تونس ثقافة

الزواج العرفي… مسلسل “براءة” يثير ضجة في تونس

بمشهد واحد قصير ومقتضب في آخر الحلقة الثانية من مسلسل “براءة” للمخرج سامي الفهري صاحب قناة “الحوار التونسي”، أثار كلام “سي وناس” (فتحي الهداوي) عن عزمه الزواج عرفيا بمعينته المنزلية (أحلام الفقيه) الكثير من اللغط والجدل في الشارع التونسي.

مشهد أنسى المُتابعين للعمل في حلقته الأولى رمزيّة اغتيال الشرطيّ “يوسف” (ياسين بن قمرة) على يد إرهابيّ في عملية مستوحاة من حادثة فندق “إمبريال” بسوسة في صائفة 2015، حين أقدم شاب تونسي على قتل 38 سائحا أجنبيا من بينهم 30 بريطانيا فاتحا النار عليهم بواسطة رشاش كلاشنيكوف في هجوم تبناه تنظيم “الدولة الإسلامية”.

قامت الدنيا ولم تقعد في تونس شجبا وتنديدا بالمشهد الذي يُشرّع للزواج بثانية وربما ثالثة ورابعة في بلد حسم أمر تعدّد الزوجات منذ بناء دولة الاستقلال مع الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.

وقد تدخّل الشيخ عبد الفتاح مورو في برنامج ”رمضان شو” مع الإعلامي الهادي زعيّم على موجات إذاعة “موزاييك أف أم” الخاصة، أمس الإثنين 4 أفريل/ نيسان للتعليق على المشهد وردود الفعل التي أحدثها.

وقال مورو إن مجلة الأحوال الشخصية أنهت الجدل منذ 13 أوت/ أغسطس 1956 بمنع الزواج العرفي لعدم قانونيته.

وتابع موضحا: “الزواج العرفي هو زواج عادي، لكن لا يدوّن كتابة بل مجرّد اتفاق شفاهي شريطة إشهاره، وهي عادة استمرت لمدة زمن، لكن ومنذ القرن الثاني للهجرة اشترطت نساء القيروان الزواج كتابة كمظهر من مظاهر النبل، فأصبحت معظم المدن تعتمد الصداق المكتوب، لكن هناك زيجات دون كتابة بقيت منتشرة خاصة في القرى والأرياف”.

وأضاف مورو “القانون التونسي يمنع الزواج بثانية، ويعاقب بالسجن سنة لمرتكبه”.

وأوضح القاضي لدى محكمة الاستئناف عمر الوسلاتي أن أرقام الزواج العرفي ارتفعت بشكل لافت بداية من سنة 2014 بالتزامن مع فترة التشكيك في الدولة المدنية وظهور أفكار متشدّدة من بينها الزواج العرفي كمظهر من مظاهر تقويض بناء الدولة.

وقال: “الموقف الحقوقي والقانوني حسمته مجلة الأحوال الشخصية، حين منع المشرّع التونسي تعدّد الزوجات ولا يمكن الحديث عن الحلال والحرام في ظل التشريعات الموضوعة التي حسمت الجدل نهائيا”.

وأكد القاضي  أن الزواج العرفي مسألة خطيرة وراءها مشروع لهدم مؤسّسة الزواج، داعيا إلى تحليل المسألة من منظور اجتماعي سوسيولوجي، قائلا: “الدراما تضرّ بالمجتمع بطرح هذه المواضيع الحارقة في مثل هذه الفترة”.
ومن ناحيتها، دوّنت الحقوقية يسرى فراوس مساء أمس الإثنين، على صفحتها الفيسبوكية: “لم أشاهد المسلسل المعني، وقد يطرح ما يشاء ولنا أن ننقاشه في حينه شكلا وموضوعا. لكن أن ننزاح عن مناقشة عمل درامي أو ربما وضعية اجتماعية يكيّفها القانون التونسي كجريمة، إلى جعل المسلسل مقدّمة لفتح نقاش مزعوم بين القانون والشرع، فهذا تطبيع مع الجريمة، لا أشك أن القاضي عمر الوسلاتي وفى وكفى، لكن أندّد بشدة بهذا الانزلاق الخطير، وأطلب من الهايكا (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري) التحرك السريع ضدّ البرنامج والمنشط”. (تعني برنامج رمضان شو ومقدّمه الهادي زعيّم).

وكتبت الفنانة والإعلامية مريم بن حسين، عن الموضوع: “الزوج (فتحي الهداوي) قدّام مرته (أمام زوجته) وأولاده يقول إنه سيتزوّج… ويطلع الجينريك (تتر النهاية)”.

وأضافت: “لا أعرف كيف ستكون الحلقة الجاية (الآتية)! حتى وإن كانت مراوغة”.

وأردفت: “غير مقبولة بالمرة، شيء مؤسف أن يصبح ذلك مطروحا في مسلسلاتنا… على مرأى من كل الناس، نحط (أتابع) مسلسلات مصر: أرى خطا تحريريا ووجهة نظر لبناء المجتمع… صحة ليهم (هنيئا لهم)”.

وتعوّد سامي الفهري في مسلسلاته “مكتوب” بأجزائه الأربعة و”أولاد مفيدة” بأجزائه الخمسة، إثارة الجدل بطرحه جملة من المواضيع المسكوت عنها، كالإنجاب خارج مؤسّسة الزواج والأمهات العازبات والخيانات الزوجية، إلى جانب انتصاره للعنف والبلطجة التي باتت السمة الأساسية لجل أعماله الدرامية حتى الكوميدية منها كـ”دنيا أخرى” بمواسمه الأربعة، ولم ينج من كلّ ما تقدّم سوى مسلسله التاريخي “تاج الحاضرة” الذي تناول فترة حكم البايات لتونس.