لايف ستايل

الرحّالة التونسي مهدي بلحاج: مسافر زاده الحرية


“حملت حقيبة ثقيلة على ظهري وتركت وطنا جميلا خلفي وانطلقت في طريق طويلة نحو إفريقيا.” مهدي بلحاج شاب تونسي اختار قبل ثلاث سنوات خوض مغامرة في أدغال القارة الإفريقية ، أعلن نجاحه في الوصول إلى الهدف الاثنين 1 نوفمبر/تشرين الثاني. زار 28 دولة و200 قبيلة قاطعا مسافة تفوق 45 ألف كلم.

في اتجاه الحرية 

كان الشاب مهدي بلحاج يعمل مهندسا بإحدى الشركات في تونس، لكنه رفض حياته الرتيبة ونسقها المرتبط بالعمل والسعي وراء المال. يقول مهدي إنه ملّ  العمل اليومي المقلق فقرر ترك كل شيء يتعلق بالمادة والاستقرار والخروج إلى فضاء آخر يثري تجربة حياته.

حب المغامرة والاكتشاف دفع الشاب التونسي إلى الإقدام على رحلة محفوفة بالمخاطر، مليئة بأسرار لا يعرفها. لم يزر إفريقيا سابقا ولا يعرف عنها شيئا، ذهب بهدف اكتشاف شعوبها وأدغالها، ترك الخوف خلفه ورسم هدفا أمامه. يكتب مهدي عن تجربته قبل انطلاقها ويقول: “كثيرون توقعوا عودتي من موريتانيا وآخرون تنبؤوا بنهاية رحلتي في نيجيريا وأقلهم تشاؤما قال إنني سأتعرض للاغتصاب أو القتل.”

من الشمال إلى الجنوب

حقيبة ظهر صغيرة ومبلغ قدره ثلاثة آلاف يورو وقدر كبير من الشجاعة والإرادة، كان زاد مهدي بلحاج عندما انطلق من كاب أنجيلا أقصى نقطة في شمال القارة الإفريقية بتونس، بهدف الوصول إلى آخر نقطة في القارة وهي “رأس الابر” في دولة جنوب إفريقيا.

انطلق مهدي يوم 9 أوت/أغسطس سنة 2018 من تونس، ومن هناك بدأت المفاجآت بحلوها ومرها في طريق الرحالة التونسي.

سجن واختطاف ومرض

لا تحلو المغامرة دون أن تكون محفوفة بالمخاطر وتجربة مهدي فيها من المعاناة ما أرهقه. من الصحراء الكبرى انطلقت الرحلة الجميلة في موريتانيا ثم السنيغال وصولا إلى النيجر ومالي. رافق مهدي قبائل التوارق وعاش بين الأمازيغ والتقى بشعوب الصحراء.

 في صحاري مالي يقول إنه كان قريبا من الموت بعد أن سقط بين أيدي الإرهابيين. ظنوا أنه يعمل مترجما لفائدة بعثة الأمم المتحدة، أشهروا في وجهه السلاح وأرادوا تصفيته قبل أن ينقذه آخرون.

وفي تجربة لم تكن أقل خطرا من تجربة تومبوكتو في مالي، تعرّض مهدي بلحاج للاختطاف من قبل الأمن في الكونغو الديمقراطية. يقول إنه اختُطف من المكان نفسه الذي اغتيل فيه السفير الإيطالي في الكونغو العام الماضي.

في الكونغو اضطر الرحالة التونسي إلى البقاء سنة كاملة على الحدود بسبب إجراءات الغلق التي فرضتها جائحة كورونا، فترة استغلها مهدي للعمل وكسب بعض المال لتعويض ما خسره خلال عملية الاختطاف.

 رحلة مهدي حملت تجربة السجن في نيجيريا مدة ثلاثة أيام بسبب عدم تطابق وثائق سفره مع إجراءات البلاد. وفي أدغال القارة تعرّض مهدي بلحاج للسطو المسلح في غانا وسُلبت أمواله. بات في العراء وذاق الجوع والعطش وعاش الحرمان والفاقة  لكنه واصل رحلته.

المغامرة في إفريقيا عرّضت الشاب التونسي للمرض في مناسبات عديدة: الملاريا وحمى التيفويد وغيرهما. عندها أحس بالوحدة وضعف الحيلة وقلة ذات اليد، لكنه لم يتراجع.

 واصل طريقه غريبا، ووجد نفسه وحيدا في نامبيا وبوتسوانا، أنقذه القراصنة وهربوه خارج الكاميرون.

تجربة ثرية

يقول مهدي إنه سعيد جدا بتجربته التي لا تعوضها قراءة آلاف الكتب. عبر مهدي الأنهار وشق الغابات والصحاري وتسلق الجبال. نام في العراء وفي الكنيسة والمسجد وشرب من النهر وتغذى بفواكه جوز الهند والأناناس… عمل في الكونغو وإفريقيا الوسطى وفي دول كثيرة واستضافته شعوب في بيوتها واقتسم معها رغيف الخبز.

 يقول مهدي في نهاية رحلته: “لن أنسى النوم في كل كنيسة أو جامع، ولن أنسى صوت النار على ضوء النجوم والقمر ورائحة المطر وزخاته فوق خيمتي الصغيرة في كل غابة أو شاطئ أو جزيرة مررت بها. لن أنسى السباحة تحت كل شلاّل أو في بحيرة زرتها.”

ويضيف: “لن أنسى رحلتي في موريتانيا (فوق سطح أطول قطار في العالم) وعبور نهر النيجر والكونغو (على قوارب الموت).. والسفر عبر رابع أكبر بحيرة اصطناعية في العالم.. والإبحار في خليج غينيا (نحو أقصى جزر إفريقيا في المحيط الأطلسي).. وعبور مستنقعات غينيا بيساو وبراكين الكاميرون وغابات إفريقيا الوسطى وشلالات فيكتوريا العظيمة وصحراء ناميبيا الجميلة والصحراء الكبرى مع الطوارق.. وزيارة مدينة تمبوكتو التاريخية وطوبا الأسطورية ومملكة داومي المفقودة.. وصعود أعلى قمة في المغرب والكاميرون وغانا والطوغو وغيرها من الجبال.”

مغامرة مهدي بلحاج كانت رحلة حياة مكاسبها أكثر من خسائرها، تعلم فيها الحرية وحب الآخرين والصبر والتحمل. يقول مهدي إنه وثّق كل لحظة عاشها طيلة أكثر من 3 سنوات. كما سيكتب كتابا يروي فيه رحلته بتفاصيلها المثيرة وينتجها في شكل شريط وثائقي يحمل عنوان “مسافر زاده الحرية”.