عالم

العالم يحبس أنفاسه.. أزمة حبوب في الأفق

أعلن الكرملين اليوم الاثنين 17 جويلية، أن روسيا علّقت مشاركتها في اتّفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود بعد عام من توقيعها الاتفاقية مع أوكرانيا برعاية أممية ووساطة تركية بهدف ضمان شحن الحبوب الأوكرانية  العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود بسبب الحرب.

ولفت إلى أن موسكو ستعود إلى الاتفاق بمجرّد الاستجابة لمطالبها خاصة أنها عبّرت عن تذمرها  من عدم تلبية مطالبها بشأن تصدير منتجاتها الزراعية  جراء استمرار سريان العقوبات الغربية منذ بدء غزوها لأوكرانيا.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال لوفد الوسطاء الأفارقة الأسبوع الماضي إن الاتفاقية لم تحل المشاكل التي واجهتها البلدان الإفريقية جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، زاعما أن 3٪ فقط من صادرات الحبوب الأوكرانية تذهب إلى البلدان الفقيرة.

وفي حالة عدم موافقة روسيا على تمديد اتفاق الحبوب، فسوف يكون مصير استمرار أوكرانيا في شحن الحبوب إلى دول العالم بالمعدلات الحالية نفسها غامضا، فيما سيكون ارتفاع تأمين سفن الشحن إشكالية كبيرة، إذ قد ينجم عن ذلك توقف شركات الشحن العالمية عن نقل الحبوب في منطقة الحرب إذا لم تحصل على موافقة روسية.

وقد يطرح البعض خيار نقل الحبوب الأوكرانية برا لأنه الملاذ المناسب، بيد أن هذا الخيار لن يكون بديلا عن النقل بحرا فرغم أن أوكرانيا صدرت كميات كبيرة من الحبوب عبر دول شرق الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يوجد عدد كاف من عربات الشحن اللازمة لتصدير جميع الحبوب الأوكرانية برا.

ويضاف إلى ذلك، مشاعر القلق التي تسود أوساط المزارعين  في دول شرق الاتحاد الأوروبي جراء تأثير إمدادات الحبوب الأوكرانية التي يتم شحنها إلى السوق المحلية وسط مخاوف من أن الأمر قد يلقي بظلاله على منتجاتهم.

 وفرض الاتحاد الأوروبي قيودا على الاستيراد في وقت سابق من هذا الشهر تقضي بإمكانية نقل الحبوب الأوكرانية عبر بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، لكن مع حظر بيعها في هذه البلدان.

وتسمح الاتفاقية بالتصدير الآمن للحبوب  من موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود وهي أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، لكن يجب أن تمر سفن الشحن عبر ممر بحري إنساني متفق عليه صوب إسطنبول حيث يتم فحص السفن في طريقها من الموانئ الأوكرانية وإليها في قاعدة تركية من قبل فريق خاص من المفتشين يضم خبراء روس وأتراك وأوكرانيين ومن الأمم المتحدة.

ويعمل فريقان من فرق العمل التابعة للأمم المتحدة على ضمان شحن الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، لكنهما لا يعملان على تسهيل تصدير المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية.

ويقع البحر الأسود في مفترق طرق بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط فيما يمثل موقعا استراتيجيّا هاما في جنوب شرق أوروبا في منطقة تلاقي المصالح البحرية والقارية والجيواستراتيجية والاقتصادية.

ويُعد البحر الأسود بمثابة الفرصة الوحيدة أمام أوكرانيا  لتصدير حبوبها إلى أوروبا ومن ثم الاتصال بطرق التصدير الأخرى، لكن عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور التركيين.

ويهدف تجديد اتفاق الحبوب بين أوكرانيا وروسيا إلى ضمان تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة بسبب الحرب، لكن موسكو علقت مشاركتها في الاتفاق، فماذا سيعني ذلك؟ وما هي الخيارات الأخرى المتاحة لتجنب أزمة غذاء عالمية؟.

وتعود أهمية الاتفاق إلى موقع أوكرانيا في سوق الحبوب العالمي إذ تعد واحدة من أكبر موردي الحبوب حيث يعتمد 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية، وفق أرقام برنامج الغذاء العالمي.

وعندما بدأت  روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا  أواخر فيفري الماضي، أعربت الكثير من دول العالم عن مخاوفها من وقوع مجاعة خاصة في البلدان الفقيرة في إفريقيا والشرق الأوسط وسط قلق متنام حيال نفاد الوقت أمام إبعاد شبح أزمة مجاعة.

وكانت أسعار المواد الغذائية  قد شهدت قبل الحرب ضد أوكرانيا ارتفاعا جراء تداعيات جائحة كورونا وأزمة سلاسل التوريد، بيد أن الغزو الروسي أدى إلى تفاقم الأزمة خاصة أن الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود أسفر عن تعرض ملايين الأطنان من الحبوب في الصوامع الأوكرانية لخطر التعفن. وعلى وقع ذلك، قال الاتحاد الأوروبي إن عملية “الحفاظ على  إمدادات الحبوب  الأوكرانية يعد أمرا بالغ الأهمية للأمن الغذائي العالمي”.

وساعدت الاتفاقية وأيضا ما يُعرف بـ “ممرات التضامن الأوروبية” الداعمة  للصادرات الأوكرانية، في خفض أسعار المواد الغذائية وأيضا استقرارها لاحقا إذ جرى تصدير أكثر من 30 مليون طن من الحبوب ومنتجات غذائية أخرى منذ توقيع الاتفاقية وحتى الشهر المنصرم.

وتُعد الدول الفقيرة المستفيد الأكبر من ذلك حيث تم شحن حوالي 64٪ من القمح إلى البلدان النامية في حين تم تصدير الذرة بشكل متساوٍ تقريبا بين البلدان المتقدمة والنامية، لكن في مارس الماضي، أفادت وسائل إعلام انخفاض عمليات شحن الحبوب الأوكرانية بشكل مطرد.

وانخفضت الصادرات الغذائية الإجمالية بموجب الاتفاق بنحو ثلاثة أرباع في ماي الماضي مقارنة بمعدلات أكتوبر الماضي لعدة أسباب أبرزها أن شركات الشحن بدأت في تجنب خطر إرسال سفن عبر طرق محفوفة بالمخاطر فضلا عن قيود على مرور السفن.

وإزاء ذلك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن خيبة أمله بشأن تباطؤ وتيرة عمليات التفتيش واستبعاد ميناء يوزني/بيفديني من مبادرة البحر الأسود التي تهدف إلى المساهمة في منع انتشار الجوع في مستوى العالم.