ثقافة

اللوحات تتوشّح بالسواد حدادا على التشكيلي التونسي حسين مصدّق


فجع الشارع الثقافي التونسي صبيحة اليوم السبت 12 فيفري/ فبراير بخبر وفاة الفنان التشكيلي التونسي حسين مصدق الذي نعاه الوسط الفني والصحفي والمهتمون بالاستيتقا الجمالية.

خبر صادم وصاعق تناقلته صفحات أصدقائه الرسمية على فيسلوك، الفنان الراحل الذي ترجّل مساء أمس الجمعة 11 فيفري عن عمر ناهز 54 عاما، ترك “بالاته وفرشاته بلا ألوان”، بل بلون واحد هو السواد الذي يليق برحيله المفاجئ.

غادر مصدق الحياة دون سابق إنذار أو تصريح بالألم الذي كان ينخره صامتا، وهو الذي كان قبلها بيوم يترشّف قهوته مع صديقه الصحافي ناجي الخشناوي، الذي كتب على صفحته الفايسبوكية: “يوم الخميس شربنا قهوة في مقهى الأقصر… بعد 48 ساعة رحل… وداعا #حسين_مصدق الرسام والمصمّم الغرافيكي والإنسان”.

وكتبت الفنانة التشكيلية شهلة سومر: “لم أعد أحزن لهذا الحزن.. فقد أصبح غيابكم عادة.. لست حزينة أو مندهشة… ألهاني الانتظار قليلا… هو قدر ولطف… رحلت مع من سبقوك… اليوم ولأول مرة تجتمعون دوننا، لم تحدثونا عن طعم الغياب… نحن نعرف وحشة المكان دون الأحبة وريح الأصدقاء، أما مرارة الرحيل فيتجرّعها من بقي يتوسّد الساعات المعطلة والواهمة، زفير شهيق مرتين أو ثلاث كافية لتسقط المعادلة ويعّم الضجيج وينقطع الرجاء ليوم أو بعض يوم”.

وتسترسل سومر التي عرفت الراحل عن قرب وحب: “حزني عامر، يطفح في دمي بغرور سخيٌ يتدفق كالذاكرة وأكثر فأكثر، كغربة تلك الصور الباهتة والمحمّضة.. دوار، ألم في المعدة واختناق في جو مزدحم بالسراب وثقل التراب… هل سأقوى؟ هل ستتحرّر تلك السفن العالقة في نفسي الراضية! لا يهم… فقط إن اجتمعتما أُذكرونا… وابتسما عسى أن يستقيم لنا القمر… وارسلا لنا سلاما وتذكرة سفر، وانتظرونا هناك فأنتما أدرى بالمدى وبعناوين الطريق..لا تنسوننا… فالمسافة قصيرة والدار هشة… (تعني هنا رحيل النحاتة ومدير المركز الوطني للفن الحي بتونس المفاجئ أيضا سماح الحباشي الذي فارقت الحياة بعد صراع مرير مع كورونا في العاشر من جويلية/ يونيو 2021)”.

وتختم سومر تدوينتها المفجوعة: “لنا شمس مثلكما ولا أحلام مثلكما، فقط لنا مواعيد مع الضجر… وداعا… سلاما… سلام لكما وسلام عليكما… أنتما أصحاب السلام”.

ونعى الفيلسوف التونسي والكاتب الحر سليم دولة الراحل بتدوينة قال فيها: “يا للخبر  المووووجع، لا أكاد أصدّق خبر الرحيل  يا “الحسين”… يا الله صبرا، يا الله صبرا، صبرا وسلوااااانا ورحمة واسعة والبركة في الأهل”.

فيما كتب الصحافي والمؤرخ التونسي وصديق الفنانين وحافظ أسرارهم وأوجاعهم محمد المي نصا مرجعيا حمل عنوان “موتك كان منتظرا… لكني لم أصدّق”.

قال فيه: “عندما سألني فجر اليوم 12 فيفري 2022 صديقي نور الدين بالطيب هل انتحر مصدق؟ لم أفهم عن أي مصدق يتحدث؟ بعد ذلك أكّد لي وفاة الفنان التشكيلي ونقيب الفنانين حسين مصدق، ولكنه لم يصدّق خبر وفاته المفاجئ في سن لا تليق بالرجال أن يموتوا فيها مثلما كان يكرّر صديقنا الراحل محجوب العياري: اللي يموت في الخمسين موش راجل”.

ويسترسل المي: “فعلتها إذن يا صديقي دون استئذان، كنت أحسّ بموتك ولكني لم أصدقه، فلقد مرّت بك أسوأ الأيام، صدمة عاطفية عنيفة أرهقتك والحب قاتل إذا أتى صاحبه على كبر… وأنت تجاوزت الحب إلى العشق والهيام، عشته بكل جوارحك وفجأة انقطع حبل المودة فلم تصدّق”.

ويضيف: “زادت لجنة اقتناء الأعمال الفنية في إرهاقك عندما رفضت إدارة الفنون التشكيلية اقتناء عملك وأنت الذي لا مورد لك إلاّ ما تقدّه أصابعك، وهذه مشكلة العديد من الفنانين الذين يعيشون ممّا تصبغه أناملهم على القماش الأبيض الشبيه بأكفان الموتى… وكأنهم بالألوان يقهرون الموت وينتصرون عليه، انسحبت من تعاونية الفنانين التي ساهمت في تأسيسها احتجاجا على طريقة سيرها وكيفية عملها وطبيعة المتدخلين فيها، تفرّق من حولك في نقابة مهن الفنون التشكيلية بعد أن أنقذتها من براثن من طوّعها لخدمة نفسه، فكرّمت صديقك وشبيهك -إلاّ في الطول- حمادي بن سعد، غدوت تشرب بنهم وتدخن بنهم أكبر… اختنقت بك الحياة ففارقتها قبل مجيء الربيع وفي قلبك شتاء حزين،

رحمك الله أيها البهي، فقط أوصيك خيرا بسماح عندما تلتقيها هناك”.

والراحل حسين مصدق، فنان تشكيلي تونسي، ولد في ماي/ أيار عام 1968 في مدينة غمراسن بالجنوب التونسي، ينشط في المشهد التشكيلي العربي، حيث كان يقدّم تجارب حديثة في اختصاصه، ويرتبط بشكل كبير بمناخاته الشرقية التي تبرز جلية في ما يقدّم من أعمال في معارضه المتعددة. كما كان يكتب مقالات نقدية متخصّصة في الفنون البصرية، تميز بتعدد مواهبه، فهو إلى جانب الرسم، له تجارب في التصوير الفوتوغرافي والإخراج والتصميم الغرافيكي.