تونس

العنف المسلّط على المرأة.. قوانين مركونة وظاهرة في تزايد

يسرى ونّاس
ناشطتان نسويتان تطالبان بتطبيق بنود القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة 
على الرغم من ظفرها بترسانة قانونية مهمة تضمن كرامتها وحقوقها، بدءا من مجلة الأحوال الشخصية الصادرة إبان الاستقلال (1956) ودعم دورها الإقتصاديّ والسّياسي والاجتماعي ودورها شريكا فاعلا إلى جانب الرجل، إلّا أنّ كل ذلك لم يحدّ من أشكال العنف المسلّط ضّد المرأة في تونس.
وظلت القوانين التي تجرّم كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة بكفة والواقع “المرير” لعدد لا بأس به من النساء التونسيات بكفة ثانية. ولعل نتائج أول مسح وطني حول العنف ضد المرأة أجراه المعهد الوطني للإحصاء هذه السنة، خير دليل على ذلك إذ كشف تعرّض 84% للعنف بمختلف أنواعه.
وأكّد المعهد أنّ المسح الوطني حول العنف المسلّط على المرأة شمل 11.610 أسر تنتمي إلى مختلف المناطق الحضرية وغير الحضرية في البلاد، وأنّ أعمار النساء المستجوبات تترواح بين 15 و74 سنة.
وحسب البيانات نفسها، فقد تصدّر العنف المعنوي الذي ينقسم بدوره إلى عنف نفسي وآخر لفظي المركز الأول على مستوى أشكال العنف المسلّط على المرأة بـتعرّض 49.3% من النساء المستجوبات له، لافتا إلى أنّ العنف الجنسي كان بنسبة 15.6% والعنف الاقتصادي (11.4%) والعنف المادي (5.3%).
وبيّن معهد الاحصاء أنّ 42.7% من النساء المتزوجات أو المطلقات أو الأرامل تعرّضن للتعنيف مرة على الأقل من قبل أزواجهن أو أزواجهن السابقين، وأنّ النساء الأكثر عرضة للعنف هن الفتيات الشابات والنساء المتحصلات على مستوى متقدّم من التعليم والمندمجات في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا الى أنّ ثلث النساء المستجوبات أكّدن أنهن كنّ ضحايا أحد أشكال التحرّش الجنسي.
** مراكز إيواء للضحايا
وفي جلسة عامة خُصّصت لمناقشة ميزانية وزارتها، أكّدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن أسماء الجابري أنه سيتم تكثيف الجهود لمقاومة العنف ضد المرأة والحدّ منه، معلنة عن مشاريع تشييد 17 مركزا لإيواء النساء ضحايا العنف وأبنائهن، بطاقة استيعاب تفوق 220 سريرا.
وتابعت أنّ “الوزارة ستواصل إنجاز مكونات الخطة التنفيذية للإستراتيجية الوطنية لمقاومة العنف ضد المرأة والحدّ منه عبر وضع برنامج عمل شعاره: “في الوقاية حماية”.
وأضافت في السياق ذاته أنّ البرنامج يرتكز على التوعية بمخاطر العنف وتبعاته الاجتماعية والمالية على الأفراد والأسرة والمجتمع.
ورصدت الوزارة اعتمادات قدرها 600 ألف دينار لفائدة مراكز إيواء ضحايا العنف.
** عنف حتى الموت..
وتفاقم العنف المسلّط على النّساء ووصل في أحيان كثيرة إلى درجة “القتل” وهي “ظاهرة خطيرة أصبحت تهدّد المجتمع”، إذ تم سنة 2023 رصد أكثر من 27 حالة وفاة لنساء على أيدي أزواجهم وأقربائهم.
وفي هذا السياق، تعتبر رئيسة جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات أسرار بن جويرة أنّ “الدّولة ما تزال تعتبر تقتيل النساء مجرد جرائم قتل عاديّة”.
ولفتت بن جويرة في تصريحها لبوابة تونس إلى أنّ “الإشكال لا يكمن في القوانين وإنما في مدى تعهّد الدولة بتطبيبقها وبالحدّ من العنف ضد النساء”، معتبرة أنّ “هذه المسألة ليست من أولياتها الآن”.
وأشارت إلى أنّ “مراكز الإيواء التي تحدثها الوزارة تبقى غير كافية وهو ما يؤدي إلى تفاقم العنف”.
وزادت أنّ “عددا من مراكز الإيواء يفتقر لأبسط الأساسيات في بعض المناطق كالماء والكهرباء، وهو ما لا يسمح باستقبال النساء وأبنائهن وإبعادهن عن مصدر العنف إلى حين محاسبة الجاني”.
وأضافت الناشطة النسوية أنّ “انتشار موجة الكراهية والخطابات العنيفة زادت من منسوب العنف، وجعلته مستباحا وهو ما أدى بدوره إلى تضاعف حالات تقتيل النساء في السنوات الأخيرة”.
وأكّدت محدثتنا أنّ “وحدة العنف ضد المرأة التي تضم مختصين في جرائم العنف ضد النساء تعمل وفق توقيت إداري، وهو ما يحول دون وصول النساء المعنّفات إليهم في العطل الأسبوعية وغيرها من العطل”.
وفي سياق متصل تقول عضو جمعية النساء الديمقراطيات ورئيستها السابقة، سعيدة راشد، إنّ “مراكز الإيواء التي تحدثها الدولة تظل غير كافية، ذلك أنّ عددا مهما من النساء اللائي تعرّضن للعنف الزوجي تجدن أنفسهن معرّضات للتشرّد أو البقاء بالشارع بعد طردهن من المنازل سيما في ظل عدم وجود الحماية الكافية لهن وتعرّضهن للتهديد الدائم”.
وتعتبر راشد في تصريحها لبوابة تونس أنّ “مراكز الإيواء المخصّصة لحماية النساء مهمة جدا ولكنها تبقى غير كافية، ونأمل أن يتم تعميمها في عديد الولايات والمناطق وأن تكون سهلة الوصول لعدة نساء بمناطق داخلية”.
**قوانين لم تُفعّل
وحقّقت النساء التونسيات مكسبا “قانونيا” بعد المصادقة على القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 اوت 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
ويشمل هذا القانون كل أشكال التمييز والعنف المسلّط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه، كما نص القانون في فصله الخامس على أنّ الدولة تتعهّد بالإحاطة بالمرأة ضحية العنف والأطفال المقيمين معها.
وتنتقد جمعيات نسوية وناشطات حقوقية عدم تنزيل فصول هذا القانون على أرض الواقع.
وفي هذا السياق تقول أسرار بن جويرَة إنّ “الدولة لا تطبّق القانون عدد 58 كما ينبغي، كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار إجراءات الحماية بالنسبة إلى النساء اللاتي يتقدّمن بشكايات بعد التعرّض للعنف”.
من جانبها، تطالب سعيدة راشد عضو جمعية النساء الديمقراطيات ورئيستها السابقة، “بتفعيل هذا القانون وعدم التساهل مع المعنّفين”.
وأوضحت في تصريحها لبوابة تونس أنّ “مجرد إرساء قوانين وعدم تفعليها والاكتفاء بركنها على الرفوف يؤكّد عدم وجود إرادة سياسية لوضع حدّ لنزيف العنف ضد المرأة”.
وزادت: “ليست هناك برامج واضحة للحدّ من العنف ضد المرأة، وما تزال هناك تجاوزات إلى حدّ الآن وما تزال النساء تتعرّضن إلى الطرد من قبل عائلاتهن بعد تعنيف أزواجهن لهن”.
وأكّدت سعيدة راشد أنّ “ظاهرة العنف في تزايد، ووجبت الوقاية على كل المستويات سواء عبر تعديل برامج التعليم وجعلها متلائمة مع ما نعيشه اليوم من حالات عنف إضافة إلى تكثيف عمليات التوعية وتأكيد أيضا تجنّب الإفلات من العقاب (لمَ مارسوا هذا العنف؟)”.
وأشارت سعيدة راشد إلى أنّ “العنف سار بموازاة مع ما نعرفه من تطور تكنولوجي، إذ تزايد في مواقع التواصل الاجتماعي عبر بث نوع من الإشاعات التي تضر بصورة المرأة وبما وصلت إليه وحققته من مكاسب عبر عقود”.
وشدّدت راشد على “عدم الاقتصار في الإعلام على دعوة نساء من عالم التيكتوك وغيرها من مواقع التواصل باعتبارها لا تمثّل النساء التونسيات”.
كما أشارت راشد إلى “العنف المسلّط في مواقع العمل وخصّت بالذكر هنا ظروف التشغيل الهشة التي تعمل فيها النساء في القطاع الفلاحي فهن عرضة يوميا لخطر الحوادث المرورية”.
** ظاهرة عابرة للقارات
وكشف تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة في فيينا وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك، أنّ “60% من الـ85 ألفا اللواتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا لأزواجهنّ أو أفراد آخرين من أسرهنّ”.
ويفيد التقرير الأممي أنّ هذه الظاهرة “عابرة للحدود، وتؤثّر في كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية”، مشدّدا على أنه كان بالإمكان تجنّب الكثير من جرائم القتل”، وذلك من خلال اعتماد “تدابير وأوامر قضائية زجرية”.