تونس سياسة

“العفو الدولية” تحذّر الاتحاد الأوروبي من الصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان في تونس

طالبت منظمة العفو الدولية الزعماء الأوروبيين وزعماء الاتحاد الأوروبي، بتغيير مسارهم في التعامل مع السلطات التونسية في ملفي اللاجئين وحقوق الإنسان على وجه السرعة.
وأكّدت مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية التابع لمنظمة العفو الدولية إيف غيدي هي، في مقال نشرته “العفو الدولية” على صفحتها الرسمية أمس الاثنين 25 سبتمبر، أنّ السلطات التونسية استمرت حتى بعد الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في دفع المهاجرين إلى الحدود الليبية قسرا، حيث كان الكثيرون يرزحون تحت وطأة الحاجة الملحة إلى المساعدات الإنسانية. وأفادت وسائل الإعلام العالمية هلاك الكثير منهم. والصادم في الأمر أنّ زعماء الاتحاد الأوروبي لم يصدروا بعد أيّ تصريحات علنيّة تندّد بهذه الانتهاكات.
وحذّرت إيف غيدي هي، من أن المفوضية الأوروبية التزمت بالتعاون مع السلطات التونسية لمنع اللاجئين وغيرهم من المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، وهي تدرك تمامًا أنّ هذا المسلك من شأنه أن يديم الانتهاكات نفسها؛ احتجاز طالبي اللجوء واللاجئين وغيرهم من المهاجرين في أوضاع مؤذية تهدر حقوقهم، وتأجيج مشاعر العداء التي يواجهونها في تونس.

معتقلو 25 جويلية

وقالت: “الأمر الذي يبعث على أشد القلق هو أن هذا الاتفاق أُبرم دون فرض أي شروط تتعلق بحقوق الإنسان، وبلا تقييم أو رصدٍ لآثاره في حقوق الإنسان، ودون أيّ آلية لتعليق التعاون عند وقوع انتهاكات. وفي الأسبوع الماضي، أعلن أمين المظالم الأوروبي أنه طلب من المفوضية الأوروبية أن توضّح كيف ستضمن احترام تونس حقوق الإنسان”.
وأشارت إيف غيدي هي، إلى أنّ الاتحاد الأوروبي لم يستخلص أيّ دروس من تعاونه مع ليبيا، وما قدّمه من دعم لقوّات الأمن الليبية مما جعله متواطئًا في البنية التحتية للانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والإخفاءات القسرية والقتل غير المشروع والاحتجاز التعسفي، وهي انتهاكات رأى تحقيق أجرته الأمم المتحدة، أنها قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
وأكّدت العفو الدولية أنّه “ليست الاتفاقيات الرامية إلى وضع الناس في غير دول الاتحاد الأوروبي كفيلة بإنقاذ الأرواح، ولا هي تفلح في تقليل اعتماد الناس على طرق غير نظامية؛ بل إن المهاجرين يُضطرّون إلى أن يسلكوا طرقًا أخطر، تجنبًا لاعتراضهم من قبل السلطات، بينما يتربّح المهرِّبون من ذلك لأن اللاجئين وغيرهم من المهاجرين صاروا أكثر اعتمادًا على خدماتهم”، مضيفة: “لا تجدي مثل هذه الاتفاقيات نفعًا في حل المشكلات التي دفعت الناس إلى الهجرة أصلًا، بحثًا عن الأمن والأمان، وسوف تتكرر هذه المشكلات باستمرار بالرغم مما يتم إبرامه من اتفاقيات”.
واعتبرت أن تشديد رئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين على الالتزام بالاتفاقية المبرمة مع تونس في “خطتها من عشر نقاط بشأن لامبيدوزا”، مخيّب للآمال.
وأكّدت إيف غيدي هي أنّ الاتفاقية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تونس تنطوي أيضًا على خطر إضفاء الشرعية على اعتداء سعيّد على سيادة القانون، وقمعه المتصاعد للمعارضة.
وقالت: “خلال الفترة السابقة لتوقيع تلك الصفقة، ازداد صمت الزعماء الأوروبيين بينما قام الرئيس التونسي بتفكيك جميع الضوابط المؤسسيّة في السلطة التنفيذية تقريبًا، وأصدر مراسيم تكبل حريّة التعبير وتمنح الرئيس سلطات على السلطة القضائية. وأخضعت السلطات التونسية العشرات من المنتقدين والمعارضين والمحامين والصحفيين والقضاة للتحقيق الجنائي التعسفي والتدابير المقيدة، أو زجت بهم في السجون”.
وأضافت: “في الآونة الأخيرة، رفضت تونس السماح لخمسة من أعضاء البرلمان الأوروبي بدخول البلاد، كانوا يعتزمون القيام بزيارة لتونس في مهمة رسمية. وكان من بينهم النائبان ساتوري وغالر اللذان انتقدا الاتفاقية في السابق بسبب القمع في تونس. ويعتقد الكثيرون أن هذا الرفض كان ردا انتقاميا”.
وأعربت إيف غيدي هي عن أسفها لأن “تونس التي كانت ذات يوم قصة النجاح الباهر في مظاهرات الربيع العربي، ومركزًا سابقًا للمدافعين عن حقوق الإنسان من شتى أنحاء شمال إفريقيا، أصبح الخوف الآن أن تسير على خطى مصر التي حوّلها رئيسها عبد الفتاح السيسي إلى سجن مفتوح، وهو يشرف على إفقار الملايين من المصريين”، مشيرة إلى أن ما يزيد الخوف هو التزام زعماء الاتحاد الأوروبي الصمت إلى حدّ بعيد أثناء قمعه الوحشي بينما راح السيسي يسد طرق الهجرة من مصر إلى أوروبا، مما اضطر الآلاف من المصريين إلى الهجرة عن طريق ليبيا المهلك، بدلًا من الطرق الأخرى المسدودة.
وختمت إيف غيدي هي مقالها بالقول: “إذا كان الاتحاد الأوروبي حريصًا على ألا يصبح متواطئًا في انتهاكات حقوق الإنسان وقمعها، فلا بدّ أن يكون تعامله مع أي شركاء بشأن الهجرة مرهونًا بشروط صارمة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وبتقييم الآثار ورصدها. نحن بحاجة إلى نهج متوازن يوسِّع ممرات الهجرة الآمنة بصورة مجدية، ويركِّز على حماية الناس بدلًا من احتوائهم”، وفق تعبيرها.
وأواسط جويلية الماضي أعلنت الرئاسة التونسية، توقيع تونس والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم حول “الشراكة الاستراتيجية والشاملة” بين الجانبين في عدة مجالات بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية بما يفوق 750 مليون يورو.
وفي 11 جوان الماضي، أعلنت تونس والاتحاد الأوروبي، الاتفاق على “حزمة شراكة شاملة”، يتم اعتمادها ضمن مذكّرة تفاهم مشتركة، إثر زيارة للقادة الأوروبيين الثلاثة التقوا خلالها سعيد وبحثوا “العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وتونس وقضايا التعاون الاقتصادي والطاقة والهجرة”.
وتعيش تونس، في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد معدّلات الهجرة غير النظامية عبر أراضيها.
والأسبوع الماضي، رفضت السلطات التونسية دخول وفد من لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي إلى البلاد في زيارة كانت مجدولة.
وأصدر وفد لجنة الشؤون الخارجية الأوروبية بيانا أكد فيه المنع، معبّرا عن إدانته الشديدة لذلك. وطالب الوفد بتوضيح رسمي مفصل لأسباب المنع، معتبرا أنّ “هذا السلوك غير مسبوق منذ الثورة الديمقراطية عام 2011”.