الليالي البيض والتقويم الفلاحي...دليل الفلاّحين في استقراء المناخ
tunigate post cover
ثقافة

الليالي البيض والتقويم الفلاحي...دليل الفلاّحين في استقراء المناخ

2020-12-26 10:26

لطفي النايب
يعجّ المعجم اليومي للفلاحين في أرياف تونس خاصةً بعبارات تختلف عن تلك التي يستعملها أهالي المدينة أو من يتبعون التقويم الإداري العلمي. لثراء هذا المعجم تكوّن تقويم خاص بالفلاحين والبدو يسمى التقويم الفلاحي. ينطلق التقويم الفلاحي في هذه الفترة من كل سنة بانطلاق الليالي البيض بداية من يوم 25 ديسمبر.

ماهو التقويم الفلاحي ؟

التقويم الفلاحي هو نظام دارج بين البدو والفلاحين والرعاة منذ آلاف السنين في شمال إفريقيا، يعتمدون فيه على خبراتهم المتراكمة في الزراعة واستقراء المناخ على مدار السنة. تكوّنت لديهم ثقافة وقواعد شفوية لا تستند إلى علم فأطلقوا على مواسم الزراعة أسماء من مخيالهم الشعبي مثل « الليالي السود والبيض والعزارة وقرّة العنز والنوّة…  بسبب حاجتهم إلى تقويم خاص يميز بين فصول العام فكانت دورة القمر والنجوم والطقس دليلهم في حياتهم» وأطلقوا على الرزنامة السنوية للسنة الزراعية اسم « اليومية العربي ».

وتتكوّن اليومية العربي أي الرزنامة من 12 شهراً لكنها بأسماء مغايرة أصولها أمازيغية وهي كالتالي يناير- فورار – مارس – ابرير – مايو – يونيو – يوليوز – غوشط – سكتمبر – كتوبر – ومبر – دجمبر.

الليالي البيض والليالي السود

تمتد فترة الليالي البيض من 25 ديسمبر حتى 13 جانفي من السنة الإدارية الجديدة وتتميّز ببرودة نهارها ودفئ لياليها  نسبيا. سمّيت بالليالي البيض لطول الفترات التي تظهر فيها السماء صافية ويغيب فيها السحاب إضافة إلى ظهور الندى في فجرها.

يوصي الفلاّحون بعدم الزراعة في الليالي البيض بسبب شدّة برودة الأرض ويقولون إن لا شي ينبت أو ينمو فيها وأن النبات في فترة سبات تام. كما ينصحون بعدم سقي الأشجار والزراعات لأن الأرض لا تستجيب والماء لا يفيد .

يقال أيضا إن الحيوان والرضيع لا ينموان خلال هذه الفترة لقسوة الطقس هذه الأيام.

تنتهي الليالي البيض في غضون عشرين يوماً فتحل محلها الليالي السود. « في الليالي السود يخضر ويورّق كل عود »هكذا توارث أهل البادية الثقافة ويعتبرون حلول الليالي السود إذاناً بانتهاء فترة السبات وعودة الحياة للأرض باخضرار أشجارها ونمو زرعها.

تتميّز هذه الفترة من شتاء التقويم الفلاحي بدفء نهارها وشدّة برودة لياليها وكثرة الغيوم والأمطار، ورغم قساوة طقسها يستبشر بها الفلاّحون.

شتاء بأسماء خاصة

لا تتوقّف « اليومية العربي » أي التقويم الفلاحي (التونسي) عند الليالي البيض والسود بل ابتكر القدامى أسماء خاصة ببقية فترات فصل الشتاء. تتبع الليالي فترة اسمها « العزارة «   تدوم 11 يوما، طقسها متقلّب بين البرد والريح والأمطار.

تعقب العزارة ما يعرف « بقرّة العنز » تمتد من 14 فيفري إلى يوم 19 من نفس الشهر وهي فترة شديدة البرودة وتنزل فيها الأمطار بغزارة. أصل التسمية حسب روايات الأجداد بسبب ضعف فصيلة الماعز  ونحافتها وعدم تحملها الطقس القاسي وموتها في الليالي شديدة البرودة.

كما أن الأسطورة تقول إن الماعز خرج يتراقص بنهاية فترة العزارة » القاسية مودّعة الشهر السابق بالتقويم الفلاحي متحدّية الطبيعة، إلا أنها اصطدمت بأيام أشد برودة لذلك سمّيت « بقرّة العنز ».

« في الحسوم نحي دبشك وعوم وزيد أربعين يوم » مثل شعبي يعتقد القدامى أن انطلاقا من شهر مارس ينتهي موسم البرد والليالي القاسية. وهي فترة  تهب فيها الرياح وتبرز الأزهار في الحقول وعلى أغصان الأشجار وتدب رائحة الربيع.

وتتلاحق الفترات بأسمائها العجيبة مع شهر مارس والمثل الشهير « مطر مارس ذهب خاص » لشدة نفعها الزرع والضرع، إلى قرّة حيّان في أفريل ومثلها “ما تقول جديانك جديان ولا خرفانك خرفان إلا بعد قرة حيان” في إشارة إلى أن المواشي يشتد عودها ويكتمل نموّها بعد هذه الفترة.

للصيف تقويم خاص

في فصل الصيف وانطلاقاً من موسم الحصاد أطلق العرب شمال إفريقيا أسماء على الفترات الحارّة فنجد « أي النار ونوّة الوغرات وأوسو » وغيرها.

يطبقون هذه الثقافة في رعي مواشيهم وزراعة محاصيلهم ويعتبرون أن الحصاد خلال الأيام الحارة جدا بعد شهر جوان عادة خاطئة ويعتقدون أن الحشرات السامة في شهر « غوشط » أي أوت تطير وفقا للأسطورة.

يدور الحول أي العام في التقويم الفلاحي ومعه حياة المزارعين وعاداتهم وتسمياتهم الفريدة وقواعدهم الشفوية. هكذا هي حياة القدامى. توارثوا ثقافة خاصة واخترعوا تقويما فريداً وخلقوا عادات زراعية مميزة ونوادر وأمثال شعبية من حياتهم البدوية. صمدت هذه الأمثال وصمد التقويم الفلاحي أمام التقويم الإداري والقمري الهجري.

التقويم الفلاحي#
الرزنامة الفلاحية#
اليومية الفلاحية#
تقويم الفلاحي#
قرة العنز#

عناوين أخرى