ثقافة

الكساد وتداعيات كورونا يهددان بغلق أعرق محلات الكتب القديمة في تونس العاصمة

عند ذلك المحل الواقع بنهج انجلترا بقلب العاصمة تونس تمتزج تفاصيل العتيق بدروب المعرفة، وبعبق الكتب القديمة وصفحاتها التي تروي بين سطورها عشرات الحكايا والذكريات، يخالطها خوف من المجهول القادم.

معتقلو 25 جويلية

تروي زوايا المكان المحتشدة بآلاف المجلدات المتراصة بلا ترتيب أو نظام في أحيان كثيرة، تقليدًا جاوز 70 سنة في مجال تجارة الكتب القديمة في تونس، إرث مهني وثقافي، انتقل من مؤسسه الأصلي اليهودي التونسي فيكتور غيز إلى صاحبه بوراوي الهذيلي، عميد تجار الكتب القديمة بحسب ما نقلته وكالة الأنباء التونسية في تقرير لها نشر الأحد 1 نوفمبر.

ثروة مهددة بالضياع

“عمر من الكتب”، لعله العنوان الذي يختزل تجربة عم بوراوي بين الرفوف وفق ما نقلته الوكالة، وعبر ثنايا هذه المهنة التي استهلكت من سنوات العمر، ما يترجم قصة عشق وعلاقة وجدانية وروحية بتجاعيد المطبوعات القديمة، وصفحاتها الصفراء المتربة.

طوال عقود من الارتباط الوثيق بهذا العالم السحري، أسهم بوراوي في تحويل المكان من تجارة بسيطة برأس مال محدود، إلى فضاء يكتنز أمهات الكتب والعناوين النادرة والطبعات الأولى، بأكثر من خمس لغات، جاعلًا  من مجموعته ثروة تاريخية ووطنية، صارت اليوم مهددة بالاندثار.

عندما تطأ أقدامك عتبات المكان، ستكتشف منبهرًا أن الكتاب ما يزال متوجًا على عرشه متمسكا بصولجان المعرفة، تكتنز ورقاته شخصية وروحًا وتختلط أنفاسك بشغف الذكريات، مستحضرًا أولئك الذين عبروا سطوره من قبلك، عندما كان جديدًا.

حاملاً توقيع مجهول أو إهداء إلى شخص بعينه، أو حافلًا  بملاحظات دونها أصحابه السابقون، تكتشف بين وريقاته تفاصيل حياة بأكملها، و قصصًا من عالم أشخاص آخرين لا يربط بينكم سوى الكتاب.

تسببت تخمة التكنولوجيات الحديثة ولعنة التطبيقات المجانية، في تراجع مبيعات الكتب القديمة في تونس، ولم تعد أدوات المعرفة الوحيدة، في ظل منافسة غير متكافئة للإنترنت تهددها وتطبق على أنفاسها.

تداعيات أزمة كورونا

ضاعفت أزمة كورونا من حالة الكساد التي تعيشها سوق الكتب، وفاقمت من الخسائر التي يعانيها بوراوي، حتى أصبح  محله مهددًا بالغلق، نتيجة تراكم الديون والعجز عن دفع مستحقات موظفيه.

خلال السنوات الأخيرة، لم يعد “معبد المعرفة” مقصدًا للطلبة والباحثين، والمولعين بالعناوين العتيقة، أو الباحثين عن نفائس العلم بين بطونها، نتيجة التحولات المتسارعة التي طالت السلوكات والعقليات، وغرست لدى الأجيال الجديدة “عقيدة الإنبتات” عن المطالعة والقراءة، ما أدى إلى كساد تجارة الكتب المستعملة.

“أصبح الكتاب فريسة أزمة لا نهاية لها، فبعد قبضة الإنترنت على جمهور كبير من القراء، خاصة بين الشباب، أزمة كورونا ضاعفت من هذا الوضع المقلق بالفعل”، هكذا جاءت كلمات عم بوراوي مغلفة بكثير من الإحباط، لتعكس ما يواجهه القطاع من “تحد وجودي”وفق ما نقلته وكالة الأنباء التونسية.

ضاعف تفشي كورونا من المخاوف من أن تشكل الكتب بؤرة للعدوى عن طريق اللمس، ما أصاب الحركة التجارية في مقتل، وصار “الخوف من لمس الكتب تحسبًا من انتقال الفيروس، يتجلى لدى الحرفاء الذين يطبقون الإجراءات الوقائية”، يصرح بوراوي.