ثقافة رأي

الدراما التونسية في رمضان 2023.. إلى الخلف دُرْ

صابر بن عامر

على غير المُعتاد في العشرية الأخيرة، ومع التنامي التسونامي للقنوات التلفزيونية التونسية، لا سيما الخاصّة منها، والتي فاق عددها العشر، بدا نسق الإنتاج الدرامي للموسم الرمضاني 2023، مُحتشما، بل وهزيلا أصلا.

فإلى حدّ كتابة هذه الأسطر تأكّد تصوير مسلسلين يتيمين لدراما 2023، مع الانتهاء فعليا من تصوير ثالث، والإعلان عن عرض رابع مؤجّل منذ الموسم الرمضاني الماضي، والشروع، بشكل متأخّر، في تصوير 3 سيتكومات هزلية.

بين جديد ومؤجّل

أول الأثافي الثلاث الدرامية الدسمة المُزمع عرضها في رمضان تونس 2023، والتي شارفت قناة الحوار التونسي (خاصة) على الانتهاء من تصويره، وبعيدا عن مسلسلاتها الأجزاء المُعتادة، هو مسلسلها الجديد المعنون بـ”الفلوجة” للمُخرجة سوسن الجمني صاحبة مسلسل “الفوندو 1 و2”.

والعمل الجديد الذي يطرح قضايا المراهقين ومشكلات تلاميذ المعاهد، من بطولة ريم الرياحي، نضال السعدي، محمد علي بن جمعة، محمد مراد، شاكرة رماح، سارة التونسي، فارس عبدالدايم ونسيم بورقيبة.

وبالتوازي مع “الفلوجة” انطلقت مؤسّسة التلفزة الوطنية منذ حوالي شهر في تصوير مسلسل “الجبل الأحمر” المزمع عرضه على الوطنية 1 (عمومية)، وهو من إخراج ربيع التكالي، وبطولة فتحي الهداوي، دليلة المفتاحي، وحيدة الدريدي، محمد السياري، معز القديري، مرام بن عزيزة، نجلاء بن عبدالله، خالد هويسة، ريم بن مسعود، وآخرين.

ويسرد المسلسل الذي تعاون في كتابته التكالي مع عدد من الكتّاب الشباب، قصصا حقيقية لشخصيات عاشت في أقدم الأحياء الشعبية لتونس العاصمة.

وعلى القناة ذاتها تأكّد اقتناؤها السلسلة الكوميدية المُكتملة تصويرا ومونتاجا “للّا السندريلا” للمنتجة التونسية سنية بن بلقاسم، والذي انطلق تصويره في أول شهر سبتمبر من السنة الماضية، بمشاركة ثلة من الأسماء التونسية على غرار الفنانة المخضرمة دليلة المفتاحي وياسين بن قمرة ويسرى المناعي وسنية بن بلقاسم إنتاجا وتمثيلا.

و”للّا السندريلا” من إخراج المصري إبراهيم فخر الذي عُرف بنجاحات درامية سابقة، على غرار “ابن حلال” لمحمد رمضان و”حالة عشق” لمي عز الدين.

وعلى قناة حنبعل (خاصة)، تقرّر عرض السيتكوم الكوميدي المغاربي المؤجّل منذ رمضان 2022 “فندق المغرب العربي” للمخرج التونسي سلمان الشاوش، وهو من بطولة كلّ من التونسيين إكرام عزوز وكوثر بلحاج، والمغربي حسين ميكيات، والجزائري عاشور بوراس، والليبي زياد صبحي والموريتاني محمد الشيخاني.

وتدور أحداث السلسلة حول فندق المغرب العربي الذي أصبح مهدّدا بالإفلاس وتفويته إلى مجموعة استثمارية عالمية، نتيجة الركود الذي تعرّض له جرّاء جائحة فيروس كورونا، فيحمل عمال الفندق الذين جاؤوا من مختلف الدول المغربية، على عاتقهم إنقاذ الفندق من الإفلاس، وتنقل السلسلة يومياتهم داخل هذا الفندق في أجواء كوميدية مرحة.

وهناك حديث أيضا عن انطلاق القناة ذاتها، أي حنبعل، في تصوير سيتكوم كوميدي تحت عنوان “على عجلة” لم يتم الإعلان عن تفاصيله بعد.

أما قناة التاسعة الخاصة، فأعلنت أخيرا عن انطلاقها، ببعض التأخير، في تصوير مسلسل “العيشة” للمخرج بلال بالي الذي كتب أحداثه السينمائية مهدي هميلي مخرج فيلم “أطياف”، والعمل من بطولة الرابور التونسي محمد أمين الحمزاوي العائد أخيرا إلى السينما والدراما التلفزيونية بعد طول غياب.

والقناة ذاتها تعمل كذلك على إنتاج سلسة كوميدية للمنافسة بها في الموسم الرمضاني المُرتقب، تحت عنوان “فارمسي” (الصيدلية)، وهي من بطولة لطيفة القفصي وجمال مداني.

إنتاج شحيح في زمن صعب

في المقابل، لم تكشف قناتا نسمة وقرطاج+ الخاصّتان عن عناوين مسلسلاتهما حتى اللحظة، والأرجح أنّهما لن تدخلا المنافسة بمسلسلات تونسية جديدة، فعامل الزمن المتبقّي على حلول شهر ذروة المُشاهدة الدرامية في تونس والعالم العربي بشكل عام ليس في صالحهما، وقد تستعيذان عن الأعمال التونسية بأعمال عربية وأخرى تركية مُدبلجة.

والمُلاحظ في كلّ ما سبق أنّ الإنتاج الدرامي التونسي لشهر رمضان المُرتقب، بدا شحيحا مُقارنة بالسنوات الخمس الأخيرة -في أدنى تقدير- التي شهدت منافسة مُحتدمة بين القنوات المذكورة أعلاه، والتي اختصّت، ولو بنسب متفاوتة، في إنتاج وعرض مسلسلات تونسية أو تونسية جزائرية مُشتركة مخصوصة لشهر المُنافسة الشرسة على الإشهار والإعلانات قبل الاهتمام بسوية المنتج الفني، وهذا شأن آخر يطول فيه الحديث.

ما يعني أنّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ما انفكّت تمرّ بها تونس منذ انتشار الجائحة وقبلها، ألقت بظلالها على المُنتج الدرامي في بلد مُثخن بمُشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا يُرى لها بصيص انفراج في الأفق القريب. 

ويُلاحظ أيضا أنّ القنوات الأربع المُتنافسة، أو التي آثرت المُنافسة رغم ما سبق ذكره من عراقيل اقتصادية، على كعكة نسب المُشاهدة، تخلّت هذا العام، ولو بشكل مؤقّت، عن استمراء نجاح المسلسلات الأجزاء التي دأبت على إنتاجها في كلّ عام حتى بدت كأنّها عناوين قارة لا محيد عنها في كل رمضان، مثلها مثل الأطباق الرئيسية على مائدة الصائم التونسي على غرار “الشربة” و”البريك” و”الطاجين” إلى من استطاع إليه حيلة.. وهو أمر محمود يُحسب للقنوات الثلاث، لكنّه بالتوازي محفوف بالمخاطر.

مخاطر عدم استساغة المُشاهد التونسي المُستكين، دائما وأبدا وعلى امتداد دورة شمسية كاملة، لنوستالجيا “شوفلي حل” الرابح الأكبر في المُنافسة على الإشهار بمُنتج قديم مُكرّر، هزم وعلى امتداد سنوات مُتعاقبة، كل جديد مُبتكر، بتعلّة أنّ ما تعرضه الفضائيات، لا سيما الخاصّة منها “غير عائلي”، فتذهب كلّ مُغامرة درامية جديدة أدراج رياح “المُقارنة” بين ما كان وما يجب أن يكون من لمّ شتات العائلة التونسية، ولو دراميا، في شهرها اليتيم قُربا وتماسكا وصلة رحم إلى حين.