"العاصفة" العُمانية.. عندما تتحوّل المُواطنة إلى مجرّد سينوغرافيا مسرحية
tunigate post cover
ثقافة

"العاصفة" العُمانية.. عندما تتحوّل المُواطنة إلى مجرّد سينوغرافيا مسرحية

"العاصفة" طرح سوسيو-اجتماعي جريء تنتقد بذكاء من خلال بعض المواقف الكوميدية اللاذعة ثنائية العبد والسيد في أوطاننا العربية
2023-09-04 16:48

صابر بن عامر

عدسة: مجدي الصبوري ورمزي الريابي

افتتحت، مساء أمس الأحد 3 سبتمبر، الدورة العاشرة لتظاهرة “أيام فاغا العربية للمسرح” بمدينة باجة (105 كلم شمال غرب تونس العاصمة) بالمسرحية العُمانية “العاصفة” لمؤلفها عماد الشنفري وإخراج عدي الشنفري وتمثيل عبدالله مرعي وهشام صالح.

وتروي المسرحية قصة شخصان يعملان في ورشة خياطة، يمرّ وقتهما بطيئا، فيشعران بالضجر والملل، ويُقرّران أن يقوما بأداء عرض مسرحي تجري أحداثه داخل سفينة، حيث تتعرّض الباخرة لعاصفة هوجاء، ويكتشف القبطان أن المحرك لا يعمل، وليس لديهم مراكب للنجاة، وذلك بفعل فساد مساعده الذي يقترح أن يتمّ التخلص من كل شيء يزيد عن حمولة السفينة، لكن ذلك لم ينقذ الموقف المتأزّم.

يُخاطب القبطان ركاب السفينة، مُستعينا بخطاب ليّن وحميمي يدعوهم إلى الصبر والتكاتف من أجل عبور الأزمة، طالبا مُساعدة الركاب في الطوابق الخاصة وهم من علية القوم، غير أنهم لم يُقدّموا أي مُساعدة، ليكتشف القبطان أن مساعده ينحاز إليهم، وعندما اشتدّ الوضع سوءًا اقترح مساعد القبطان مُجدّدا أن يتمّ التخلّص من بعض الركاب في الطبقات الدنيا.

جدلية العبد والسيد

عرض يرفضه القبطان، الذي قام بحبس مساعده، قبل أن يطلق سراحه مرة أخرى، إذ كان هو الوحيد الذي يعلم خبايا السفينة، غير أنّ كل ذلك لم ينقذ الأمر، ليجلس القبطان مُحاسبا نفسه، ومُبديا أسفه وندمه لتفريطه وتسليمه مقاليد السفينة للمُساعد الخائن.

حمل العرض الكثير من الدلالات والرموز السياسية، في مقاربة تجعل من السفينة بلدا، والقبطان رئيسه، بينما يرمز المساعد للبطانة الفاسدة، والركاب للمُواطنة المفقودة، حيث يقول المُساعد في أحد المشاهد، عندما يسأله قبطانه عن إمكانية استعمال قوارب النجاة لإنقاذ الركاب، فيقول: “ليس هناك قوارب نجاة بالمعنى الحقيقي، فما هي إلّا نوع من السينوغرافيا، وكأنّ المُواطنة في بعض أوطاننا العربية ما هي إلّا سينوغرافيا مسرحية.

“العاصفة” طرح سوسيو-اجتماعي جريء، تنتقد بذكاء من خلال بعض المواقف الكوميدية اللاذعة ثنائية العبد والسيد في أوطاننا العربية، مع حبكة درامية أجاد المخرج عدي الشنفري إبرازها سواء بالإكسسوارات المسرحية البسيطة والعميقة في رمزيتها، أين تتحوّل المكواة إلى مرساة والمروحة الكهربائية إلى عاصفة، والملابس المعلّقة على سقف المسرح إلى شخوص تتحرّك.

توْنسة الخرافة العُمانية

أما على مستوى المؤثرات الصوتية فقد تمكّن المخرج وطاقمه من جذب انتباه الجمهور التونسي منذ انطلاق العرض، بتوْنسة بعض أغاني المشهدية، التي تمّ توظيفها لصالح العرض كـ”إذا عطاك العاطي” للهادي حبوبة و”خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن” للطفي بوشناق التي أقفلت بها المسرحية.

وبين أغنيتيْ الافتتاح والاختتام تأتي الخرافة سلسة، مرحة ومضحكة مبكية في أكثر من موضع وموقف يشي بأن الأوطان مُلك لقاطنيها ومواطنيها، وما القبطان-المعلّم في ورشة الخياطة إلّا سيّد في خدمة رعيّته، ومتى اختلّ هذا النظام فُقد الوطن أصلا.

وعن العرض يقول مخرجه عدي الشفري لبوابة تونس: “سعيد بهذا التفاعل التونسي مع العرض، وسعيد أكثر بوصول رسالة المسرحية إلى الجمهور، ونتمنّى أن يحصد العمل أحد جوائز المهرجان يوم اختتامه”.

أما الممثل عبدالله مرعي الذي أدّى دور المعلّم-القبطان، فقال: “بساطة الطرح لا ينفي عمقه، وما الأوطان إلّا جمع من المواطنين والمسؤولين، متى اتفقا على خدمة البلد كل من موقعه، كان الصلاح والازدهار والرخاء”.

في حين قال الممثل والمخرج التونسي خالد بوزيد في تصريح لبوابة تونس: “أثمّن العمل وجرأة طرحه بشكل خاص وتطوّر المسرح العُماني بشكل عام، في ظل غياب معاهد مسرحية والتكوين الأكاديمي، فباجتهادات خاصة وصل المسرح العُماني على ما عليه الآن، ويبقى في حالة نماء مُتسارع بتراكم التجارب وتعدّدها، زائد انفتاح أهله على التجارب العربية والعالمية على حد سواء”.

وأتت الدورة العاشرة لتظاهرة “أيام فاغا العربية للمسرح” هذا العام تحت شعار “خلق وإبداع”، وبتنظيم من جمعية محمد الحيدري بباجة بالتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بباجة وبلدية المكان، لتتواصل فعالياتها إلى غاية السابع من سبتمبر الجاري.

خلق وإبداع.. وانفتاح أيضا

تحمل الدورة الجديدة اسم الفنان المسرحي أحمد الكشباطي، وتُشارك فيها أعمال مسرحية من 8 بلدان، هي: “العاصفة” من سلطنة عُمان، “الانتظار” من موريتانيا، “جدب” من الجزائر، “على ميعاد” من فلسطين، “مرايا” من المغرب، “الأيام السبعة” من ليبيا، “نهاية طريق” من العراق، و”بارتيرو” (حزب) لجمعية “ميمزيا للمسرح بتازكة” من ولاية نابل التونسية.

وتحتكم أعمال المسابقة إلى لجنة يرأسها المسرحي التونسي بشير زروق، بعضوية كل من العراقي رسول الصغير، والجزائري الحسن شيبة، والتونسيين دليلة مفتاحي ومعز حمزة ولطفي التركي.

واستهلّت الأيام بعرض مسرحية “ولد الشريف” لجمعية محمد الحيدري للمسرح، وهي من بطولة الفنان المسرحي أحمد الكشباطي الذي عاد إلى اعتلاء الخشبة مجدّدا، إذ مثّل هذا العرض بادرة تكريمية له على مسيرته الطويلة الحافلة بالإبداع في مجال مسرح الهواية والاحتراف.

وقبل عروض المسابقات، افتتحت الدورة، يوم السبت 2 سبتمبر، بمجموعة من العروض في الشارع -160 عرضا-أقيمت على مدى 24 ساعة، وذلك في إطار برنامج 24 ساعة مسرح الشارع، وهي بادرة تهدف إلى التعريف بهذا النمط الفني المسرحي الذي بدأ ينتشر في تونس خلال السنوات الأخيرة، وكذلك تنشيط شوارع المدينة.

وتتضمّن النسخة العاشرة من الأيام -إلى جانب العروض المسرحية- مجموعة الورشات التكوينية لفائدة المسرحيين الهواة في اختصاصات “التمثيل الإيمائي الصامت” من تأطير الممثل خالد بوزيد، و”اللعب الدرامي” من تأطير نورس العباسي، و”من الجسد إلى الكتابة” تحت إشراف معز حمزة، و”نقاش العروض وتحليلها” من تأطير عبير قمري، إلى جانب ورشة “نقاش العروض وتحليلها” بإشراف عبير قمري.

كما يُشرف المسرحي نزار الكشو على ورشة في مسرح الشارح تحمل عنوان “ورشة العمل القياسي في مسرح الشارع”.

وتنتظم، أيضا، لفائدة المُشاركين في التظاهرة ندوة فكرية بعنوان “مسرح الشارع في تونس بين تأسيس الفعل وتأسيس التقليد” يُشرف عليها طلال أيوب، وندوة ثانية حول “فن المسرح” تحت إشراف الناقد محمد مومن.

وتسعى تظاهرة “أيام فاغا العربية للمسرح” -وفق مديرها صفوان الكشباطي- إلى تنشيط المدينة، وإضفاء حركية اقتصادية على الجهة، وترويج مدينة باجة وجهة سياحية ثقافية، وهو الذي أضاف في تصريح لبوابة تونس أنّ الدورة القادمة ستنعقد خارج مدينة باجة، لتشمل كل ولايات الجمهورية في قادم الدورات، وذلك إيمانا من القائمين على الدورة بلا مركزية التظاهرة.

ومصطلح  “فاغا” الذي اتخذته إدارة المهرجان اسما لتظاهرتها، هو الاسم القديم لمدينة باجة الذي أطلقه عليها الرومان، وتعني البقرة الحلوب أو تموّجات سنابل القمح في الحقول عند هبوب النسيم.

أيام_فاغا_العربية_للمسرح_2023#
تونس#
سلطنة_عُمان#
مسرح#

عناوين أخرى