ثقافة

الدمشقي بوكلثوم يتغنّى بوطنه المُشتهى في تونس

تواصل أيام قرطاج الموسيقية فعاليات دورتها الثامنة من خلال عروض منتقاة من دول مختلفة ومدارس موسيقية متنوّعة مدارها التجديد والاكتشاف، وهو ما يتأكّد من عرض إلى آخر بحضور جماهيري أغلبه من الشباب، وجد ذائقته الفنية وضالته في إيقاعات تشبهه عصره وتحاكيه.

السوري بوكلثوم كان، مساء أمس الاثنين 23 جانفي/كانون الثاني، ضيفا في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة قدّم عرضه للمرة الأولى أمام الجمهور التونسي ضمن فعاليات الأيام الموسيقية.

جمهور غصّ به الفضاء، تابع سيرة هذا الدمشقي الثائر المتمرّد بموسيقاه على الكثير من الأنماط السياسية والاجتماعية في بلاده.

جمهور من الشباب، أتى ليرى عن قرب ويتفاعل مع مدوّنته الموسيقيّة، التي وإن كانت لم تتجاوز الأربعة عشر عاما، إلاّ أنّها أهّلته ليكون اليوم مرجعا للموسيقى العربية الحديثة.

بحضوره المتوهّج، مساء الاثنين، على مسرح الأوبرا وطاقته الرهيبة في الرقص والغناء، أذهل بوكلثوم الحضور بمضامين أغانيه التي اتّجهت نصوصها نحو سخرية مبطّنة بالدلالات لطرح قضايا شائكة، وحالات وجدانية تُصارع ضغوط الحياة وثقل الواقع ومرارته.

وقال في أغنية “نيزك”: “بقصّتنا انتصر الباطل.. نادوا النيزك يحرق كل شي.. لا أستثني أحدا”، وفي أغنية “ليل”: “يا الّي يدوّرو عالشمس في بلاد الغيم مغطيها”، أو “اللعنة إنا عايشين معهم بس هما مش عايشين معنا”، أو “تخيّل مرّت كل ها الرحلة وما تعلّمت شي”، أو “تعلّمت أحبّ بقلب لم يعطوني إياه”… كلّها نصوص كُتبت بحساسية عالية، وشاعرية مرهفة، وفكر ثائر، وروح متمرّدة، وهو الذي اختصر كلّ تلك المعاني وعلاقته بالفن في جملة كتبها وغناها “مشكلتي أني بحسّ كتير”.

“الحب لمّا تكون إنت الأرض” تلك حكمة بوكلثوم الذي غادر سوريا مكرها لكنّها لم تغادره، ظلّ الحبل السرّي بينهما مشدودا متوتّرا يربط بينه وبين أرضها وشعبها ووجعها رغم استقراره بأوروبا منذ 2016.

غنّى بوكلثوم أغان عديدة لا تتجاوز مدة الأغنية الواحدة ثلاث دقائق، لكنّها عميقة إحساسا، كلمة ولحنا، منها: “طالب”، “صوّان”، “دلّوني”، “عالي”، “لاتنسونا”، “زملوني” وغيرها.

تختلف الإيقاعات من أغنية إلى أخرى يقدّمها بحركة لا تهدأ، وهو الذي تفاجأ بالحضور الغفير، فكان الانسجام العنوان الكبير لسهرة “الرابور” الدمشقي، الذي أشعل قاعة الأوبرا غناء وحركة وإيقاعا.

متأثّرا بالراب الأمريكي انطلق منير كوزاك الملقّب بـ”بو كلثوم” في عالم موسيقي بديل، مثقلا بذاكرة تختزل وجع سوريا والسوريين وشرخ في الروح جعل منه مادّة لأغانيه وقضيته الأساسية.

يكتب الكلمات ويختار إيقاعاتها منذ سنوات المراهقة التي عاشها في ظلّ الدمار والحرب والانكسارات… انكسارات فتحت عينيه على واقع قاس وأليم، فاستعاذ عنه بالموسيقى بدل وطن مُشتهى.