"العمل الإنساني" ينزف كلّ يوم
tunigate post cover
رأي

"العمل الإنساني" ينزف كلّ يوم

تضاعفت التحدّيات أمام "العمل الإنساني" في خضم التوتّرات الجيوسياسية المتصاعدة والتجاهل الصارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان ليدفع عمّال الإغاثة فاتورة الجرائم والانحرافات الأخلاقية
2023-08-18 23:09

محمد بشير ساسي

تزامنا مع حلول ذكراه السنوية التي تصادف يوم 19 من أوت، يرسم “العمل الإنساني” لنفسه صورة قاتمة محاطة بكومة من المخاوف، بسبب ما يواجهه “عمّال الإغاثة” من مخاطر وتهديدات قد تفقدهم أوراحهم أو تجعل منهم رهائن أومفقودين في مناطق نزاعات مسلّحة حول العالم.
وعلى مدار عشرين سنة، ظلّ التفجير الانتحاري الذي استهدف فندق القناة ببغداد راسخا في الأذهان، حين أدّى إلى مقتل 22 شخصا، من بينهم سيرجيو فييرا دي ميلو المفوّض الأممي لحقوق الإنسان آنذاك والممثّل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق.
ومنذ تلك “الفاجعة الأليمة”، يقول الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، إنّ الطريقة التي يؤدّي بها العاملون في المجال الإنساني عملهم قد تغيّرت، ذلك لأنّهم رغم ما يحظون به من احترام في جميع أنحاء العالم قد يكونون مستهدفين.
حماية قانونية

وعلى خلاف الواقع وانحرافاته الأخلاقية، حرص القانون الدولي على صون “العمل الإنساني”، لكونه استجابة رحيمة لصور المعاناة الناجمة عن العنف والنزاع المسلّح أو الكوارث الطبيعية.

وأصبحت حماية موظّفي الإغاثة الإنسانية بصفتهم مدنيين لهم حقوق محدّدة تسمح لهم بإنجاز أعمالهم قاعدة ملزمة في القانون العرفي، بحيث تُلزم جميع أطراف النزاعات المسلّحة الدولية وغير الدولية. 
وتنصّ اتّفاقيات جنيف 1949 والبروتوكولان الإضافيان لها 1977، على حقّ موظّفي الإغاثة الإنسانية في الاستفادة من مختلف الأوضاع القانونية التي قد تمنحهم حقوقًا موسّعة إلى حدٍّ ما، وذلك حسب المنظّمة التي يمثلونها. كما يُعتبر مثل هؤلاء الموظفين جزءًا ضروريّا من المساعدة التي يتمّ توفيرها، وبصورة خاصة لنقل مستلزمات الإغاثة وتوزيعها.

بالإضافة إلى أنّه بإمكان الأشخاص على اختلافهم المشاركة في عمليات الإغاثة، فقد يكونون ممثّلين عن الدول الحامية؛ أو جمعيات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر ومنظّمات الدفاع المدني، أو دول محايدة أو دول ليست طرفًا في النزاع، ومنظّمات إنسانية أو الأمم المتّحدة. وبإمكان السكان أنفسهم المشاركة في عمليات الإغاثة.
وفي 9 ديسمبر 1994، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتّحدة اتّفاقيّة سلامة موظّفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، واعتمدت في 8 ديسمبر 2005 بروتوكولا اختياريّا ملحقا بالاتّفاقية ودخل حيّز النفاذ في 19 أوت 2010 (29 دولة طرفًا حتى جوان 2015).
كما نصّت الدراسة التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 2005 بشأن القانون الدولي الإنساني العرفي، على أنّه يجب احترام وحماية أفراد الغوث الإنساني “القاعدة 31″، ويجب احترام وحماية الأعيان المستخدمة لعمليات الغوث    الإنساني “القاعدة 32”.


جرائم مفزعة

على أرض الواقع وخلال السنوات العشرين الماضية تضاعفت التحدّيات أمام العمل الإنساني في خضم التوتّرات الجيوسياسية المتصاعدة، والتجاهل الصارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان وحملات الاعتداء والتضليل المتعمّدة.
وحسب أرقام صادرة عن الأمم المتّحدة، شهد 2022 تعرّض 444 عامل إغاثة إلى هجمات أودت بحياة 116 منهم وجرح 143 آخرين، فيما تعرّض 185 للخطف. 

وقُدّرت نسبة عمّال الإغاثة الذين قُتلوا من الموظّفين الوطنيين بنحو 96%، ومن الموظّفين الدوليين (مغتربين) بنحو 4%، بينما يعدّ ما يقرب من النصف (47%) من موظّفي المنظّمات غير الحكومية الوطنية.أما بيانات 2023 فتُظهر مقتل 62 من عمّال الإغاثة منذ مطلع العام الجاري عبر العالم، بينما جُرح 84 آخرون وخُطف 34.

ولسنوات متواصلة، كانت دولة جنوب السودان أخطر مكان في العالم لعمّال الإغاثة. وحتى 10 أوت سُجّل 40 هجوما على موظّفين في المجال الإنساني، وأودت هذه الهجمات هناك بحياة 22 شخصا، وفق مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.وتليها في القائمة السودان مع 17 هجوما على عمّال إغاثة و19 حالة وفاة منذ مطلع العام.

ولم تُسجّل مثل هذه الأرقام المرتفعة منذ النزاع في دارفور بين عامي 2006 و2009.

ومن بين الدول الأخرى التي قُتل فيها عمّال في مجال العمل الإنساني، إفريقيا الوسطى، مالي، الصومال، أوكرانيا، واليمن.


أرقام مضاعفة

ووسط هذه الأرقام المفزعة تشير تقديرات التقييم النصفي العام لسنة 2023 حول النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية العالمية، إلى أنّ 362 مليون شخص في العالم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية أي ما يمثّل عشرة أضعاف عمّا كان عليه الوضع عام 2003.
يشكّل العمل الإنساني مصدر قلق للرأي العام خاصة مع تنامي ظاهرة النزاعات المسلّحة وكثرة الكوارث الطبيعية، لكن يبقى الهاجس الأكبر هو استهداف عمّال الإغاثة في مناطق كثيرة في العالم، حيث تؤكّد منظّمة “سيفتي” العالمية غير الحكومية، أنّ أكثر من 90% من ضحايا الهجمات سنويا هم من السكان المحليين.
بصورة عامة يبقى من المؤسف أنّ تلك الجرائم التي يواجهها عمّال الإغاثة تتجاوز الإدراك البشري، وفق تقارير منظّمات غير حكومية على غرار “أطباء العالم” و”العمل ضدّ الجوع”، ظل مرتكبوها فوق العقاب لتبقى المعظلة “ندبة في الضمير الإنساني”.

الحرب في السودان#
الحرب في اليمن#
المجاعة#

عناوين أخرى