بعد حكم عاجل صدر، مساء أمس الخميس، عن المحكمة الابتدائية بتونس، قبل أربع ساعات فقط من موعد انطلاقته، ألغي حفل لتكريم المغنية الراحلة ذكرى على خشبة المسرح البلدي بتونس العاصمة والمعنون بـ”تذكّر ذكرى”.
وفي التفاصيل، أعلن أحمد بن حسانة، محامي ورثة الفنانة ذكرى، أنّ “المحكمة التونسيّة قد قرّرت بصفة استعجاليّة منع حفل تكريم ذكرى محمد الذي كان مُقرّرا تقديمه، مساء أمس الخميس، على المسرح البلدي.
وأتى قرار المنع بعد اعتراض ورثة الراحلة ذكرى على تكريم الأخيرة عبر تقنيّة الهولوغرام تحت عنوان “تذكّر ذكرى”، لتجسيم الفنانة ذكرى محمد واستغلال صوتها، وذلك من دون استشارتهم، فتحرّك القضاء التونسي لمنع إقامة الحفل بسبب عدم امتلاك المنظمين الحقوق الفكريّة.
وأكّد بن حسانة في تصريحات صحفية أنّ العائلة ما تزال “متأثرة بما حصل لذكرى، وهو ما يدفعها إلى رفض استعمال هذه التقنية التي قد تسيء إلى صورة الفنانة الراحلة”.
وأضاف: “لم يحترم منظمو الحفل حقوق العائلة، وقرّروا استعمال صورة الفنانة وصوتها من دون الرجوع إلى ورثتها”، ممّا دفعهم للجوء إلى القضاء العاجل لمنع الحفل.
وخلّف قرار إلغاء الحفل عددا من ردود الفعل الغاضبة في الوسطين الفني والثقافي في تونس، واعتبره عدد من الفاعلين في المجال الثقافي إساءة إلى صورة الفنانة التونسية الراحلة من قبل شركة بحثت عن المكسب المالي من دون احترام القوانين المعمول بها في هذا المجال، وفق موقع العربي الجديد.
وكان من المقرّر أن تحيي الحفل، الفنانتان هالة مالكي من تونس وأسماء لزرق من المغرب.
مشاكل بالجملة
وقبل أسبوع من انطلاق الحفل، أشعلت الفنانة المغربية أسماء لزرق منصات التواصل الاجتماعي بتدوينة نشرتها عبر حسابها على إنستغرام، أعلنت فيها منعها من المشاركة في إحياء ذكرى رحيل الفنانة التونسية ذكرى محمد بقرار من وزارة الثقافة في تونس.
وعمدت الفنانة المغربية إلى نشر صورة للرسالة الموقّعة من قبل مديرة الموسيقى والرقص بالنيابة في وزارة الثقافة التونسية، إضافة إلى منشور ضمّنته تساؤلا، قالت فيه: “ما رأي وزارة الثقافة والنقابات الفنية في المغرب؟”.
وأضافت: “وزارة الثقافة التونسية تمنعني من الغناء في حفل ذكرى بدعوى أنّني أجنبية”.
التدوينة تحوّلت إلى مرجع للعديد من الحسابات والصفحات المغربية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وغيرهما.
وركّز المدونون على كلمة “أجنبية”، التي وُصفت بها الفنانة المغربية أسماء لزرق، في حين أنّ المعروف والمعمول به أنه لا يتمّ توظيف كلمة أجنبي في توصيف فنان عربي يشارك في تظاهرة فنية تقام في دولة عربية أخرى.
وفي تعليقها على صورة الرسالة والمنشور، قالت أسماء لزرق: “أعتذر من الجمهور التونسي والجالية المغربية والعربية بتونس عن عدم مشاركتي في هذا الحفل لظروف خارجة عن إرادتي!”.
وشدّدت: “وذلك، بقرار من وزارة الثقافة التونسية بمنعي من المشاركة فب حفل تكريم الراحلة ذكرى والسبب كوني مغربية أجنبية”.
ولم تردّ وزارة الثقافة التونسية على منشور الفنانة المغربية.
وأسماء لزرق، مطربة مغربية من مواليد 22 جوان 1986 في مدينة تارودانت، شاركت في العديد من المهرجانات أبرزها مهرجان فاس للموسيقى الروحية، إضافة إلى مهرجانات في فرنسا وتونس.
كما سبق لها أن شاركت في مسابقاتَيْ “أبواب مفتوحة”، “نجوم ونجوم” وفي مئوية أم كلثوم. وهي خريجة برنامجَيْ “ستوديو 2 أم” و”نجم الخليج”.
تراشق بالتهم
وأسال حفل “تذكّر ذكرى” الكثير من الحبر، منذ الإعلان عن تنظيمه في أواسط ماي الماضي، وهو حفل تكريمي للراحلة ذكرى محمد، يستذكر أغاني ذكرى عبر تقنية الهولوغرام، في سابقة هي الأولى من نوعها في تونس.
وكان من المنتظر -وفق القائمين عليه- أن يشهد الحفل حضور الفنانتين التونسية هالة مالكي والمغربية أسماء لزرق، اللتين ستقدّمان باقة من أجمل أغنيات ذكرى.. لكن مع إعلان لزرق الأخير، تغيّر الوضع.
كما عبّر في وقت سابق، الملحن عبدالرحمان العيادي عن انزعاجه من حفل “تذكّر ذكرى”.
وأكّد المايسترو التونسي في مداخلة، له ببرنامج “نجوم” مع الهادي زعيم على إذاعة موزاييك الخاصة، استغرابه من استعانة منظمة العرض راضية زويوش بفنانتين فقط لتقديم أغاني فنانة لها عدد كبير من الأعمال الناجحة بالعديد من اللهجات والألوان.
وشدّد ملحّن رائعة “إلى حضن أمي يحنّ فؤادي” للراحلة ذكرى، على أنّ الغرض من الحفل بدا تجاريا وليس ثقافيا.
وقال: “المفروض أن تتمّ استشارتي والحصول على موافقتي قبل تقديم الأعمال التي قدّمتها إلى الفنانة الراحلة.. زويوش لم تتحصّل على حقوق المؤلف، وحتى التذاكر لم تبع بشكل كاف إلى الآن، كما لا يحقّ لها أن تقدّم أغاني لحّنها عبد الرحمان العيادي”.
كما أكّد العيادي أنّ شقيق الفنانة الراحلة ذكرى محمد اتصل به وعبّر عن استيائه، حيث لم تتمّ دعوته عكس ما صرّحت به منظمة الحفل.
وأضاف: “ليس ذنب الجمهور أن يُحرم من الأغاني التونسية التي اشتهرت بها ذكرى محمد، بل ذنب منظمة الحفل التي لم تقدّر الملحنين والمؤلفين، وسأعلم مؤسّسة التأليف والتلحين لتأخذ الإجراءات اللازمة”.
وفي البرنامج ذاته، قالت راضية زويوش إنها لم تفكّر في دعوة العيادي، رغم أنّه أحد صنّاع نجاحات الراحلة في تونس.
وأضافت: “يجب أن نسمح لغيره بالمشاركة في عمل يخلّد ذكرى محمد”.
كما أكّدت أنّها قامت بدعوة أشقاء الفقيدة التي تربطها بهم علاقة جيدة باعتبارها صديقة العائلة، وهو ما أنكره المايسترو عبدالرحمان العيادي.
وقدّم العيادي للراحلة ذكرى نحو 30 لحنا غالبيتها من كلمات الشاعر حسونة قسومة، وذلك قبل استقرارها بمصر ومعانقتها المجد عربيا.
وتُعدّ ذكرى واحدة من أبرز وأشهر الفنانات التونسيات في مجال الموسيقى والغناء، حيث عرفت نجاحا كبيرا في تونس وليبيا مع بداية مسيرتها، قبل أن تنتقل لاحقا إلى مصر، لتصبح رقما صعبا في سماء الأغنية العربية.
وخلال رحلتها الفنية أصدرت الراحلة 16 ألبوما غنائيا، أبرزها “وحياتي عندك” الذي عرف نجاحا كبيرا عام 1995، إضافة إلى “نفسي عزيزة” و”يوم عليك” عام 2003.
وانتهت حياة ذكرى في الـ28 من نوفمبر 2003، بعد تعرّضها لإطلاق النار من قبل زوجها رجل الأعمال المصري أيمن السويدي، الذي قام بقتلها في منزلهما بالقاهرة، رفقة مساعدتها ومدير أعمالها، قبل أن ينهي حياته منتحرا بالرصاص.
وتعدّدت الروايات في ما بعد، ليبقى خبر موتها غامضا وبعض التفاصيل ما تزال مجهولة إلى حدّ اللحظة.