رغم مرور 10 سنوات على الإطاحة بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، مازال لغز القنّاصة الذين وُجّهت إليهم الاتّهامات بقتل العشرات خلال ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي (يناير) يحيّر التونسيين وخاصة عائلات الضّحايا.
الملفّ الأكثر غموضًا في تاريخ تونس مازال يثير الجدل ويسيل كثيرًا من الحبر، رغم أنّ التّحقيق في هذه القضيّة فُتح مرّات عديدة إلّا أنّ النتيجة كانت واحدة وأدّت إلى غلق الملفّ دون إكمال الأبحاث.
تحقيقات عقيمة
لجنة تقصّي الحقائق الّتي بُعثت للتّحقيق في التّجاوزات والانتهاكات، التي حدثت في تونس منذ 17 ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بوزيد، لم توفّق في رفع الغموض عن ملف القنّاصة وأقرّت بصعوبة التعرف على القناصة وتحديد هويّاتهم بعد محاولات عديدة.
رئيس اللجنة المرحوم توفيق بودربالة كان أعلن أن وزارة الداخلية التونسية رفضت التعاون مع لجنته وامتنعت عن تسليمها قائمة بأسماء أعوان الأمن الذين جنّدتهم الوزارة لقمع الاحتجاجات الشعبية.
وأشار إلى أنّ المسؤولين بوزارة الدّاخلية بمن فيهم المعتقلين خلال تلك الفترة، نفوا وجود جهاز قناصة في وزارة الداخلية أو تجنيد قناصة خلال الثورة.
الأمن الرّئاسي ينفي
علي السّرياطي الرئيس السابق لجهاز أمن الرئيس الأسبق، نفى أن يكون القناصة تابعين للجهاز الّذي كان يرأسه، والذي يضمّ 2500 موظف بين إداريين وأمنيين.
وقال السرياطي إنّ جهاز الأمن الشخصي لبن علي كان يضمّ قنّاصين اثنين فقط، “لا يحق لهما قانونيًّا العمل خارج أسوار القصر الرئاسي، وفق قوله.
اختراق الأجهزة الأمنية
رجّح عدد من المتابعين للشأن التّونسي فرضيّة اختراق جهات مجهولة للأجهزة الأمنيّة خلال الفترة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي (يناير) 2011، وقنصوا المحتجّين، لكن دون تحديد الغاية من ذلك إمّا لمحاولة وأد الاحتجاجات أو توريط المؤسّستين الأمنية والعسكريّة.
رئيس الجمهورية السّابق فؤاد المبزّع قال إنّ رئيس لجنة تقصّي الحقائق المرحوم توفيق بودربالة، كشف له وجود القنّاصة لكن دون أن يحدّد الأسلاك الّتي ينتمون إليها مشيرًا إلى أنّه لم ينف فرضيّة أن يكونوا من الإرهابيّين على حدّ قوله.
أسئلة عديدة
يجد العديد من المؤرّخين صعوبة في تأريخ الفترة الّتي شهدت الثّورة التّونسيّة بسبب عدم وضوح الرّؤية في بعض الملفّات أهمّها ملفّ “القنّاصة” وتضارب الرّوايات والشّهادات بشأنهم.
كتابة تاريخ الثورة التّونسيّة يتوقّف على الإفراج عن بعض الملفّات والوثائق التّي تخصّ دور القنّاصة في الثّورة التّونسيّة، فلا يمكن تحديد الإجابة عن السّؤال الأبرز: “هل كانت ثورةً أم انتفاضةً شعبيّة أم انقلابًا؟”
الفنّ يفتح الملف لكن
أطلق المخرج التّونسي يسري بوعصيدة منذ 8 سنوات فيلمًا بعنوان “القنّاص” طرح من خلاله قضيّة القنّاصة وتورّطهم في قتل المتظاهرين في قتل الشّهداء من خلال إصابات مباشرة في الرّأس والصّدر.
المخرج أصرّ على أنّ عمله فنيّ بالأساس وأنّ كلّ أحداثه من وحي خيال كاتب السيناريو الهدف منها إثارة قضيّة وطنيّة مازالت تشغل الرّأي العام إلى اليوم بعيدًا عن محاولة كشف أسرار القضيّة أو إدانة أيّ طرف.
وأشار المخرج إلى أنّ الفيلم كان من النوع الخيالي وليس فيلمًا وثائقيًّا أو نشرة أخبار قائلًا ” لا أدعي محاولة الكشف عن حقائق أو توثيق أحداث ، أنا صاحب كاميرا أصور المجتمع كما هو وأعبر عن آراء المجتمع لا أكثر ولا أقل”.