلة للبلدان التي ينتمون إليها، بهامش خطإ يراوح بين 2 و3%. وتمّ تنفيذ الاستطلاع الميداني في الفترة ما بين جوان/يونيو- ديسمبر/كانون الأول 2022. ويُعدّ هذا الاستطلاع، في دورته الثامنة، أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربية؛ سواء كان ذلك من خلال حجم العيّنة، أم عدد البلدان التي يغطيها، أم محاوره. وقد شارك في تنفيذه 945 باحثًا وباحثة.