مروى البوزيدي

إنْ جلست يوما إلى جانب أحد سكّان الأحياء العتيقة في تونس العاصمة، فإنّك حتْما ستستمع إلى عديد الحكايات القادمة من الماضي ومن زمن الأجداد. إنْ تمشيْت في الأزقّة الضيقة ستُدغدغ خيالك نساءٌ ملتحفاتٌ بالسفساري يتمايلْن في خُطواتهنّ غير مباليات بقلوب العشّاق من هنا وهناك، ويُخفين في طياتهنّ عديد الأسرار وحكايات الغرام، وقد يتناهى إلى مسمعك أصوات التّجار وأصحاب الدكاكين وهم يتجاذبون أطراف الحديث ويأمرون صبيانهم بإحضار الغداء، أو ربما يُخيّل إليك أنّك ترى صبيّة جميلة تطلّ خِلسةً من وراء باب الدار وهي تنتظر عشيقها والخوف يتملّكها من نظرات خفية تتربّص بها.. أو ربما يُحدّثك أحدهم عن مغامرات فلان بين أروقة سرايا الباي، هناك حيث تُكاد المكائد ويختفي بعضهم بطريقة غريبة… لكنْ بإمكانك رؤية كل هذا وأكثر إنْ ركبت “كروسة” حسنين بن عمو… 

تستعدّ دار نقوش عربية لنشر حلّة جديدة من المجموعة القصصية “الكروسة” للكاتب التونسي الكبير حسنين بن عمو.
صدرت هذه المجموعة منذ أكثر من عشرين سنة وهي تحتوي على إحدى عشرة أقصوصة، حازت على جائزة علي البهلوان الأدبية لبلدية تونس سنة 1999، وحظيت بإعجاب القرّاء رغْم أنّها لم تُوزّع على نطاق واسع.
كنت من بين القرّاء المحظوظين الذين عثروا على نسخة من هذه المجموعة، وبعد قراءتها شبّهتها بفنجان القهوة الذي نرتشفه بعد العصر.
الكروسة في اللهجة التونسية هي العربة التي يجرّها الحصان وكانت تقل الشخصيات المرموقة والبايات والأمراء.  

 فإلى أين ستأخذنا الكروسة في هذه المجموعة؟
هي سفرَة عبْر الزمان والمكان بين أزقّة الأحياء العتيقة في الحاضرة (تونس العاصمة سابقا) وإلى عهد وزمن قديم لم نعش فيه وإنّما ترسمه لنا الحكايات والخرافات على جدران مخيلتنا، فمِن وراء تلك الشبابيك والأبواب أخرج لنا حسنين بن عمو حكايات قديمة وأسرار مدفونة عن الحبّ المحرّم والخيانة المُرّة، عن الأسياد والعبيد عن الفقراء والأغنياء، عن أهل البلد والأجانب، وعن الامتنان ونكران الجميل..

إحدى عشرة أقصوصة شكّلت بوابة لدخول عالم حسنين بن عمو عالم التاريخ التونسي المنسي والمجهول.. فإنْ لم يسبق لك عزيزي القارئ أنْ تعرّفْت إلى هذا الكاتب فأنصحك بأن تبدأ بالكروسة فهي خير مقدمة لباقي الكتب، أما إنْ سبق لك وأنْ قرأت رواياته فإنك ستجد شيئا منها هنا، وفي كل الأحوال أتمنّى لك رحلة جميلة وممتعة على متْن الكروسة في أزقة “الحوم العربي”.