ثقافة

الفوازير…الغائب الأبرز عن المطبخ التلفزيوني الرمضاني

تحمل ذاكرة الجمهور العربي الرمضانية ذكريات جميلة مع إنتاج تلفزيوني مميّز يغيب منذ سنوات عن المشهد.

 الفوازير في رمضان… كانت أكثر ما يشد الجمهور إلى التلفزيون خلال الشهر المعظّم.

إبداع نيللي كريم وشيريهان وفطوطة في مصر وعايدة بوبكر في تونس في رمضان زمان، جعل المشاهد يشتاق إليهم بعد سنوات من الغياب.

الفوازير، فن شامل يجمع مهارات الرقص والغناء والتمثيل، بأسلوب استعراضي مميّز وجذّاب.

الانطلاقة من مصر

ظهرت الفوازير أوّل مرة عبر الإذاعة في مصر عام 1956 وكانت الفنانة الراحلة آمال فهمي أول من قدمها، حيث أعد نص الفوازير بيرم التونسي ومن بعده صلاح جاهين ثم بخيت بيومي ولأنه شكل يقوم على الصورة فقد تطوّرت الفوازير لتنتقل عام 1961 إلى التلفزيون، فأطلق عليها الجمهور المصري اسم “فزورة” بدل فوازير.

شغلت الفوازير الجمهور وجذبت الفنانين، فخاض الممثل سمير غانم وجورج سيدهم وغيرهما التجربة مستفيدين من تكوينهم المسرحي وقد ظهر سمير غانم بشخصية “فطوطة” الشهيرة لكن التجربة لم تدم طويلا فقد أخذت عنه أسماء أخرى من السيدات  المشعل واستأثرن بعالم الفوازير.

نيللي وشريهان الأشهر

دخلت نيللي كريم سنة 1971، عالم الفوازير فجلبت انتباه الجماهير وسرقت الأضواء من بقية البرامج الرمضانية عبر عشرات الأعمال أبرزها ” صورة وفزورتين ” و”عروستي ” ثم ” الخاطبة ” وفي المرحلة الثانية من تجربتها خلال التسعينات، أبدعت نيللي في فوازير ” عالم ورق ” و”عجايب صندوق الدنيا ” و”أم العريف”.

بموهبتها اللافتة في الرقص والاستعراض، كانت نيللي إحدى حلقات رمضان التي لا غنى عنها خاصة في مصر ومن أجل الفوازير تخلّت الفنانة المصرية عن الظهور في السينما لفترة طويلة، مستغلة تهافت المخرجين والمنتجين، أمثال المخرج فهمي عبد الحميد ومصمم الرقصات حسن عفيفي، على التعامل معها لإنتاج الفوازير، حيث كانت أعمالها سهلة  الترويج لدى الجمهور وشركات الإعلانات.

كانت فوازير نيللي مستقاة من الواقع الشعبي المصري وقُدّمت بشكل جميل ومميز ومختلف.

رغم النجاح الذي حققته، فإن تجربة نيللي في الفوازير لم تدم وأخذ نجمها يأفل بظهور فنانة شابة أخرى على الساحة المصرية تدعى شريهان التي اكتشفت موهبتها أم كلثوم.

وكان اكتشاف الجمهور المصري للفنانة الاستعراضية شريهان لأول مرة عبر إعلان تجاري قبل أن تسوق لنفسها على شاشة التلفزيون.

وجدت شريهان جمهورا جاهزا، اعتاد مشاهدة الفوازير، فلم تتأخر نجوميتها وكانت ذات موهبة لافتة وقدرة رهيبة على شد الجمهور، فأتقنت الغناء والرقص والتمثيل ومع تطوّر الوسائل اللوجستية والتقنية أصبحت جودة الصورة على مستوى الفوازير أفضل.

“حاجات ومحتاجات” و “حلقات ألف ليلة وليلة” و “وردشان” و “عروس البحو ر ” وغيرها، أعمال خطفت عقل المشاهد المصري والعربي ماجعل الفوازير تحقق نقطة تحوّل على مستوى المضمون التلفزيوني الرمضاني، فأصبحت طبقًا رئيسيا، له موعد مقدس لدى الجمهور.

صنعت كل من نيللي وشيرهان تاريخًا خاصًا بهما في عالم التلفزيون ومكانة لا تقبل التنافس في ذاكرة المشاهد العربي.

عايدة بوبكر نجمة فوازير تونس

عرف رمضان سنة 1994، في تونس، ظهور الفوازير لأول مرة كإنتاج تونسي، أعدّه رؤوف كوكة (المعروف بإنتاج الكاميرا الخفية) وأخرجه صلاح الصغيري وأنتجته التلفزة التونسية، تحت اسم “فوانيس” وكانت نجمة الشاشة الفنانة الاستعراضية عايدة بوبكر.

 الفوازير التونسية، إنتاج مستلهم من التجربة المصرية السباقة والأنموذج المتعارف عليه في العالم العربي.

 دخلت عايدة بوبكر بيوت التونسيين في رمضان التسعينات، بلباسها الأبيض المميز وابتسامتها المعهودة وروحها المرحة وفريقها الاستعراضي الرائع، فكسبت ثقة المشاهدين وأصبح ظهورها موعدا منتظرًا في كل البيوت التي أحبت الفوازير بلمستها التونسية الفريدة.

أثثت عايدة بوبكر سهرات رمضان التونسيين لسنوات، قبل أن تختفي فجأة عن المشهد مع بداية الألفينات.

 نيللي وشريهان في مصر وعايدة بوبكر في تونس، أسماء نحتت في ذاكرة المشاهد العربي واستأثرت بجانب مهم من ذكريات رمضان، حتى أن بعض المحاولات التي عقبتها خاصة في مصر لم ترتق إلى شهرتها ونجاحها فباءت بالفشل.

وفي تونس لم تُسجّل محاولات إحياء الفوازير أو إنتاجها بشكل جديد نجاحا يذكر و يرد المختصّون ذلك إلى ظهور إنتاجات تلفزيونية أخرى احتلّت مكانة الفوازير، إذ اعتبروها نمطا تلفزيونيا تقليديا وكلاسيكيا لا يجد رواجه بين جمهور اليوم في عالم التكنولوجيا.

 فيما يفسّر آخرون غياب الفوازير بغياب المختصين الذين يمتلكون الكفاءة في تأدية عمل فني استعراضي متكامل يجمع بين الرقص والتمثيل والغناء.