الرهانات الإيطالية على طرابلس الغرب
tunigate post cover
عرب

الرهانات الإيطالية على طرابلس الغرب

يعاود إيطاليا بوجهها الحالي الحنين إلى "الشاطىء الرابع لروما".. ما خلف زيارة الوفد الرفيع لطرابلس؟
2023-01-28 13:17

مختار غميض

تعود صاغرة من أجل مصالحها في الهجرة والطاقة، وهي مهددة أكثر من غيرها من الأوروبيين من الدب الروسي، في أول جولة خارجية لرئيسة الحكومة الجديدة جورجيا ميلوني زعيمة “إخوة إيطاليا”، الحزب الذي يفاخر بالفاشية، الجار القريب والعدو القديم يسعى لترسيخ قدمه السياسي والاقتصادي ولو على حساب شرخ جديد بين الفرقاء الليبيين تفجره الزيارة مع استمرار الحراك الليبي للخروج من المأزق الطويل.

الاقتصاد أوّلا

استفاقة في وقتها بالنسبة لإيطاليا، ضمانا لمصلحتها في التهدئة بليبيا أولا، وثم لاستمرار الإمدادات الطاقية وإبعاد شبح الهجرة غير الشرعية، بعد ركود مطول في العلاقات البينية.

وقفت إيطاليا دائما مع المعسكر الغربي الليبي لكنها ظلت على استحياء ومواربة، فهي التي خذلت حكومة الوفاق عندما طالبت منها المساعدة في وقف عدوان حفتر على طرابلس في 2019، التي لم تجد سوى تركيا.

 وتحاول روما حاليا تعزيز موقفها، برسم استراتيجية  مع ‎طرابلس ترتكز  على ملفات مهمة تخص الهجرة والطاقة والإرهاب والتعاون الاقتصادي.

لذا تخصص ممثلة اليمين الإيطالي المتشدد أول جولة خارجية لها بعد ثلاثة أشهر من تنصيبها، للاهتمام بإقليم طرابلس، المستعمرة القديمة.

ولم تولِ روما اهتماما كافٍ لحل الأزمة الليبية بعد مؤتمر باليرمو الذي جاء في حد ذاته ردا على مؤتمر باريس لمحاولة سحب البساط من فرنسا التي تنظر لإقليم فزّان الغني بالثروات، كإرث لها، قبل تدخلها الفظّ لدعم حفتر بالذخيرة، ونذكر حينها كيف وصلت العلاقات بين الدولتين الأوروبيتين إلى حد التنافر والتنابز.

وقد سُبقت الزيارة بفاعليات اقتصادية تمهد لتعاون واستثمار أوسع سيمثلها رئيس شركة “إيني” الذي يتقدم الوفد الإيطالي الكبير، نحو مزيد من التواجد  في الحقول النفطية غرب ليبيا،  عبر توقيع صفقات بترولية مع المؤسسة الليبية للنفط.

وتعد جملة الاستثمارات التي سيتم الإفصاح عنها رسالة لمجتمع الأعمال الدولي بأن البلاد تخطت مرحلة المنزلقات السياسية التي كانت تتهددها.

وللمراهنة على زيادة حصص العملاق النفطي في الغاز الليبي تخطط إيطاليا لرفع حصتها، عبر الخط البحري الواصل بين شركة مليتة للغاز غرب طرابلس بصقلية، في انتظار تطوير بقية الاكتشافات الغازية الهائلة، وخاصة أن تصبح الامدادات أكثر موثوقية وأمانا بعيدا عن الهزات السياسية، وهو ما ظلت تؤكده المؤسسة الليبية للنفط.

ومثّل تعيين رئيسها الجديد فرحات بن القدارة الذي حقق نوعا من الرضا بين الحكومتين في الشرق والغرب، كشخصية توافقية تخلق نوعا من الاستقرار الاقتصادي وهو ما توضح من خلال ارتفاع معدل الإنتاج اليومي للنفط.

كما ستخول الاتفاقيات المنتظرة في مواقع استخراج الطاقة من نفط وغاز، طرابلس من عائدات مالية ضخمة بمليارات الدولارات (لا تقل عن 8 مليار دولار وفق بعض المختصين) ستصب في خزانة الدولة لعقود مقبلة.

وسيمثل تفعيل التفاهمات مع روما وأنقرة، في الواجهة المقابلة لطرابلس (التي أثارت غضب المعسكر الشرقي الليبي والروسي) قيمة إضافية للمنطقة الغربية، لجعل ليبيا قطبا عالمياًّ للنفط والغاز.

في المقابل سيدعم جهود إيطاليا مع الجزائر أيضا، مما ساعد على نمو صادرات الغاز إلى إيطاليا عبر  الأنابيب نسبة 11% خلال السنة المنقضية بعد إعلان إمكانية إنشاء خط بحري جديد لنقل الغاز والهيدروجين والكهرباء من الجزائر نحو سردينيا ومنه إلى دول أوروبا.

ولا ننسى هنا أن ميلوني قادمة من الجزائر  والمؤكد أن الحوارات الجانبية كانت تصب لصالح التخالف غير المعلن مع الغرب الليبي ونذكر هنا مطالبة تبون في آخر زيارة لروما بإجراء انتخابات حرة في ليبيا، والمضاد لبوتين الذي لم يفتأ في محاولات حرق أوروبا في أتون الصراع الدائر في قلب الاتحاد غير المتحد تجاه أوكرانيا.

ملف الهجرة على الطاولة

عموما تميز التعاطي الإيطالي بالواقعية مع طرابلس رغم ما يُثار عن تحكم المليشيات فيها، ففي أسوإ الحالات لم تتآمر  الديبلوماسية الإيطالية ضد الحكومات المتعاقبة بالغرب الليبي لعدة اعتبارات سنأتي عليها.

وتأتي زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية في إطار عقد الصفقات السياسية لاستثمار ملف الهجرة غير النظامية، مع حكومة الوحدة بإيجاد بدائل  لعمليات صد واعتراض المهاجرين عرض البحر الأبيض المتوسط وقبالة السواحل الليبية ضمن جهود إعادة المهاجرين.

وتستعيض إيطاليا عن ذلك بإعلان الموت الفعلي لعملية “إيريني” التي خنقت طرابلس وحاصرتها ثم سرعان ما انكشفت في ما بعد الغاية الأوروبية من ورائها، وهي التغاضي عن الدعم العسكري لحفتر ومطاردة قوارب الهجرة غير الشرعية لمنع وصولها إلى الضفة الشمالية.

فضلا عن التغاضي أيضا، عن تهريب النفط الليبي إلى إيطاليا، والتنقيب السري عن المصادر الطاقية بعد اتهامات للمافيا الإيطالية بتسخير أموال “إيرينى” في ذلك.

في المقابل تتجه الحكومة الإيطالية للاستعاضة بذلك بذلك عبر مخططات استثمارية رسمية، من شأنها نزع الغطاء عن كل الأنشطة المشبوهة بالمتوسط التي سادت خلال احتدام النزاع الليبي، مثل الصيد الأوروبي الجائر على طول الساحل الليبية، وداخل المياه الإقليمية، لذلك بقيت عملية “إيريني” شكليًّا، إلى حين إنجاز حزمة هذه التفاهمات.

لكن دور إيطاليا الجديد لن يتزحزح بأي حال عن التأكيد على استمرار طرابلس في المهمة الرقابية، عبر اتفاقيات أمنية، فالأمن هو يهم أوروبا قبل كل شيء آخر، سواء ما يخص تدريب خفر السواحل الليبية على عمليات منع شبكات تهريب البشر والاتجار به.

أو التي تشمل إحداث مراكز الإيواء، وتعزيز كوادر أمن المناطق الحدودية للسيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية القادمة من جنوب الصحراء والتي تتكدس في طرابلس حتى أصبحت تمثل عبئا حقيقيا على السلطات، وهذا يعد نجاحا بالنسبة لإيطاليا يحول دون إغراقها بالمهاجرين، وتضعه نصب أعينها شبح استغلاله من باب الابتزاز السياسي.

وعليه فإن ملف الهجرة يعد من أهم المواضيع التي سيتم فتحها للتفاوض، وفق نظرة اليمين المتشدد بعد ما كان الملف غير مطروح كأولوية في الحكومات السابقة، التي علقت آمالا أكبر على جسم الاتحاد الأوروبي في مواجهة قوارب المهاجرين.

هذا الاهتمام يتزامن مع إبداء موقف إيطالي واضح كذلك أكثر من أي وقت مضى، مما يجري على الساحة الليبية، فالرؤية الإيطالية تحث بشكل صريح على تنظيم انتخابات، وفي أسرع وقت، بعد جولات ماراطونية مكثفة قادتها خارجية إيطاليا في أنقرة وتونس ومصر والجزائر، بصرف النظر عن الوعاء الذي ستكون ضمنه الانتخابات.

ما قد يجعل ليبيا أمام خارطة طريق جديدة قد يُعلن عنها بعد إحياء الذكرى الثانية عشرة لثورة فبراير، فلربما يُعاد الملف إلى طاولته التي خرج منها، إلى جنيف، مع ما يدور من حديث عن لقاءات بين أطراف ليبية هناك، لم يُكشف عن فحواها بعد.

توسيع التحالفات

صحيح أن إيطاليا في حاجة إلى نفط وغاز خاصة مع الاستقرار النسبي في ليبيا وتركز المصالح الإيطالية بالسواحل الليبية الغربية، لكن لا شك في المقابل فإن حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة في حاجة أكيدة إلى توسيع تحالفاتها الإقليمية والدولية، لحصد دعم أكبر.

فالدبيبة مُهدد من منافسيه المحليين، ونعلم محاولات إزاحته من المشهد لصالح حكومة الاستقرار بقيادة باشاغا، ومصر من أشد الداعمين لهذا الخيار بتدخل من جهاز المخابرات ورئيسه عباس كامل الذي كان أول الزائرين لطرابلس بعد فشل حفتر في ضمها لنفوذه، حيث طوّر علاقاته حينها مع باشاغا عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة فايز السراج.

غير أن تحالف باشاغا مع حفتر قلب التوازنات السياسية في الغرب الليبي مع انضمام معظم القوى العسكرية إلى جانب الدبيبة، ما يعني اكتساب الأخير أوراق ضغط جديدة لفرض سياساته، وعلى رأسها رفضه المطلق لأي تمديد للأجسام السياسية الحالية التي استوفت جميعها شرعيتها بعد تجديدها مرارا، وتمسك الدبيبة بتسليم السلطة لجسم تنفيذي منتخب.

وباتت الولايات المتحدة تدعم هذا الموقف بشدة، من خلال زيارات أمريكية متعاقبة، أداها مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز للقاهرة قبل وصول وزير الخارجية أنتوني بلينكن، حيث تضغط واشنطن على السيسي لتغيير مواقفه من روسيا ومن وكيلها في شرق ليبيا، حفتر.

هذا التحرك الإيطالي غير المسبوق بهذا المستوى، ليس ببعيد عن تدخل الولايات المتحدة بثقلها مؤخرا في المنطقة، بدءا بليبيا ومرورا بمصر لوضع ترتيبات جديدة لدول الجوار الليبي التي تراهن على الحلول الروسية نحو مزيد تحجيم دورها في سوق الطاقة وعزلها سياسيا.

وعموما فإن التوجه الأمريكي والإيطالي يصبّان حاليا في صالح التحالف مع ليبيا نحو استقرار سياسي واقتصادي، تدعمه الجزائر بقوة تحت لحاف أممي وبأدوات ليبية مستغلة انشغال لاعبين كبار -مثل فرنسا وروسيا وألمانيا كانوا فاعلين في ليبيا- بالمستتقع الأوكراني الذي خلق بؤرة توتر جديدة بعيدة إقليميا خففت من البؤر المشتعلة بالشرق الأوسط.

لكن، وجب التنويه إلى أن عودة معظم الشركات الإيطالية لخدماتها بحقول النفط الليبية، مع تحسن الوضع الأمني سيزيد من حدة المنافسة مع “توتال” الفرنسية وحصة “شل” والشركات الأمريكية، خاصة وأن رئيسة الحكومة الإيطالية تنتقد بشدة سياسات الرئيس الفرنسي الاستعمارية تجاه بلدان إفريقية. 

ناهيك عن المنافسة مع الشركات الروسية التي تمت دعوتها لاستئناف نشاطها، على غرار شركات “تات نفط” و”غاز بروم” الحاصلة على قطع استكشافية بموجب اتفاقيات رسمية، مما قد يعقد الصراع مجددا

 على الثروة خاصة وأن القوات الروسية لا تزال متواجدة في الحقول النفطية وتحتل قواعد عسكرية، وهذا مبعث قلق كبير لم يُحسم بعد.

إيطاليا#
الأزمة الليبية#
ليبيا#

عناوين أخرى