صابر بن عامر
ما معنى أن تكون مصوّرا صحفيّا محترفا في زمن الرّقمنة؟ سؤال توجّهت به بوابة تونس إلى مجموعة من المصوّرين الصحفيين التونسيين من تونس وخارجها، لاستبيان مدى سطوة الصورة أو عدمها في عالم ديجيتالي سريع الإيقاع ومتحوّل، فكان هذا التحقيق.
عن سؤال بوابة تونس، قال المصوّر الصحفي زياد الجزيري: “ربّما من الضّروريّ قبل الإجابة التّنصيص على الصورة الصحفية المحترفة حتّى لا تتداخل الصّورة الصحفيّة والصّورة الفنيّة، وما يجعلني أنبّه إلى هذا، دائما، هو انتشار الصّورة في الوسائط الحديثة وتحوّلها إلى وسيلة متاحة للجميع، والحال أنّه يجب أن نميّز الأولى من الثّانية، فلا الخصائص هي نفسها ولا الوظيفة هي ذاتها”.
لا تعارض بين العالمين
يسترسل الجزيري: “إجابة عن السؤال، أبدأ بالإشارة إلى أنّه لا تعارض أو لنقل لا انقطاع بين التصوير الصحفي والرّقمنة، بل لعلّ التصوير أكثر الأدوات الصحفية قربا من عالم الرقميات سواء في طبيعته التكنولوجيّة أو سرعة نشر المعلومة وانتشارها.. وهو ما يجعل دور المصوّر الصحفي أكبر وأشدّ أثرا، فهو لم يعد تابعا لنصّ مكتوب، أي طرفا ثانيا، بل صار يبثّ المعلومة حتّى دون حاجة إلى نصّ مرافق”.
ويُؤكّد محاورنا: “إضافة إلى هذا، قد لا نخطئ إذا قلنا إنّ المتقبّل يشعر بحريّة أكبر، وهو يتلقّى الخبر بالصّورة، لأنّه سينظر إلى الصّورة من الزاوية التي يشاء ويفهمها كما يشاء، وإذا ما أضفنا إلى كلّ هذا سرعة وصول الصّورة، صارت الرّقمنة والصّورة الصحفية وسيلتيْ تفاعل مباشر مع الواقع قصد فهمه وتغييره”.
ويرى الجزيري أن الرّقمنة جعلت المصوّر الصّحفي المحترف أكثر مسؤوليّة وأكثر مساهمة في تشكيل الوعي العام، وتوجيهه نحو تفاصيل كانت تمرّ مجانبة أو قضايا لم تكن تُطرح، “ولهذا وجب الانتباه إلى هذا الأمر، وأن يُواكبه فعل توعويّ سواء في تحديد شروط العمل أو بسط أدوات قراءة الصّورة، فالرّقمنة ليست مجرّد أدوات تقنيّة، بل هي تحوّل كامل في الفكر والواقع”، وفق توصيفه.
صورة واحدة بألف كلمة
في المقابل تقول المصوّرة الصحفية المحترفة سلمى القيزاني: “أهم شيء في نظري، يجب أن يتوّفر في المصوّر الصحفي المحترف، هو الشغف، عليه أولا وبالذات أن يعشق مهنة التصوير والبراعة في فن التصوير، مع تمكّنه وقدرته على الاختيار الصحيح لزاوية التصوير، وأن يكون ذا حركة دائمة، ولديه الحس الصحفي، وقادرا على الاشتغال في كل الظروف”.
وعليه، ترى القيزاني أنّ “في زمن الرقمنة يجب أن يُواكب الصحفي المحترف الدورات التكوينية بانتظام”، وتُردف: “لكن -للأسف- هذا الأمر غير متوفّر في بعض مؤسّساتنا الصحفية”.
وعنها شخصيا، تقول: “أنا بصفتي مصورة صحفية أعشق مهنتي، وأرغب في التعلمّ بشكل دائم، كما أسعى إلى الحضور في جميع المناسبات والتظاهرات مهما كان نوعها، سياسية، رياضية، ثقافية.. ولا أخاف من أيّ شيء عندما أكون على الميدان، بمعنى آخر، أسعى في جميع الظروف وأحلكها أن أتميّز، وسلاحي في كلّ هذا عدستي”.
وباقتضاب يقول المصوّر الفوتوغرافي والقائم على أعمال الفيديو مع المونتاج سليم البودالي: “المصوّر الصحفي، هو من له القدرة على اصطياد الصور المعبّرة والمؤثّرة لإيصال المعلومة إلى المتلقّي، فيجعل نفسه بصفته باثّا، المتقبّل مواكبا للحدث من خلال ما قدمّه من صور، وهنا لا تهمّ المحامل بقدر قيمة الصورة، فصورة واحدة تساوي ألف كلمة”.
سلاح ذو حدّين
بالتوازي مع كل ما تقدّم من تصريحات منتصرة للرقمنة وأخرى مُشكّكة فيها في زمن التحوّلات الكبرى والمتسارعة، ترى المصوّرة الصحفية دنيا علي أنّه ومع تكاثر منصّات الإعلام الرقمي شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة في تونس أو على المستوى العربي والعالمي، لم يعد في وسع الصحفي المحترف، إلّا أن يتأقلم مع متطلّبات العصر، وأن ينتهج نهج الذكاء الاصطناعي، في محاولة لإثبات الوجود في ظلّ المنافسة الشرسة على الساحة.
وتسترسل علي: “عندما أتحدّث عن نفسي بصفتي مصوّرة فوتوغرافية، أفضّل فكرة التطوير سواء بالتكوين أو الاطّلاع على التجارب الرائدة في هذا المجال، من تقنيات وأساليب جديدة ومُتجدّدة وأدوات عمل، لكن دون التخلّي التام عن أدوات العمل الكلاسيكية التي تنقل الصورة كما هي، ولا تُخفي الحقيقة، ولا تبتعد عن الهدف السامي الذي تُبلّغه الصورة.. تلك الصورة التي تحمل بصمتي وتُعبّر عن رؤيتي للأشياء والمواقف”.
وتُؤكّد المُصوّرة الصحفية التونسية: “العولمة وزمن الرقمنة سلاح ذو حدّين، فبقدر ما يفتح أمامك باب التوسّع في المجال، فإنّه يُبعدك عن الحقيقة، فما علينا سوى الالتزام بالمبادئ الجذرية لهذا العمل النبيل والتأنّي في اجتياز الطريق الوعرة” .
عالم متطوّر يُنذر بالعدم
ما ذهبت إليه دنيا علي في تقييمها لإشكاليات الصورة الصحفية في زمن الرقمنة، يُوافقها فيه الصحفي والمصوّر التونسي المُقيم في بلجيكا حاتم الصّكلي، الذي يقول لبوابة تونس: “بداية التطوّرات التكنولوجية علينا أن نقبل نتائجها بسلبياتها وإيجابياتها.. فلو عدنا إلى التاريخ، تمّ اختراع الكهرباء والقطار والطائرة وغيرها، وكانت حينها وسائل نقل ثورية مقارنة بوسائل النقل التقلدية، فكانت نظرتنا إلى هذه التطوّرات سلبية في البداية، ولو سحبنا هذا على ما نحن بصدده الآن سنجد الأمر ذاته يتكرّر”.
ويسترسل الصحفي المختصّ في الشؤون الأوروبية وحلف شمال الأطلسي: “من ثمة نحن نطوي الآن مرحلة لنستقبل مرحلة تكنولوجية خاصة، وشديدة الخصوصية.. فالرقمنة بشكل عام وارتباطها بالعمل الصحفي، أكيد أنّها قلبت المهنة رأسا على عقب، وجعلت مهنا تندثر وأخرى تبرز.. التكنولوجيات تتطوّر، التقنيات تتطوّر، إنتاج التكنولوجيات في حد ذاتها يتطوّر”.
وعن المستوى الشخصي، يقول الصكلي: “الرقمنة غيّرت من طريقة عملي، وجعلتني أحاول أن أندمج أكثر وأواكب أكثر وبشكل أسرع، وهذا التطوّر المُتسارع قلّل من حجم عملي، فالعلومة والصورة في زمن الرقمنة باتتا تصلان إلى مُتلقّيهما بأكثر سرعة، ولا تحتاجان إلى وسائط، يعني من الباث إلى المتلقّي مباشرة، وبذلك بات الصحفي، أحيانا، أضعف حلقة في العملية الاتصالية”.
ويضرب الصكلي أمثلة على ذلك، بقوله: “اجتماع وزاري كبير، أو حدث رياضي ضخم، أو حفل موسيقي جماهيري، يمكن للسياسي أو الرياضي أو الفنان أن يُمرّر المعلومة والصورة التي يشاء دون الحاجة إلى وسيط صحفي، وهو ما يجعل مهنتنا في خطر”.
ويخلص الصقلي إلى أنّ المهنة بهذا الشكل في طريقها إلى الاندثار، وما على الصحفي والمصوّر الصحفي سوى التأقلم أو البحث عن وسائط جديدة، ورقمنة إنتاجه الصحفي بشكل عام، ولا يكتفي بما كان يُتداول سابقا من صورة ونصّ وفيديو، فهناك وسائل تواصل جديدة تخلط بين كل هذه الوسائط وتجعل من العمل الصحفي متنوّعا وفريدا”.
ويوضّح مُحادثنا: “قديما كنا نتحدّث عن تحميض الصورة ومعالجتها، ثم إرسالها إلى الطباعة، الآن الرّقمنة، صحيح، سهّلت آليات العمل، لكنها في المقابل قد تُفقد الكثير من المهن خصوصيتها وألقها. وإن قارنا بين الماضي والآني، من الناحية النفسية، فعملنا الصحفي كان أكثر إمتاعا، فيه سبق وتسابق وتلاحق، كان فيه الإنتاج اللامادي أكثر، الآن الرّقمنة جعلت كل إنتاجاتنا مادية وملموسة، لا حاجة لنا بالكتابة، وبالتالي صار النص آخر حلقة في المنظومة الإعلامية، مقارنة بالصورة المُرقمنة والكلمة المُرقمنة والفيديو المُرقمن، مثلما أنا فاعل الآن بصدد تسجيل كلمة صوتية للإجابة عن سؤالك بواسطة الهاتف، دون الحاجة إلى تحرير ولا تدقيق ولا طباعة.. الأمر الذي ألغى الكثير من المهن وأخرى في طريقها إلى الانقراض”.