أثار تعيين أحمد الحشّاني رئيسا للحكومة، في ساعة متأخّرة من الليلة الفاصلة بين البارحة الثلاثاء واليوم الأربعاء 2 أوت، موجة من التساؤلات حول تاريخ الرجل وخلفيّته وتوجّهاته. ولم يعلم التونسيون عنه في الساعات الأولى التي أعقبت تعيينه إلا أنّه كان مديرًا عامّا سابقا بالبنك المركزي التونسي (متقاعد)، قضّى حياته المهنية بأكملها بالعمل البنكي حيث تدرّج في الرتب المهنية داخل نفس المؤسسة المالية.
وبدأت تتالى التعليقات والمنشورات المتعلّقة برئيس الحكومة الجديد. المناضلة الناشطة السياسية نزيهة رجيبة (أم زياد) ذكرت في تدوينة لها في شكل انطباع أوّلي أنّ “الحشّاني إنسان بلا مشاكل ولديه ماض أليم يبرّر كرهه للرئيس الحبيب بورقيبة الذي أعدم والده بتهمة التآمر عليه، مضيفة أنّ لديه حنين للبايات باعتباره سليل إحدى عائلاتها”.
وشدّدت أم زياد على أنّ الحشّاني ليس لديه ثقافة سياسية ولا ماض سياسي، وأنّه درس القانون بتفوّق وله مسيرة مهنيّة في البنك المركزي. وختمت تدوينتها بالإشارة إلى أنّه متقاعد يعيش حياته على طبيعته دون مشاريع ولا أطماع ولا انتظارات، وأنّه ينشط في موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك بعفوية وبلا تحفّظ، وخلصت إلى “أنّه ليس حِمْل المسؤوليّة التي حمّله إياها الرئيس قيس سعيّد”، متسائلة: “لماذا تمّ تعيينه وما المطلوب منه؟ صدقا لا أعلم”.
من جانبه أشار الناشط السياسي والمحامي رؤوف العيّادي إلى أنّ رئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني هو نجل المرحوم الرائد صالح الحشاني الذي أعدمه بورقيبة في جانفي 1963 وأنّ شقيقه ضابط سام بالجيش الفرنسي.
وتواترت تعليقات السياسيّين على تعيين أحمد الحشّاني على رأس الحكومة خلفا لنجلاء بودن، فقد اعتبر رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي أنّ الهدف من إقالة رئيس الدولة لرئيسة الحكومة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها، هو مسح أخطائه وفشله في رجال الدولة وموظفيها، مضيفا أنّ تغيير نجلاء بودن بأحمد الحشاني لن يكون له أيّ أثر ومعنى كبير، لأنّ رئيس الجمهورية يريد من وراء ذلك أن يوهم الشعب أن هناك حراك، مشيرا إلى أن إقالة نجلاء بودن كانت منتظرة منذ حديثه معهما عن أزمة الخبز.
وأبدى رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي استغرابه من قرار إنهاء مهام رئيس الحكومة نجلاء بودن، مبيّنا أنه كان مفاجئا رغم أنّ كل المؤشّرات كانت تدلّ على إجراء تحوير وزاري.
وقال الشابي إنّه تلقّى خبر إقالة نجلاء بودن، وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها على رأس الحكومة بدرجة من المفاجأة والاستغراب، مضيفا أنّ قيادة الحكومة هي مُهمّة سياسية، وتتطلّب رؤية وقُدرة على توحيد التونسيين، لافتا إلى أنّ من تمّ تعيينه على رأس الحكومة شخص غير معروف، وإلى أن ذلك يفرض التحفّظ إزاءه
في حين شدّد القيادي بحركة الشعب محمد المسيليني على أنّ تغيير شخص بآخر دون رؤية واضحة لمواجهة تحديّات المرحلة لن يجدي نفعا، معتبرا أنّ غياب الماضي السياسي لرئيس الحكومة الجديد محمد الحشاني لا يساعده على رفع التحديات باعتباره ملزما بممارسة السياسة مع الداخل والخارج.
وفي السياق ذاته قال القيادي بحركة النهضة والوزير الأسبق رفيق عبد السلام إنّ رئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني لن يكون سوى ساعي بريد جديد لا غير، مشدّدا على أن النقاش الحقيقي لا يتعلّق بمن يشغل كرسيّ القصبة وإنّما حول من يشغل كرسي الرئاسة في قرطاج.
ورجّح خبير الاقتصاد ووزير التجارة الأسبق محسن حسن أن يكون الملف الاقتصادي هو السبب وراء الإطاحة برئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني مكانها فيما تواصل حكومتها مهامها، وفق تعبيره، مشيرا إلى صعوبة مهّمته في ظل الوضع المتأزم الذي تعيشه تونس والذي طال الحياة المعيشية اليومية للمواطن وعلى رأسها “الخبز”.
وأعرب عن أمله في أن يكون لدى رئيس الحكومة الجديد القدرة على التشخيص الجيد لمعالجة الوضع.
وأدّى أحمد الحشاني رئيس الحكومة المكلّف خلفا لنجلاء بودن، اليمين الدستورية مساء الثلاثاء 1 أوت وذلك خلال موكب رسمي أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد بقصر قرطاج.
وبينما لم تكشف الرئاسة الجمهوريّة عن أسباب إقالة بودن إلا أنّ الشواهد ترجّح أنّ سبب الاستبعاد يتعلّق بمعاناة تونس خلال الفترة الأخيرة، من أزمات اقتصادية عدّة، تمثلت في نقص عدد من المواد الأساسية بينها الخبز والسميد والقهوة والسكر .
وتمّ تعيين نجلاء بودن في سبتمبر 2021، وكانت أول إمرأة تتولى رئاسة الوزراء في تونس والعالم العربي.
ومن اللافت أنّ سعيد اختار رئيسا للحكومة من صنف التكنوقراط الذين لا يتمتّعون بأيّ ماضٍ سياسي، وذلك على عكس ما تطالب به الأحزاب السياسية الداعمة له. ويُرجع الخبراء اختيار الحشاني لهذا المنصب إلى خبرته في المجال المالي والاقتصادي.