مجددًا أعادت تصريحات رئيس الجمهورية تعليقًا على الأحداث التي شهدها مجلس نواب الشعب أمس الاثنين، النقاش حول التهديدات المُبطّنة التي لوّح بها قيس سعيد وأبعادها الدستورية والقانونية، فهل يستطيع رئيس الجمهورية حلّ المجلس أو تجميد نشاطه في ظلّ حالة الفوضى هذه والتجاذبات التي تسيطر على المشهد البرلماني؟ وما هي المواد التي تخوّل له اتّخاذ هذه الإجراءات استثنائية في هذا السياق؟
أسئلة تكرّر طرْحها بيْن الكتل البرلمانية والمحلّلين وكذلك الخُبراء التّشريعيّين، بُعيْد الخطاب الشديد اللّهجة الذي وجّهه رئيس الجمهورية، خلال لقائه مع عدد من مُمثّلي الكتلة الديمقراطية.
ووجّه سعيد في تعليقه على أحداث العنف التي شهدها المجلس، تحذيرًا لمن وصفها “بالأطراف الساعية إلى إسقاط الدولة”، مُشدّدًا أنّ على الجميع تحمّل مسؤولياتهم، ومُلمِحا إلى أنهّ سيُردّ على المؤامرات الحاصلة “في إطار القانون وبأكثر ممّا يتصوره البعض”.
كلام رئيس الجمهورية أعاد إلى الأذهان تصريحاته السابقة قبل عدة أشهر، عندما أشار إلى أنّ “الصواريخ فوق منصاتها”، وهو ما اعتبره البعض إشارة جديدة من رئاسة الجمهورية بإمكانية اللجوء إلى استخدام صلاحياتها القانونية لحلّ المجلس، في ظلّ الفوضى والصراعات التي يشهده وتعطّل دوْره التشْريعي والسياسي.
رفض وتشكيك
ردود الفعل السياسية تجاه تصريحات سعيد تباينتْ ما بين رفض وتشكيك وتحذير، رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف كان أول من سارع للرد والتعليق بلهْجة لم تخْل من التصعيد تجاه رئيس الجمهورية، عبْر اتهامه “بالانحياز المفضوح لطرَف سياسيّ على حساب بقية التونسيّين”.
مخلوف وصف تهديدات سعيد بكونها “إنذارات وهمية”، وبأنه لم يعد يحظى باحترام نواب الكرامة بسبب أدائه المهزوز.
تصريحات رئيس الجمهورية ضاعفت الانتقادات الشعبية لمؤسسة البرلمان بحسب المتابعين للمشهد الداخلي، وعزّزت الدعوات من جانب بعض الخبراء الدستوريّين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لحلّ مجلس نواب الشعب.
وطالب أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد في تصريح إعلامي الثلاثاء 8 ديسمبر، رئيس الجمهورية بحلّ المجلس بناء على الصلاحيات المخولة له، مُعتبِرًا أنّ ما يشهده الوضع الحالي بالبلاد من أزمات واحتقان اجتماعي بالتزامن مع الوضع بالبرلمان يمكن اعتباره بمثابة قمّة الأزمة، بما يمكنه من المضيّ في هذا الخيار الذي أصبح ضروريّا لمصلحة البلاد
بالمقابل، وصف النائب مصطفى بن أحمد هذه الدعوات “بالخطيرة”.
وفي مداخلته اليوم بالمجلس، حذّر بن أحمد من تداعيات هذه المواقف مضيفًا: “إنْ تمّ حلّ مجلس نواب الشعب، أؤكدّ لكم أنّه لن تكون هناك أي انتخابات وستسيل الدماء إلى الركب”، مُذكِّرًا بالأجواء المتشنِّجة في الشارع التّونسي.
بدورهم، أبدى بعض أعضاء كتلة حركة النهضة تحفظاتهم تجاه تصريحات سعيد، بحسب ما نقلته مصادر من داخل مجلس نواب الشعب لبوابة تونس.
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ بعض نواب الحركة اعتبروا كلام الرئيس لا يسْتنِد إلى أيّة مرتكزات دستوريّة أو قانونيّة، ولا يخرج عن كونه “مواقف خطابيّة”، باعتبار أنّ ما يحدث داخل المجلس، هو من اختصاص لجنة النظام الداخلي.
بين التهديد والصلاحيات الدستورية
من جانبه انتقد النائب فؤاد ثامر في تصريح لبوابة تونس، تعاطي الرئاسة مع المستجدات الأخيرة، مبيّنًا أن سعيد يتعامل بمكياليْن مع الكتل البرلمانية، حيث يستدعي بعض النواب عند تعرّضهم للعنْف، ولا يحرّك ساكنًا في حالات أخرى”، بما يعني أنه لم يعُد مُمثّلا لكلّ التونسيّين باعتبار تحيّزه.
وبخصوص التهديدات المُبطّنة للرئيس، أضاف ثامر “رئيس الجمهورية لا يمتلك أيّ آلية قانونيّة لحلّ البرلمان في هذه الحالة، ولا وجود لأيّ صلاحية تخوّل له ذلك بما في ذلك الفصل 80 الذي يتحدّث عنه البعض، وهو ليس أهلاً للحديث في هذا الموضوع”.
“رئيس الجمهورية لم يصرّح لا بحلّ البرلمان ولا بتجميده، وهو تحدث فقط عن إجراءات وفي تقديري فإن الإجراءات التي أشار إليها الرئيس في هذه الحالة، تفْتقِد إلى المرتكزات القانونيةً”.
هكذا علّق المحلل السياسي والصحفي المختص في الشأن البرلماني سرحان الشيخاوي لبوابة تونس، بخصوص الجدل الدستوري المتعلق بإمكانية لجوء الرئيس لحل البرلمان.
الشيخاوي أفاد بأنه على مستوى الدستور، فإنّ رئيس الجمهورية لا يمتلك الأدوات القانونية للتعاطي مع ما يحدث حاليًا داخل البرلمان، باعتبار أنّ فرضيات حلّ المؤسّسة التشريعيّة محددة، ولا ينْطبق عليها واقع الحال، ما يجْعل من خطاب سيعيد “بمثابة تصريحات ذات صبغة تهديديّة باستعمال سلطة ليست له”.